فلسطين المحتلة - خاص بقدس الإخبارية: "التطبيع" المتصاعد من أنظمة عربية رسمية، مع الاحتلال الإسرائيلي، يطرح تحديات كبيرة أمام حركة مقاطعة "إسرائيل" والنشطاء والحراكات العاملة، لنزع الشرعية عن دولة الاحتلال، وفضح جرائمها في العالم.
"قُدس الإخبارية" حاورت منسق اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة في قطاع غزة، عبد الرحمن أبو نحل حول مختلف القضايا، التي تتعلق بمقاطعة "إسرائيل" ورفض التطبيع معها، عقب الاتفاق الإماراتي مع دولة الاحتلال:
كيف سينعكس هذا الإعلان الرسمي عن العلاقات بين الاحتلال الإسرائيلي والإمارات على القضية الفلسطينية؟
إن القضية الفلسطينية هي قضية من أجل الحرية والعدالة وعودة اللاجئين تستند على نضال وتضامن الشعوب معها لا الأنظمة المستبدة الفاسدة.
إن الإعلان عن اتفاقية العار بين النظام الحاكم المستبد في الإمارات العربية، ونظام الاستعمار والاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي، هو خيانة للقضية الفلسطينية، وتحالف خطير مع العدو الأول لشعوب المنطقة، بما يخالف موقف الشعب العربي في الإمارات العربية المتحدة.
تكمن خطورته أنه يعزز نظام الاستعمار الإسرائيلي، على حساب القضية الفلسطينية ويشجع أنظمة مستبدة أخرى على المجاهرة بعلاقاتها مع "إسرائيل"، وتوقيع المزيد من اتفاقيات الخيانة.
في السنوات الأخيرة، بدا جلياً للمراقبين أن النظام الإماراتي تحت قيادة محمد بن زايد، يسير في خطى حثيثة نحو التحالف مع العدو الصهيوني ضد القضية الفلسطينية، وقضايا شعوب المنطقة، مترافقاً ذلك مع حرب إجرامية ضد الشعب اليمني الشقيق، وقمع بوليسي لحرية الرأي والتعبير، وفي قلب ذلك حرية المواطنين والمقيمين في الإمارات في التعبير عن تضامنهم مع النضال العربي الفلسطيني، ضد الاحتلال الإسرائيلي أو مع الشعب اليمني.
بعد هذه الاتفاقية سيكون القمع أشد وأعنف بحق العرب هناك، وهذا ما ظهر قبل يوم بنشر تطبيق إلكتروني للتبليغ عن المعارضين والمنتقدين.
إن تطبيع العلاقات بين نظام بن زايد والاحتلال سيزيد من التبادل الاقتصادي والعسكري-الأمني، الحاصل من قبل، بينهما وبالتالي تعزيز منظومة القمع الصهيونية، ضد شعبنا الفلسطيني والشعوب العربية.
كذلك سيستفيد نظام بن زايد من الترسانة العسكرية والأمنية الصهيونية في جرائمه في اليمن، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، الحصول على المزيد من الدعم الأمريكي عسكرياً وسياسياً، أي ستزداد قوة النظامين الاجرامية ضد شعوبنا.
كيف يستغل الاحتلال العلاقات التطبيعية التي يقيمها مع أنظمة في المنطقة لتحسين صورته في العالم؟
يستغل نظام الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي، العلاقات مع الأنظمة لمحاولة تعزيز شرعيته في العالم التي تتعرض لتحديات بسبب تنامي حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) وانكشاف صورة إسرائيل الحقيقية أمام المجتمعات العالمية، خاصة الغربية منها.
وهو في نفس الوقت، يحاول تمرير فكرة أنه مقبول في الوطن العربي رغم المقاومة الفلسطينية له.
كما أن المشروع الإسرائيلي للمنطقة يعتمد على الهيمنة التجارية، على السوق العربي الكبير، دون تنازل حول حقوق الشعب الفلسطيني. لكن هذه العلاقات تنقلب عليه، حيث أن العلاقات والتحالف مع أنظمة قمعية مستبدة يكشف للتيارات التقدمية وشعوب العالم، حقيقة نظامه كنظام احتلال واستعمار استيطاني وفصل عنصري (أبارتهايد)، وإلا ما الذي يجعل نظام ما يتفاخر بعلاقة بنظام منبوذ في الأوساط التقدمية، حول العالم مثل النظام الإماراتي، أو البحريني، أو السعودي، أو الهندي، أو البرازيلي، أو المجري.
