الخليل - قُدس الإخبارية: شكلت حوادث إطلاق النار التي تشهدها مناطق مختلفة في الضفة المحتلة وبينها الخليل، هواجس ومخاوف متزايدة من آثار هذه الظاهرة على السلم الأهلي والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة أصلاً بفعل الاحتلال وظروف جائحة كورونا، وتثير تساؤلات حول دور الأجهزة الأمنية في محاربة الفلتان، وهل تملك العائلات لوحدها معالجة أسباب الظاهرة؟
برنامج "حكي الناس" الذي قدمه الزميل سامر رويشد، بالشراكة بين إذاعة "علم" و"شبكة قدس"، طرح قضية إطلاق النار المتكررة في محافظة الخليل، مع وجهاء عشائر ورئيس بلدية وناطق باسم الأجهزة الأمنية وعضو في الغرفة التجارية بالمحافظة.
ظاهرة جديدة: إرهاب المؤسسات وصناع القرار
من جانبه، كشف رئيس بلدية يطا عيسى سميرات، عن تعرض عضو في البلدية لإطلاق نار بالإضافة لمبنى المجلس البلدي، بعد اتخاذ "قرارات تخدم الصالح العام ولم تعجب بعض الأشخاص".
وقال سميرات إن عضو المجلس رشدي الصريع بعد أن وافق على قرار بإحالة عدد من الموظفين للتقاعد، تعرض لإطلاق نار خلال قيادته لمركبته عائداً لمنزله من بيت عمه، وقد لاحقوه لمسافة طويلة في المدينة.
وأضاف: وتعرض مبنى المجلس البلدي لعمليتي إطلاق نار خلال أيام، بالإضافة لتعرض منزل رئيس مجلس بلدي الشيوخ لإطلاق نار، وأشير إلى أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية اعتقلت المجموعة التي أطلقت النار تجاه المجلس البلدي في يطا.
واعتبر سميرات أننا أمام "ظاهرة جديدة" وهي "إطلاق نار تجاه المؤسسات وأصحاب القرار بهدف تخويفهم وإرهابهم"، وقال: عندما يتخذ المجلس البلدي قرارات يكون هدفها خدمة الصالح العام، والمطلوب من الحكومة والقضاء والأجهزة الأمنية عدم التهاون مع العابثين بالسلم الأهلي والمعتدين على المؤسسات والبلديات.
وقال إن العشائر أصدرت بياناً بعد الاعتداء على البلدية، وناشدت فيه الرئيس "بالكشف عن كل المعتدين"، كما حضر المحافظ إلى المدينة "وأعرب عن استعداده لتقديم الدعم لبلديتي يطا والشيوخ".
وأكد أن على القضاء "عدم التهاون مع المعتدين"، وتابع: "لا يعقل أن أحضر عائلتي وعشيرتي لكي تحميني داخل المؤسسة، حين أتخذ قرارات تخدم الصالح العام، من أطلق النار على بلدية يطا أو على رئيس بلدية الشيوخ قد يقتل ويدمر في مكان آخر".
"سلاح مشبوه"
واعتبر عز الدين الجعبري، أحد وجهاء العشائر في الخليل، أن "المسؤولية تقع على الجهة المتنفذة في البلد لحماية الناس"، في إشارة إلى الأجهزة الأمنية.
وأضاف: العشائر لا دور لها سوى تطييب الخواطر والإصلاح، وفي الوثيقة التي أطلقتها جامعة الخليل وكنت من المعدين لها، قلنا بوضوح: "من يشهرون الأسلحة ويطلقون النار فئة ضالة مجرمة وتعمل لأجندات".
وأكد الجعبري على وجود "فئات مشبوهة تعمل لإثارة الفتن في المحافظة"، وتابع: "قلت لأبناء عائلتي أن هناك من يريد إثارة الفتن في الخليل، وعلى رأسهم الاحتلال الذي يرتاح لوقوع المشاكل وإثارة الناس على بعضها".
وأشار الجعبري إلى أنه أحد المتضررين من عمليات إطلاق النار، وقال: "محلاتي التجارية تعرضت لإطلاق نار لأكثر من 10 مرات".
وقال: "عندما تحدث إشكالية مع أحد أفراد عائلتي تتعرض محلاتي التجارية للاعتداء، بأي وجه حق يعتدي علينا ونحن لسنا طرفاً في أية إشكالية".
وحول تعامل السلطة مع الشكاوى التي يقدمها المتضررون من عمليات إطلاق النار، قال: "نقدم الشكوى وتوضع في طي الكتمان، يعرف المعتدي ويسلم السلاح وبعدها يطلق سراحه، ماذا استفدنا إذا لم يتعرض للعقاب؟!".
وتابع: "من أين هذا السلاح؟ وكيف آتى؟ ولأي أجندات يعمل هؤلاء؟ نريد السلام والأمن في مجتمعنا، ونحمل السلطة المسؤولية عن معالجة هذه الظواهر وعليها أن تتخذ الإجراءات الرادعة".
فقدان الأمن: هروب المستثمرين
وأكد عضو الغرفة التجارية في مدينة الخليل، حسام الزغل، أن حوادث إطلاق النار التي تستهدف المحلات التجارية، تدفع المستثمرين "للهروب من البلد".
وقال: الاستثمار والتجارة بحاجة لأمان واستقرار، وهناك من يفكر بالخروج من البلد نتيجة هذه الحوادث والاعتداءات، وإقامة مصانع في تركيا ومصر، وهذه ظاهرة خطيرة يجب الوقوف عندها ومعالجة أسبابها.
