قبل منتصف ليل الاثنين الماضي على «صوت إسرائيل»، تتفلسف المغنية المغربية كريمة الصقلي ( المولودة عام 1969) مع المذيع سليم شحادة في القسم العربي للإذاعة الإسرائيلية. المذيع ذو الصوت الرخيم يفلح أخيراً في استدراج مطربين عرب غافلين للحديث الحميم عن تجاربهم الموسيقية بشكل طبيعي تماماً في برنامج «ساعة بقرب الحبيب». البرنامج يعرّف عن نفسه على موقع الإذاعة الإلكتروني بأنّه «إطلالة ليلية مع الشعر والموسيقى والكلام الجميل، نكسر فيها الحدود والمسافات لنتعرف عن قرب على شخصيات مبدعينا من العالم العربي وكل أقطار العالم».
إلى جانب أدواره العسكرية والأمنية، لـ«صوت إسرائيل» تاريخ «عريق» في استدراج التطبيع منذ ما كان يسمى «دار الإذاعة الإسرائيلية». أُنشئت الإذاعة لتطبيع الفلسطينيين الواقعين في قبضة الاحتلال أساساً، ولاستهداف جمهور عربي أوسع في الدرجة الثانية. وفي السنوات الأخيرة، يُلحظ نشاطه في استدراج عرب غافلين في بعض برامجه. وللأسف لم يجد أخف من بعض «أهل المغنى»، وخصوصاً أنّ الأنا المتورمة تقود أحياناً إلى الموبقات. طرح يأتيكم على «أسمهان المغرب» أسئلة نمطية سطحية تتكرر منذ عشرين عاماً تقريباً في كل برامج «صوت إسرائيل» الفنية من نوع: «ما رأيك بالأغنية الاستهلاكية؟». ولم يرتجف لسفيرة «الطرب الأصيل» صوت طوال اللقاء الهاتفي كما لو أنّها تتحدث مع إذاعة في القاهرة أو عمان أو دمشق. «الطريف» أنهّ حين سألها المذيع عن علاقات فنّها بالسياسة، سرعان ما راحت الصقلي تحاضر له عن «أهمية الثقافة السياسية، والمسؤولية السياسية عن الأرض وعن الكون»! بل إنّ السيدة كريمة أوشكت على القول إنّ الفنان مسؤول عن كوكب المريخ أيضاً.
الصقلي التي سبق أن استضافها زاهي وهبي في برنامجه «بيت القصيد» على «الميادين» في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، مسمّياً إيّاها «سيدة الطرب المغربي»؛ انخرطت مع «صوت إسرائيل» في حوار جاد جداً حول «الأصالة، والمرأة، والأخلاق، والقيم التي تربّت عليها»، إضافة إلى «التراث والإنشاد الصوفي»، من دون أن يخطر لها أن تتساءل عن هوية الإذاعة التي تتحدث إليها، إلى درجة تجعل المرء يتساءل إن كانت فعلاً تعي أنّها تتحدث عبر أثير إذاعة من «أورشليم القدس»؟ لا تدري كريمة الصقلي، وأمثالها من ضيوف إذاعة الاحتلال الإسرائيلي، الذين لا نعرف آلية استدراجهم وكيف يوقع بهم في فخاخ كهذه، إلى أي درك ينحدرون مع نشاطات بائسة ومخزية مماثلة، فضلاً عن إساءتهم للغناء العربي (وهو غناء تحرّر كما نظن) و«القيم التي تربّوا عليها»، بحسب الكليشيه الذي كرّرته الصقلي مراراً.
عموماً، مر اللقاء - قرابة ساعة - من دون ذكر كلمة فلسطين أو احتلال أو أي إشارة للسياق تجعلنا نستوعب ما نسمعه، ومن دون أن يرتجف صوت المطربة الفيلسوفة الكلمنجية التي بدت مصرّة على تكرار استعمال كلمة أخلاق بإلحاح مريب. تلك المطربة التي سبق وغنّت «لا يُرجِع الأقصى وصخرتَه إلا اشتغال الأرض بالغضب»، يبدو أنّ ساعة واحدة «بقرب إسرائيل» كانت كافية لتنسيها كل تاريخها!