بذلك تسقط حكومة الاحتلال بنفسها كذبة "واحة الديمقراطية في غابة الشرق الأوسط"، التي تروجها وحليفها الأمريكي منذ عقود طويلة.
ما هي الخطوات التي تعمل عليها حركة المقاطعة لمواجهة التطبيع المتصاعد في المنطقة من جانب الأنظمة مع الاحتلال؟
تقوم حركة المقاطعة من خلال حملاتها وشركائها في المنطقة، بزيادة قوتها وبناء المزيد من العلاقات لنشر ثقافة المقاطعة، ومواجهة سياسة التطبيع التي تروجها الأنظمة.
كما تقوم الحركة بفضح كل الأفعال التطبيعية التي تقوم بها الأنظمة، كما تنفذ الحركة في المنطقة العربية العديد من الحملات ضد التطبيع وضد الشركات الضالعة في جرائم الاحتلال الإسرائيلي مثل (G4S) و (Veolia) و(PUMA) وغيرها.
بعد الإعلان الإماراتي – الإسرائيلي – الأمريكي، أصدرت عشرات الأطر والقوى العربية، بما فيها الغالبية الساحقة من المجتمع الفلسطيني،بيانا أدانت هذه الاتفاقية واعتبرتها خيانة، وجاء في المطالب، مطلبين يشكلان عقوبة ومحاصرة للنظام الإماراتي ومؤسساته وهما دعوة:
1- الشعب العربي في الإمارات إلى الاستمرار في رفض التطبيع، بما فيه الأنشطة التطبيعية التي يفخر النظام الإماراتي في تنظيمها مع الحركة الصهيونية العالمية تحت شعار "حوار الأديان"، ومقاطعة تجلّيات هذه الاتفاقية وتجلّياتها، بالذات كلّ أشكال التبادل الدبلوماسي والاقتصادي والأكاديمي والثقافي والرياضي مع إسرائيل، والامتناع عن زيارة فلسطين التاريخية، وبالذات القدس المحتلة، من خلال البوابة الإسرائيلية. إنّ أيّ لقاء إماراتيّ إسرائيلي على أيّ مستوى هو بمثابة خيانةٍ لشهداء الأمة وضمنها فلسطين.
2- المواطنين/ات العرب (من غير المقيمين/ات في الإمارات) إلى مقاطعة جميع المحافل والأنشطة التي تُنظّم في الإمارات برعاية النظام، بما فيها التجارية والرياضية والثقافية والفنية والسياحية وغيرها، مثل "إكسبودبي"، المفترض عقده العام المقبل بمشاركة إسرائيلية، و"مهرجان دبي للتسوّق" وغيرها، ومقاطعة أيّ شركةٍ إماراتيةٍ أو عربيةٍ أو دوليةٍ تتواطأ في تنفيذ اتفاقية العار بين النظام الإماراتي والإسرائيلي.
منذ صبيحة الإعلان توالت مواقف الفنانين والكتاب المنسحبين، من معارض وفعاليات إماراتية وعلى رأسها جائرة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة "البوكر العربية" للرواية، وهذا من شأنه إذا تصاعد أن يشكل قلقاً للنظام الإماراتي ومن يحذو حذوه، إذ تنفق هذه الأنظمة مليارات الدولارات، على تلميع صورتها وكسب مكانة عالمية من خلال الثقافة والفنون، والأكاديميا، والمعارض التجارية، ومهرجانات التسوّق وغيرها.
برأيك، ما هي الخطوات والبرامج التي تعمل عليها الأنظمة العربية المطبعة لتهيئة المجتمعات لتقبل تطبيعها؟
إن سياسات القمع والقهر هي أولى خطوات الأنظمة، لإجبار المجتمعات على قبول ما تريده، لكن القمع قد يولد الرفض والمقاومة، خاصة حينما يتعلق الأمر بقضايا مبدئية مثل قضية فلسطين.
لذا نلاحظ استغلال الأنظمة للدراما والإعلام الحديث، لنشر أفكار مسمومة تخدم سياسات التطبيع مع العدو، وتجنيد عدد كبير من الحسابات في مواقع الإعلام الاجتماعي لتشويه وعي المجتمعات وتضليلها وقمع الآراء الوطنية والقومية.
