أما وقد تم طي صفحة التصعيد الأخير في غزة، فما زال الإسرائيليون يستخلصون العبر منه، وأهمها أن نتيجة هذه الجولة مع حماس، تمثلت باشتعال النيران في عشرات آلاف الدونمات الزراعية، وتحولت حياة المستوطنين في غلاف غزة جحيمًا لا يطاق.
تقدم المحافل الإسرائيلية تقييمها لـ"جولة البلالين"، باعتبار أن ما بدا لعبة فضولية في إبريل 2018، حين أطلقت حماس أول بلالينها المشتعلة، تحولت اليوم بعد ثلاث سنوات خطرًا جديًّا، أسفر عن إحراق الأراضي الزراعية، وتحويل حياة المستوطنين إلى كابوس.
يصعب على الإسرائيليين قراءة نتائج هذه الجولة مع حماس، بمعزل عما تعده قطاعات واسعة منهم بـ"أم الكوارث" المتمثلة بالانسحاب من غزة قبل 15 عامًا، وقد تحولت نتائجها اليوم من مصدر إزعاج إلى تهديد حقيقي، فجولات المواجهة العسكرية بدأت مع استكمال الانسحاب الذي قاده شارون، رغم وعده بالرد بقسوة على أي هجوم يخرج من غزة.
صحيح أن جيش الاحتلال شن حروبًا دامية على غزة، وتخللها عمليات خاطفة بين حين وآخر، لكن ذلك لم يوقف حماس عن مهاجمة "إسرائيل" بشتى الطرق، من إطلاق الصواريخ على التجمعات الاستيطانية، إلى حرق المحاصيل الزراعية، ويمكن الاستنتاج أن حماس لا تردعها "إسرائيل"، فنتائج الحروب والعدوان المتواصل على غزة، دفع ثمنها الإسرائيليون، كما الفلسطينيون.
هذا يعني، وفق التقييم الإسرائيلي، أن سلوك الجيش الذي يصفونه بـ"العاجز" أمام حماس، مع تخليه عن المستوطنين، يشكل إخفاقًا استراتيجيًّا، يقوض ما تبقى من قوة الردع ضدها، وينتج عنه حافز لاستمرار العمليات المسلحة، وهو سلوك مرفوض لا يغتفر، بنظر الإسرائيليين أنفسهم، والمسؤولية تقع على المستويين السياسي والعسكري في "إسرائيل".
يزيد الإسرائيليون في تقييمهم "القاسي" بإجراء مقارنة للسلوك العسكري الإسرائيلي بين الجبهتين الشمالية مع لبنان وسوريا، والجنوبية مع قطاع غزة، لأن التصرف الإسرائيلي بيد قوية في الشمال، يثير تساؤلات حول سلوكه المختلف في الجنوب، ما يطرح السؤال حول ماهية السياسة الإسرائيلية تجاه القطاع، وفي ظل أن الجواب ليس واضحًا إلى الآن، فإن الجولة الأخيرة مع حماس أثارت أسئلة وشكوكًا حول استراتيجية "إسرائيل" في المنطقة.
صحيح أن "إسرائيل" لا تخاف من حماس، التي واجهتها بأسلحة بدائية كالمقلاع، والخرق الممزوجة بالزيت والبالونات، لكن عجزها الظاهر أمامها يثير مسألة ما إذا كانت "إسرائيل" مهتمة بحل مشكلة غزة، لأنها حتى لو امتلكت القدرات العسكرية، لكنها على الأرجح غير كافية، بدليل أن حماس، وعبر بلالينها المشتعلة، تمكنت من دفع "إسرائيل" للجنون، وجرها لمعركة إضعاف الوعي، المتمثل بتجنب المواجهة معها