الخليل- خاص قُدس الإخبارية: أضحت محمية وادي القف مرتعًا للمخالفات ومكبًا للنفايات، دون رقيب ولا حسيب، تزامنًا مع تهمشيها من قبل الجهات الرسمية، واستغلالها في التحطيب وتقطيع أشجارها بشكل خارج عن الإطار القانوني والأخلاقي، ومع استمرار تصادم بلديات "الخليل وبيت أولا وترقوميا وبيت كاحل" على الأحقية بمتابعتها وإقامة المشاريع فيها.
تقع محمية وادي القف، شمال غرب مدينة الخليل، جنوب الضفة، على مساحة تقدر بـ 4600 دونمٍ مزروعة بالأشجار الحرجية، يراها الناس ملاذًا ومتنفسًا لهم، ومساحةً آمنة للطيور المهاجرة والمقيمة.
وكان من المفترض أن تُحول المحمية إلى منتزهٍ وطني، بناءً على قرار مجلس الوزراء الصادر في نوفمبر 2016، إلى أن القرار لم يُطبق بعد أن واجه احتجاجًا من الأهالي والمجالس البلدية للقرى المحاذية للمحمية.
تراخٍ أفضى إلى حريق
نتيجة الاستهتار الذي تعرضت له المحمية والتي تعتبر الأكبر بين محميات الضفة والقطاع التي يبلغ عددها 48 محمية وإثر التباطؤ في مراقبتها ومتابعتها – شبّ فيها حريقٌ طال أكثر من 250 دونمًا على مرحلتين متتاليتين امتدتا يومين خلال نهاية الأسبوع الماضي؛ ما أدى لتضرر أكثر من ألف شجرة حرجية خلال اليوم الأول للحريق، فيما لم تُحصر خسائر اليوم الثاني، حسبما يؤكد مسؤول الإعلام في الدفاع المدني بالخليل، إسلام أبو شيخة.
وأوضح أبو شيخة في حديثه لـ "قدس الإخبارية"، أن الحريق الأول اندلع نتيجة العثور على "فحم أراجيل" بموقع الحريق واستخدام المكان من بعض "المتنزهين" بشكل غير لائق، فيما يُرجح أن الحريق في اليوم الثاني وقع إثر فعل فاعلٍ وبشكلٍ متعمدٍ، مشيرًا إلى أن التحقيق جارٍ ويحتاج وقتًا طويلًا لاتساع مسرح الحريق، مع متابعة بعض الأشخاص الذين تحوم حولهم الشكوك.
أهالي المناطق المحاذية للمحمية قالوا إن طائرات الاحتلال ساهمت في إخماد الحريق الذي استغرق إطفاؤه أكثر من 12 ساعة، فيما نفى الدفاع المدني تواصله مع الاحتلال لطلب المساعدة، وأشاروا إلى أن وجودها في إخماد الحريق تأتي تخوفًا من وصولها إلى المستوطنات القريبة من المنطقة، وليست إسنادًا للأراضي الفلسطينية.
انتقادات لوزارة الزراعة
وتشهد المنطقة جهودًا غير منتظمة، حيث يقع وادي القف بين بلدات كل من (بيت كاحل وبيت اولا وحلحول وترقوميا)، ما أدى في كثير من الأحيان إلى وقوع مشاكل مستمرة كان من الصعب التعامل معها وتداركها سريعًا كما حصل في الحريق أخيرًا.
بلدية بيت كاحل والتي يتبع لها الجزء المتضرر من الأراضي بالدرجة الأولى، أشار عضو مجلسها يوسف عصافرة إلى أنهم سارعوا بالتواصل مع بلدية حلحول بهدف التنسيق فيما بينهم للتعامل مع الحريق، فتم إرسال سيارات المياه والجرافات، واستقدام بعض المتطوعين الذين تمكنوا من وقف زحف النيران مؤقتًا، لكن سيطرتهم لم تدم طويلًا حتى عادت النيران واشتعلت بالأشجار مرة أخرى بعد مغادرة طواقم البلديات والدفاع المدني، لتعود في اليوم التالي وتباشر عمليات الإطفاء مجددًا رغم شح إمكانياتها.