هذا بالإضافة لمحاصرة وتقييد عمل حملات المقاطعة والقوى المجتمعية والسياسية، وهذا ما جرى في الامارات بشكل كامل ومروع، ويجري بدرجات متفاوتة في بلدان أخرى مثل السعودية، وعُمان، والبحرين، ومصر وغيرها.
من خلال متابعتك، ما هو موقف الشعوب من هذا التطبيع؟ لأن بعض وسائل الإعلام المدعومة من هذه الأنظمة تحاول تصوير المشهد وكأن الشعوب العربية تراجعت عن ارتباطها بقضية فلسطين.
الموقف العام وسط شعوب المقاطعة، هو مناهض للتطبيع ورافض لنظام الاستعمار الاستيطاني، والأبارتهايد الصهيوني، وظهر هذا من خلال البيان الذي أصدرته، عشرات الأطر والقوى والحملات العربية مع اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل، المشار إليه سابقاً، وكيف أصبح وسم #التطبيع_خيانة في قمة الوسوم في عدة دول عربية بما فيها السعودية والإمارات.
ما تزال القضية الفلسطينية القضية الجامعة، في وجدان الشعوب رغم اختلاف الأولويات لدى المواطن العربي في ظل النضالات الوطنية لتحقيق العدالة ونيل الحرية ومواجهة الاستبداد.
حسب استطلاع المؤشر العربي لعامي 2017-2018 الذي يجريه المركز العربي، أعرب 87% من العرب المستطلعة آراؤهم عن رفضهم اعتراف الدول العربية بإسرائيل.
وتتكرر المظاهرات العارمة المؤيدة لفلسطين والرافضة لمحاولة التصفية، لو توفرت للشعوب العربية وسائل تعبير حرة أكثر لسمعنا صوت الجماهير المؤيد لفلسطين، كما كنا نشهد المسيرات المليونية المؤيدة لفلسطين قبل سنوات قليلة، بالذات ضد المجازر الإسرائيلية في غزة.
لقد كانت قضية فلسطين شعارًا رئيسيا في الثورات الشعبية، التي اندلعت في العقد الماضي،ـ ولا ننسى كيف اقتحم الشعب السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وطرد السفير منها في عام 2011، رغم توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين النظام و"إسرائيل" في 1978.
وكيف يمكن تقوية موقف التيارات والحركات العربية الرافضة للعلاقة مع "إسرائيل"؟
في هذه المرحلة الحرجة من صراعنا ضد نظام الاستعمار الصهيوني، والمطبعين معه من الأنظمة العربية، نحن في حاجة ماسة إلى تطوير استراتيجيتنا وسبل وصولنا لكافة قطاعات شعوب المنطقة.
أعتقد من المهم فتح نقاش مع المواطنين، بالسبل المتاحة، حول أن "إسرائيل" هي العدو الأول للأمة، وخطرها لا يقتصر على فلسطين وما حولها، بل يشمل كل شعوب وبلاد المنطقة ويتعداها لبلاد العالم الأخرى. لذا فإن رفض شعوب المنطقة للتطبيع مع إسرائيل لا ينبع من الموقف الأخلاقي أو القومي تجاه فلسطين فحسب، بل ينبع أيضا من حماية الذات وحماية وحدة الشعوب والبلاد ومقدراتها.
فكما قلنا في البداية، كيف أن إسرائيل تصدر صناعتها العسكرية والأمنية التي تجربها علينا إلى الأنظمة القمعية في الإمارات، وبورما، والهند وغيرها، لذا فإن مقاومة نظام الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي، وامتداداته وحلفائه تقع في قلب نضال الشعوب من أجل الحرية والعدالة، في نفس الوقت الذي يعتبر النضال ضده نضالا عربيا مشتركًا.
في السنوات الأخيرة، هل تزايدت العلاقات التطبيعية مع دولة الاحتلال؟ أم أن ما حصل هو إعلان لعلاقات كانت موجودة سابقاً؟
منذ عقود، كانت هناك علاقات سرية، أو شبه سرية، وتم الإعلان عنها ورفعها لدرجة التحالف الخطير.
على سبيل المثال، العلاقات الإسرائيلية مع الأنظمة القمعية في المغرب، وعُمان، والبحرين، وقطر تعود بداياتها للقرن الماضي وحصلت زيارات علنية لمسؤولين إسرائيليين.
