ما أقدمت عليه مملكة البحرين من تطبيع علني لعلاقاتها مع دولة الاحتلال ليس بالمفاجئ ولا بالمستغرب أو بالخارج عن السياق والإطار للنظام الرسمي العربي الذي وصل إلى مرحلة الانهيار والتعفن والسفور في علاقاته التطبيعية مع دولة الاحتلال الصهيوني، وخاصة بأن البحرين في الاجتماع الرسمي لما يسمى بجامعة الدول العربية، هي التي أوكلت إليها مهمة إسقاط القرار الفلسطيني بتجريم التطبيع الإماراتي، وحتى بصيغته المخففة اعتبار ما قامت به الإمارات خروجاً على ما يسمى بمبادرة السلام العربية "الصنمية"، بل وصلت الوقاحة بمشيخة البحرين القول بأنها ستطرح على مجلس الجامعة بند شرعنة التطبيع العربي...نعم موقف البحرين التي احتضنت الشق الاقتصادي لصفقة القرن الأمريكية في 25 و26/ حزيران /2019، وحضر سفيرها في واشنطن إعلان الشق السياسي لتلك الصفقة في 28/1/2020 إلى جانب رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو والرئيس الأمريكي المتطرف ترامب لا يختلف كثيراً لا عن موقف الإمارات ولا عُمان ولا من يقودون العملية التطبيعية من خلف الستارة، ولا من يقومون بالترحيب بخطوات التطبيع وهم من دخلوا نادي التطبيع مبكراً قبل ستة وعشرين عاماً ووقعوا الاتفاقيات التطبيعية مع دولة الاحتلال، وهم أعجز عن حماية أمن مصر المائي والقومي.
نحن لا نريد"الاجترار" عن مخاطر التطبيع وما يسببه من خسارة وألم، وكونه يطعن الشعب الفلسطيني في الصميم، ويشكل دعما علنيا لدولة الاحتلال في شرعنة كل ما تقوم به من قمع وتنكيل بحق الشعب الفلسطيني ونهب وضم أرضه واستباحة مقدساته وفي المقدمة منها المسجد الأقصى، وبأن ذلك يمثل قمة السقوط السياسي والأخلاقي والإستراتيجي للنظام الرسمي العربي وارتمائه في أحضان دولة الاحتلال والاستسلام لها، بل ما يحصل هو أن أنظمة ترهن وجودها وبقاء عروشها لإرادة الأمريكي والإسرائيلي، وتعتقد بأن هذا التطبيع سيمكن من حمايتها وليس احتلال أرضها والسيطرة على ثرواتها وافقار شعوبها.
وحتى لا نكون "طوباويين" أو سطحيين، فعلينا كفلسطينيين أن نعي بأن القادم أكبر وأخطر بكثير، حيث سنتعرض إلى سيل جارف من المؤامرات، وسيسعى الحلف المعادي إلى محاولة اختراق الصف الفلسطيني وبث الفتن والمؤامرات وتعميق الشرخ في البيت الفلسطيني، والعمل على ممارسة أقصى درجات الابتزاز وعلى أكثر من جبهة، وسيعملون جاهدين كذلك على توظيف أطراف فلسطينية للمشاركة في مؤامراتهم ومشاريعهم، نعم سيكون هناك ضغوط بالترحيل والطرد للجاليات الفلسطينية في أكثر من دولة عربية والضغط عليهم لإدانة مواقف القيادة الفلسطينية..وسيكون هناك عمليات طرد وترحيل عرقي كالتي تمارسها إسرائيل، وسيكون هناك ابتزاز مالي للقيادة وللشعب الفلسطيني وجالياته، وكذلك سيتم العمل على إيجاد وخلق قيادات بديلة تفتح لها صنابير وحنفيات المال في الداخل والخارج...ناهيك عن خلق الفتن وإحداث الانقسامات والشروخ والتصدعات في الجسد الفلسطيني ...نحن في مرحلة هي الأخطر ، مرحلة تصفية القضية الفلسطينية بكل ركائزها، وبأيدي النظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن، والذي عمل على تغيير أسس وقواعد الصراع من صراع عربي- إسرائيلي جوهره القضية الفلسطينية إلى صراع مذهبي إسلامي- إسلامي (سني- شيعي)،بحيث باتت إيران والمحور الذي يدعمها ويساندها، هم وفق التصنيف الأمريكي من يشكلون الخطر على أمن النظام الرسمي العربي وعروشه واستقراره، ولذلك لا بد من بناء تحالف أمني وعسكري واستخباري ضدهم. ولذلك ليس من المستغرب في المستقبل القريب، في حالة حدوث عدوان على ايران او كل ما يتصل بها من محور مقاومة دول وحركات، أن تشارك في العدوان عليها قوات من دول النظام الرسمي العربي أو توفر دعما لوجستيا وعسكريا.. الخ، وكذلك في المحافل والمؤسسات الدولية، سنشهد تصويتا من قبل دول النظام الرسمي العربي المتعفن والمنهار الى جانب دولة الاحتلال والأمريكان على قرارات ضد فلسطين وقضيتها وحقوقها ولصالح دولة الاحتلال.
الموقف الفلسطيني يجب أن يجري حسمه بشكل نهائي والخروج من المنطقة الرمادية على صعيد التوصيفات لمعسكر الأصدقاء والأعداء، ويجب الكف عن الرهان على هذا النظام الرسمي العربي أو ذاك من معسكر التطبيع، ولكن هذا لا يمنع أن يكون هناك تكتيكات عالية في التعاطي مع مسألة الجغرافيا العربية والوجود الفلسطيني فيها بدون انتهاك للإستراتيجية، وكذلك يجب رسم تحالفات مع القوى الحزبية والشعبية العربية والإسلامية التي تقف ضد التطبيع العلني والمجاني مع العدو الصهيوني، فالحالة الشعبية العربية بمزاجها وطبعها، ورغم ما تتعرض له من عملية "طحن" وافقار وتجويع رافضة للتطبيع مع دولة الاحتلال، والمرحلة كذلك لم يعد الحديث فيها مجدياً عن تشكيل لجان بل الآن تعطى الأولوية لتشكيل قيادة إنقاذ للشعب الفلسطيني، بحيث يجري إعلان حالة طوارىء وتشكيل قيادة إنقاذ تضم الكل الفلسطيني في الداخل والخارج وعلى طول مساحة فلسطين التاريخية، وبما يشمل كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني وكفاءاته المجتمعية والوطنية قيادة يناط بها تولي الملفات السياسية وقضايا تصريف الأعمال والأمور الحياتية للشعب الفلسطيني يعهد بها إلى حكومة وحدة وطنية، يجري التوافق عليها وعلى برنامجها، مؤذنة بإنهاء الانقسام.