وطالب عصافرة في حديثه لـ "قدس الإخبارية"، وزارة الزراعة بعد أن حمّلها جزءًا من مسؤولية ما تتعرض له المحمية من تهميش وحريق، بإقامة ما يسمى بـ"الخطوط النارية"، وهي عبارة عن خطوط ترابية تقسم الجبال وتفصل بينها، ومن شأنها أن تحد من توسع اتجاهات النيران حال اشتعالها، فيما يرى أن الوزارة يحيطها تقصيرٌ من هذه الناحية.
وفي السياق ذاته، قال مدير سلطة جودة البيئة في الخليل بهجت جبارين، إن المسؤول الأول عن محمية واد القف هي وزارة الزراعة وإن عليها أن تزيد من عدد المراقبين والمحافظين على العناصر الطبيعية فيها، من خلال وضع خطط استراتيجية تخدم الوضع المحلي للبيئة الفلسطينية.
ويضيف جبارين لـ"قدس"، أن السلطة تتعامل سنويًا مع العديد من ملفات الاعتداءات التي تطال تلك المناطق بما يشمل الحرائق وقطع الأشجار والصيد غير المنتظم وإلقاء النفايات، نافيًا أن تكون السلطة منحت تراخيص لأي منشأة قد تتسبب إقامتها بالقرب من المحمية بنتائج تضر بالبيئة.
ورغم حظر القانون إنشاء المتنزهات في المحميات الطبيعية، إلا أن الحكومة صادقت على إقامة بعضٍ منها في بيت كاحل ونوبا وخاراس وترقوميا؛ بدعوى تنظيم العملية السياحية وتقديم خدمات ترفيهية للأهالي.
اتهام الشعب
تواصلت "قدس الإخبارية" مع وزارة الزراعة لاستيضاح الأمر، حيث قالت مسؤولة مديرية شمال الخليل، سحر الشعراوي، إن طواقمهم تعمل ليلًا نهارًا في الميدان، وأن المحمية تابعة للوزارة وهي "تَعرِف كيف تعمل" بهذه المناطق، مشيرةً إلى أن اجتماعًا عُقد بالأمس مع الجهات المختصة؛ لاقتراح أمورٍ ومطالبات رفضت الشعراوي الإفصاح عنها قبل تطبيقها على أرض الواقع.
ونفت الشعراوي أن يكون التقصير بحق المنطقة صادر من قبل وزارتهم، قائلةً "أُلقي اللوم على الشعب ثم الشعب ثم الشعب" وذلك في إشارة إلى أن الشعب هو من يتحمل المسؤولية نتيجة إهماله واستخدامه للمحمية بشكل يتمثّل بحرق مخلفاتهم وأعشابهم الزائدة في المحمية، ولعدم إطفائهم النار جيدًا بعد استخدامها للتنزه.
وردًا على مطالبة بلدية بيت كاحل، وزارة الزراعة بعمل "خطوط نارية" بالمكان، أفادت وزارة الزراعة بأن المحمية تنتشر بها الخطوط النارية لكن ليس بإمكانها "عمل خطوط نارية بين كل مئة متر" كما يعتقد البعض وذلك حسب قانون الغابات العالمي.
ختامًا.. تستطيع الجهات المسؤولة تبرير موقفها والتهرب من مسؤولياتها، وإلقاء اللوم على جهات أخرى، لكن ذلك أمرٌ لا ينبغي حصوله حال ارتباط الحدث بما هو متنفسٌ وحيدٌ للناس على الأرض وللطيور والحيوانات أيضًا، مع وجوب أن يقف الجميع أمام مسؤولياته حفاظًا على ما هو ملكٌ للعامة.