شبكة قدس الإخبارية

أخي المُطبّع أختي المُطبّعة

9202015172034850
مصطفى بدر

لطالما كان الممنوع مرغوباً، ولطالما كان الحرام أسهل الطرق وأسرعها، وكم تخيّل بعضُكُم بلادنا العجيبة التي حدّثكم أجدادكم عنها عندما أتوا قديماً إليها على ظهور الجمال من وراء الكثبان الرمليّة طلباً للرزق والعمل، قبل أن تؤتون رزقكم ونُحرم من أنعامنا، ربما حدثوكم عن برتقالها وعنبها وتينها وزيتونها، وربما أخبروكم عن رجالها ونسائها ومائها وهوائها، لكنّ ما بقي يشغل بالكم أولئك الذين جاءوا من كلّ مكانٍ ليتجمعوا فيها، ويسرقوا شجرها وثمرها وملحها وذكرياتها.

بالتأكيد تساءلتم عن الجدوى من كلّ هذا العِداء، ولماذا يصرّ البعض على إلزامكم بالطريق الصعب المليء بالكفاح والتضحية والشجاعة، لتقفوا رغماً عنكم إلى جانب الطرف الضعيف الذي خسر كلّ شيء، بينما طريقٌ آخرٌ مفتوحٌ أمامكم لا يُكلّفكم عبوره سوى التنازل عن الشرف والكرامة والحقوق والمقدّسات التي لم تَعُد تعني لكم شيئاً، ألم يحن الوقت للاستغناء عن طريق المشقّة؟

أعزائي الركّاب المطبّعين، بعد أن تحطّ طائرتكم على أرضية مطار بن غوريون بسلام، تذكروا أن الترحيب الذي ستحظَون به سيخلو من عبارة "أهلاً بكم في بيتكم الثاني" أو "وطنكم الثاني"، فلتلك العبارة تشكّل تهديداً وجوديّاً لأبناء عمّكم ومساعيهم الحثيثة على مدار سنواتٍ من التطهير العرقيّ وسرقة الأرض والتاريخ، وأرجو ألا تضايقكم الإجراءات الأمنيّة المشددة التي قد تلعب جيناتكم والأصباغ الداكنة في بشرتكم الدور الأهمّ في تشديدها عليكم بشكلٍ خاصّ، فما تحملونه من نوايا طيّبةٍ وأموال ليسا أعلى مرتبةً من "أمن إسرائيل".

وعلى ذكر الأموال أوصيكم بأن تتحلّوا بالمسؤوليّة، وألا تنفقوها جميعها على التسوّق والترفيه والخمور وساعات الفجور، وأن تتركوا قسماً للاستثمار في شركات الأمن والصناعات الحربيّة التي تجلب لكم ولأوطانكم الموت والدمار، وفي شركات التكنولوجيا التي تسعى لتطوير تقنيات تعرية خصوصياتكم وفضح الأسرار، والاستيطان الذي يسرطن أقدس أقداسكم وجبال الضفّة والأغوار، وكلوا من طيبات ما رزقناكم فأنتم في أرض "الشمينت" يا أمّةً لا تعرف العار.

عندما تحتسون الشاي في بهو الفندق صباحاً تأملوا فنجانكم، فكروا بأقدام الأطفال التي خَطَت فوق تلك الرمال قبل أن تُصهَر؟ وانظروا إلى ملامح من قدّم لكم الشاي ولاحظوا وجهاً كغير وجوه البائسين الذين اعتدتم على احتقارهم وإذلالهم بلقمة عيشهم في بلدانكم، انظروا إلى سبّابة النادل التي أمسكت بأذن فنجانكم وإن كانت يوماً قد ضغطت على زنادٍ فهل قتلت؟ وعندما يعود هذا النادل الليلة سينام في سرير من؟ وتحت سقف من؟ ومن العائلة التي ربما قد تكون رشاشات عصابات البالماخ وشتيرن قد نهشت لحمها خلف ذلك الجدار الحجريّ القديم في حديقة الفندق؟ ومن دُفن في تلك المقبرة الجماعيّة تحت موقف السيّارات هنا؟ ومن سالت دمائه على الشارع هناك؟ ومن صاحب الأرض؟ ومن صاحب الحقّ؟

وعند صعودكم من السهل الساحليّ نحو جبال القدس الغربيّة أبهروا عيونكم بجمال تلك الغابات الكثيفة، لكن لا تدققوا النظر فتثير انتباهكم بقايا القرى الفلسطينيّة المنسوفة، وبقايا قبور الصحابة والأولياء وآثار الأنبياء، وغطوا وجوهكم خجلاً إن مررتم بقبور أسلافكم الذين استشهدوا دفاعاً عن هذه الأرض يوماً ما، واحشدوا دموعكم وأنتم في طريقكم إلى متحف المحرقة اليهوديّة؛ لتشعروا بالذنب والندم على شيءٍ فعله غيركم، ولتدفعوا الثمن الذي لم تتوقفوا يوماً عن دفعه في حربكم التي لم تخوضوها وسلامكم.

أخي المطبّع، أختي المطبّعة، نذكركم باعتمار قبّعة "الكيباه" في ذروة زيارتكم عندما تصلون لحائط البراق، فأبناء عمّكم لن يتقبّلوا هيئتكم كما تقبلتموهم، وسيخبرونكم بأن اسمه "حائط المبكى" ولن يشكّل فرقاً لكم، فبالتأكيد طائرات F-35 أفضل عندكم من البراق، ووترانيم البالماخ الداعية لهدم المسجد الأقصى أجمل على مسامعكم من سورة الإسراء التي محيتموها من دينكم الجديد، فشكراً لكم على تخلّصكم من آخر أقنعتكم، وشكراً على مساعدتكم لشعوبكم في معرفة حقيقتكم، وشكراً لأنّ قضيّتنا قد تطهرت من طابورٍ آخر من المنافقين، الذين بابتعادهم جعلوا الحقّ أقرب.