وربما حصل التحول في الموقف الإماراتي تجاه الاحتلال الإسرائيلي بعد وفاة المؤسس الشيخ زايد الذي حافظ على الالتزام بالموقف العربي المشترك تجاه القضية الفلسطينية. بشكل عام، توجد زيادة في التطبيع بين الأنظمة العربية والاحتلال الإسرائيلي أو وقاحة في التعبير عن هذه العلاقات.
ما هو المطلوب من المثقفين والأكاديميين العرب لمواجهة الدعاية التي تروج للتطبيع مع دولة الاحتلال؟
توظيف الثقافة والأكاديميا لتعريف الشعوب خاصة الأجيال الصاعدة بالقضية الفلسطينية، وخطورة وطبيعة العدو الصهيوني.
إن الثقافة والفنون والأكاديميا لها القدرة على تجاوز الحدود، والوصول لفئات أكثر من الخطابات السياسية والأيدولوجية.
كما يجدر بالجهات القادرة توفير الموارد لصنع مشاريع فنية، تنشر رسالة التحرر والعدالة وسط شعوب المنطقة، لنواجه الماكينة الإعلامية الإنتاجية الضخمة التي تمتلكها الأنظمة المطبعة، خاصة الخليجية.
منذ انطلاق حركة المقاطعة بنداء من المجتمع الفلسطيني في 2005، يشارك المثقفون والأكاديميون والفنانون العرب في نشر المقاطعة ودعوة العالم لمقاطعة إسرائيل.
والآن نحيي ونثمن مواقف كل المثقفين/ات والكتاب/الكاتبات والفنانين/ات، الذين قرروا مقاطعة الفعاليات التي ينظمها نظام الإمارات الاستبدادي.
على المستوى الفلسطيني، ما هو المطلوب لمواجهة هذا التطبيع؟
البناء على الموقف الرسمي والشعبي الرافض بشدة للتطبيع الإماراتي – الإسرائيلي، والرافض لخطة ترامب – نتنياهو "صفقة القرن"، بالخروج الكامل من مسار أوسلو الذي قوض نضالنا ووفر الجسر للتطبيع العربي الحاصل ووفر غطاء لتوسع المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين. وهذا يتطلب سحب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل والعمل فورا بشكل استراتيجي وحقيقي على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، لتشمل الجميع وتعبر عن تطلعات كل شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده نحو انتزاع حقنا في تقرير مصيرنا وعودة اللاجئين. إن تطوير وتعزيز دور منظمة التحرير بالغ الأهمية الآن أكثر من قبل، حيث تحاول الأنظمة المطبعة الحديث باسمنا لتبرير تطبيعها.
كما يجب مواصلة الضغط الشعبي على المستوى الرسميّ للتنفيذ الكامل لقرارات المجلسين الوطني والمركزي الفلسطينيين، القاضية بدعم وتبني حركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) وإنهاء التطبيع مع الاحتلال، وأخطر أشكاله "التنسيق الأمني".
لقد أصبحت حركة المقاطعة بقيادتها الفلسطينية وامتداداتها العالمية، في طليعة وسائل المقاومة الشعبية السلمية الفعالة، وأبرز وسيلة تضامن فعالة مع نضالنا التحرري نحو العدالة والعودة وتقرير المصير.
وبات يعتبرها العدو الصهيوني "خطراً استراتيجياً" على نظامه الاستعماري، وما اعتقال قوات الاحتلال للمنسق العام للجنة الوطنية للمقاطعة محمود النواجعة منذ 30 يوليو 2020 بدون تهم، إلا دليلاً جديداً على حجم قلق وتضرر "إسرائيل" من نمو قوة وتزايد نجاحات حركة المقاطعة (BDS) حول العالم.
ملاحقة الحركات السياسية في دول عربية تقيم علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، هل يساهم من وجهة نظرك في إضعاف معارضة التطبيع
قد يسبب القمع والملاحقة السياسيين في الدول العربية في كتم صوت معارضة التطبيع، لكن مع زوال الحدود في الفضاء الإلكتروني تهب الشعوب لدعم بعضها، وهذا يجري الآن حيث صدرت عدة بيانات من عشرات الأحزاب والمؤسسات في عمان والبحرين والكويت وقطر ضد التطبيع، ما يشكل دعما لأصوات الإماراتيين الذين عبروا عن رفضهم الواضح للتطبيع.
قد ترتاح الأنظمة القمعية لبعض الوقت من المعارضة لكن الثورات الشعبية العربية خلال العقد الماضي جددت التأكيد أن لا صوت يعلو فوق صوت الشعب مهما طال الظلم والقمع.