تتوالى الأحاديث التي تكيل الاتهامات للدبلوماسية الفلسطينية، محملة إياها -عبر اخفاقها- مسؤولية تطبيع بعض الدول العربية للعلاقات مع "إسرائيل"/ وإخراجها من السر إلى العلن، وخسارة بعض ممن كانوا يوماً ما حلفاء للقضية الفلسطينية.
أحاول في هذا المقال التعقيب على موضوع التطبيع من زاويتين، الأولى تتعلق بالخلل البنيوي في منظومة عمل السلطة الفلسطينية، والزاوية الثانية، تتعلق بالظرف الموضوعي الذي يعيشه النظام الدولي، وما طرأ عليه من تغييرات انعكست على القضية الفلسطينية.
يتعلق الخلل البنيوي في منظومة السلطة الفلسطينية، في أدائها على المستويين الداخلي والخارجي، داخلياً تبنت السلطة الفلسطينية نهج السلام منذ توقيع اتفاقية أوسلو، ولا زالت تتمسك بهذا النهج وسخرت كل قواها وإمكانياتها في تحقيق السلام، والالتزام ببنود اتفاقية أوسلو - من طرف واحد- بينما لم تلتزم اسرائيل بتلك الاتفاقية، وبالتالي فقدت السلطة الفلسطينية الدور الذي كانت تقوم به منظمة التحرير وحركة فتح كرائدة للمشروع النضالي التحرري.
عمليا انعكس ذلك على الرأي العام العربي والدولي، الذي كان مؤيداً ومناصراً للقضية والثورة الفلسطينية، التي تدافع عن حقوقها التاريخية المشروعة، فغياب الكفاح المسلح واستبداله بخيار المفاوضات، أفقد القضية زخماً كانت تتمتع به، وأما على الصعيد الخارجي فلا يخفى على أحد حصول السلطة الفلسطينية، على مكانة دولة عضو مراقب في الأمم المتحدة، وانضمامها لعدد كبير من المنظمات الدولية، وإقامة علاقات دبلوماسية، مع العديد من دول العالم وفتح السفارات والقنصليات.
ولكن السلطة الفلسطينية لا تمتلك الكثير من أوراق القوة، كي تترجمها لإنجازات على المستوى الدبلوماسي، فهي لا تمتلك لوبيات ضغط في الولايات المتحدة، وليس لديها مئات مليارات الدولارات، كي تستخدمها في تحقيق مكاسب لصالح القضية، والماكينة الإعلامية الفلسطينية تعاني من الضعف والاخفاق.
وبالحديث عن الظرف الموضوعي الذي يعيشه النظام الدولي وانعكاساته، على القضية الفلسطينية، فقد خسرت القضية الفلسطينية زخماً كبيراً كانت تتمتع به منذ منتصف القرن الماضي,، على صعيد الشعوب والأنظمة، ولنعد قليلاً للفترة التي كانت القضية الفلسطينية قضية محورية ومركزية عربياً ودولياً.
كان احتلال فلسطين وقيام دولة الاحتلال متزامنا مع قيام الدول العربية الحديثة، وتحررها من الاستعمار، وكانت الأنظمة العربية آنذاك تكتسب شرعيتها من خطاب تحرير فلسطين، وعدائها للكيان الدخيل، حرصاً على أنظمتها الخُدج من سرطان الاحتلال، وتلبية لمطالب الشعوب العربية.
أما عالمياً فقد حظيت القضية الفلسطينية بدعم سخي من الكتلة الشيوعية، التي دعمت حركات التحرر والثورات في الدول التي تقع تحت الاستعمار الرأسمالي، وبعد فشل مشروع التحرير العربي، عبر الهزائم المتكررة التي منيت بها الأنظمة العربية، والتفات تلك الدول لمشاكلها الداخلية، وتوقيع مصر اتفاقية السلام مع "إسرائيل"، وانحسار الكتلة الشيوعية وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، وسيادة نظام القطب الواحد، والهيمنة الأمريكية على العالم، وفي محصلة جميع ما ذكر تراجع حضور القضية الفلسطينية عربياً ودولياً وخسرت حلفاء تاريخيين.
وعلى النقيض من تراجع حضور القضية الفلسطينية، تقدمت "إسرائيل" إقليمياً وعالمياً عبر تقنياتها الزراعية، والاقتصادية، والعسكرية، والأكاديمية، وإقامة شبكة علاقات دبلوماسية واستخبارية، مع العديد من الدول ونجحت في ذلك من كسب أصدقاء وشركاء جدد كانوا حلفاء للقضية الفلسطينية.
وبالعودة إلى التطبيع العربي الرسمي الأخير، لا أريد الإسهاب في الحديث عن أسبابه ونتائجه، ولكن أود الإشارة إلى التغيير الحاصل، في الشرق الأوسط وعلاقته بالتطبيع، فالمنطقة تشهد تشكيل تحالفات ومشاريع جديدة أولها مشروع الثورات المضادة، الذي تقوده الامارات والسعودية ومصر مع"إسرائيل"والذي يواجه المشروع الشيعي الممتد من إيران، مروراً بالعراق، واليمن، وسوريا، وصولاً إلى لبنان، والمشروع التركي القطري المتحالف مع حركات الاسلام السياسي وحركات الربيع العربي، ومن الضرورة بمكان لنجاح مشروع الثورات المضادة، أن تكون العلاقات استراتيجية وقوية مع "إسرائيل".
وفي الختام ومع اصطفاف العديد من الدول العربية إلى جانب "إسرائيل"، في مواجهة المد الإيراني والتركي في الشرق الاوسط، وسقوط القضية الفلسطينية، من سلم أولويات تلك الدول العربية، أصبح من الضروري للقيادة الفلسطينية، أن تبحث عن حلفاء جدد للقضية، فرب أخٍ لك لا يتحدث العربية!