وأشار إلى أن اجتماعاً ضم رئيس غرفة تجارة وصناعة محافظة الخليل مع المحافظ، يوم أمس، وتباحثا في أسباب هذه الظاهرة الخطيرة والإجراءات اللازمة لوقفها.
وأضاف: المنطقة التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية في الخليل صغيرة نسبياً، ومن السهل ضبطها، ولدينا أجهزة أمنية بمسميات كثيرة ويجب عليها أن تؤدي واجبها في حفظ الأمن والاستقرار.
ما هو دور العشائر؟
من جانبه، اعتبر كبير وجهاء عشائر جبل الخليل، عبد الوهاب غيث، أن دور العشائر يأتي "بعد وقوع الجريمة وليس قبلها"، وقال: "منع الجريمة يقع على عاتق السلطة التي تملك أجهزة مخابرات وأمن".
وأضاف: "نتمنى أن نصل لمرحلة ينتهي فيها دور العشائر، وتسيطر السلطة الحاكمة وتنفذ واجباتها بحل المشاكل ومنع وقوع الجرائم، ويكون دورنا فقط اجتماعي".
وتابع: "في عمليات إطلاق النار مثلاً هل دور العشائر أن تذهب لمراقبة الشوارع.؟ أم يجب على الأجهزة الأمنية أن منفذي الاعتداءات؟".
وأكد أن العائلات رفعت الغطاء عن مطلقي النار، وقال: "لكن ليس هناك متابعة من المسؤولين لضبط الأمور الأمنية، والإنسان لم يعد آمنا في بيته أو على محله التجاري، وشخصياً تحدثت مع قادة الأجهزة واتفقنا على وجوب حل هذه الظاهرة، ولكن أين التنفيذ؟".
وحول ما يثار على أن العشائر هي من توفر السلاح، قال: "ليس سلاح العشائر، هذا سلاح مشبوه، هناك ظروف وتربية خاطئة تدفع بعض الشباب لارتكاب مثل هذه الأعمال، لا يوجد أي عشيرة تقول لأبنائها إذهبوا وأطلقوا النار، وأنا مسؤول عن كلامي، كلها تصرفات فردية لأنه لا يوجد رادع".
وأشار إلى ميثاق شرف وقعت عليه 600 شخصية من المحافظة "لتحريم وتجريم فورة الدم"، وأضاف: "قلنا للسلطة أي شخص يشارك في فورة الدم يجب أن يعتقل ولا يفرج عنه حتى يدفع مقابل كل الخسائر التي أحدثها في منازل الناس وممتلكاتهم".
واعتبر أن "للعائلة والتربية والعشيرة ودوائر الأوقاف دوراً هاماً في الحد من ظواهر العنف، لكنها لا تقوم به، ويجب عليها تنظيم جلسات ودورات لتوعية الشبان وأبناء العائلات، لكن المسؤولية الكبرى تقع على السلطة".
ماذا قالت الأجهزة الأمنية؟
وقال المفوض السياسي للأجهزة الأمنية، طلال الدويكات، إن "الرئيس أصدر تعليمات مشددة للأجهزة الأمنية متابعة كل ما يجري في محافظات الوطن بما فيها الخليل، واعتقال منفذي عمليات إطلاق النار".
وأضاف: الأجهزة الأمنية اتخذت إجراءات واعتقلت بعض المشبوهين، ولا غطاء تنظيمي أو عشائري يمكن لشخص أو مجموعة أن تعبث بالسلم الأهلي".
واعتبر أن "الأجهزة الأمنية تقع عليها المسؤولية الأولى في معالجة هذه القضايا، لكن المجتمع عليه أن يأخذ دوره، في بعض القرى والمناطق وقعوا ميثاق شرف يمنع إطلاق النار، وعندما تنتشر الثقافة والوعي وتبني هذه الفكرة ستقل هذه الحوادث".
وحول ما أثير أن الأجهزة الأمنية تفرج عن المتهمين بتنفيذ الاعتداءات، قال: "هذا كلام غير دقيق وكل شخص يدان بعملية إطلاق نار يقدم للقانون، وحتى لا نظلم الأجهزة الأمنية علينا أن لا ننسى بعض المعيقات التي تواجهها، وبعضها متعلق بسلوك الاحتلال، وفي محافظة الخليل من إجراءات الاحتلال التي تقسم المحافظة لعدة مناطق تمنع السلطة من العمل في عدد منها".
وأضاف: "الأمن والاستقرار مقدمة مهمة جدا لتحقيق الاستقرار السياسي، ومحافظة الخليل هناك عديد الشخصيات العائلية والتنظميمية تدرك أن ترك الأمور كما هي يهدد مستقبل شعبنا ".
وحول دور العشائر، قال: "دور العشائر مهم ولا أحد ينكر أن رجال الإصلاح يبذلون جهوداً كبيرة في حل الخلافات، لكن أحيانا بعض التدخلات تشجع المخالفين على ارتكاب مخالفات أخرى وبعضها أكثر خطورة، وعلينا استثمار كل الإمكانيات الاجتماعية لتوفير الأمن المطلوب لشعبنا، هذا الامن الذي فقدناه بسبب إجراءات الاحتلال".
ورداً على سؤال هل لدى الأجهزة تخوفات من عودة الفلتان الأمني، اعتبر أن "المؤسسة الأمنية بكل إمكانياتها ستعمل من أجل تقديم الخدمات المطلوبة، وفي مقدمتها توفير الأمن والاستقرار، والقيادة مصرة على الاستمرار بهذه الجهود، حتى نحقق الاستقرار والوحدة الوطنية الفلسطينية".