شبكة قدس الإخبارية

الولادة الجديدة: "المجد لفاطمة العلي ولمنتصر وزينة السلام وللمقدسيين المَسرة"

168818134_3863311537058045_4758417879293318565_n
هند شريدة

نوستالجيا فيروز لشادي وحنينها المستمر له، جعلها تستعيد باستفاضة ماضيهما معا في الغناء واللعب في التلال، فغنّت له مستحضرة إياه تماماً كما في اليوم الذي ضاع فيه منها، وروت لنا قصة الفقد بحزن ولوعة، فيما ظلّ شادي بنظرها وبرغم العشرين عاما التي انقضت، يسكن بوجدانها، وبقي حيّاً نابضاً بذاكرتهاً، "عم يلعب عالتلج".

"عشرين مرة إجا وراح التلج" لفاطمة أيضاً، زوجة الأسير المحرر مجد بربر، وهي تستحضره يومياً بالغياب، طوال عقدين كاملين من الزمن، مُصرّحة "اللي بعيد عن العين قريب من القلب".

فاطمة العلي، وربما نالت من اسمها نصيباً لتطابقه مع (فاطمة) كاريكاتور ناجي العلي، الذي ابتدعه رمزاً للزوجة الفلسطينية القوية، التي لا تهادن البتّة، وهكذا كانت هي.

اعتقل الاحتلال زوجها، مجد بربر، في يوم الأرض 2001، وكان لديه طفلان، ابنه الكبير منتصر، وابنته الصغرى زينة، التي لم تتجاوز يوم اختطافه 15 يوما. حُكِمَ على مجد 20 عاماً كاملة، تنقل فيها بين سجون الوطن السليب، وعُرِفَ بالرفيق الصّلب، والمقدسي المثقف والموزون.

7300 يوم أُسِرَ مجد في سجون الاحتلال، وهي بعض من المدة التي قضاها في قلب فاطمة. فقصتهما بدأت قبل الزواج، جمعهما حبّ صادق، كان ذخيرتها بعدما خُطِفَ منها، ولم ينضب حبها له يوماً. فلم تكن فاطمة الحبيبة فقط، بل كانت الزوجة والأم، ربّت ولديها بصبر وثبات، فكانت امرأة جذرية، لا تقتات على أنصاف الحلول، مواقفها قطعية بين النّعم والّا فقط. كان عليها أن تلعب دور الأم والأب باحتراف، وتعلّمت مع الوقت كيف تشدّ الحبل وترخيه في أصول التربية مع منتصر وزينة، في الطفولة والمراهقة والشباب. كثيرة هي الأوقات التي قضتها تطبب جراحاً تركها الاحتلال في نفسيهما، وهما لا يمارسان لفظ الأبوّة سوى خلف زجاج عازل في الزيارات. وكثيرة هي الليالي التي سهرتها بجانبهما في المرض، وهرولتها للطبيب وحدها ليلاً، ناهيك عن أخذها زمام القرار، وتواجدها الدائم في الأفراح والأتراح، حتى شبّ عودهما.

شهدت القدس الأسبوع الماضي عرس تحرر المجد من السجون الصهيونية، ولمّ شمل عائلة بربر بعد عشرين عاما ثقيلة، وضريبة بُعْدٍ باهظة عن فطوم ومنتصر وزينة. بأبهى حلة، خرجت فاطمة بثوبها الفلسطيني الأبيض المطرز، فاتحة ذراعيها، تركض في شوارع القدس لعناق المجد، أما هو فقد حملها، ودار فيها كما دار فيها أول مرة في عرسهما. كان عناقاً يليق بعشرين سنة غياب، واحتفى بها أمام الجميع حبيبة وعروساً وزوجة.

لم يكن عناقهما مشهدا هوليووديا أو سورياليا ما، بل واقعيا، مقدسياً، أصيلا حدّ الحقيقة. فمنذ زمن طويل، لم يتجرّع الفلسطينيون فرحاً بهذا الكم الصادق. جددت قصة فاطمة ومجد الأمل في النفوس وسط كثرة الخيبات، والتطبيع، والأسرلة والتهويد. فجّرت عائلة بربر قلب الكثيرين مَسرّة، ما أغاظ الاحتلال، فأعاد اعتقال المجد وسط مشاهد الفرح والرقص في بيته في رأس العامود، وما كان منه أن أطلق صرخة (لن نهزم)، ليعود من جديد منتصراً ومحمولاً على الأكتاف بين أهازيج النسوة ودبكات شباب القدس.

لم يكن اختطاف مجد الثالث التنغيص الوحيد للاحتلال، فجميع عائلة بربر اختبرت "الاحتباس الحراري" قبيل تحرر مجد بأشهر. بدأ الموضوع باعتقال ابنه منتصر قبل أربعة شهور من تحرير والده، واقتياده مدة شهر كامل في مسلخ المسكوبية، كما اعتقل الاحتلال بوحشية بربرية ابنته زينة قبلها في حراك طالعات في القدس المحتلة.

وبرغم التنغيص كله، والزيارات التي منعت منها، والمرة اليتيمة التي انتزعتها فاطمة وزينة من المحتل لتأخذا صورة عائلية مع المجد في الأسر طوال فترة الاعتقال، والتسعة عشر يوما أرض بدونه، إلا أن الفرح متأصل لدى عائلة بربر، ومعد بطريقة عنقودية. جميعنا مدينون لمجد وفاطمة وزينة ومنتصر بالفرح الذي أدخلوه إلى قلوبنا.

بالرغم من فرحة فاطمة التي لا تبدّلها بكنوز الأرض، إلا أنها تشعر بالخجل من زوجات الأسرى اللواتي يتوافدن لمباركتها، نقول لها: لا تخجلي يا فاطمة، أنت تستحقين الفرح، الحرية حتمية، والعقبى لبقية أسرانا وأسيراتنا.

 

 

#أسرى #القدس #الاحتلال #اعتقال