رام الله – خاص قدس الإخبارية: لم يكن سماح الاحتلال الإسرائيلي لأهالي الضفة المحتلة بالعبور نحو مدنهم وقراهم المحتلة عام 1948 أمراً عادياً بالنسبة للفلسطينيين خصوصاً وهو الذي ينشر حواجزه ويفرض طرقا التفافية على الفلسطينيين تحت ذرائعه الأمنية.
وشهد الأسبوع الأخير دخول مئات الفلسطينيين إلى المدن المحتلة مثل يافا وعكا وحيفا وغيرها دون طلب تصاريح خاصة كما هو معتاد مسبقاً، إلا أن ذلك كان يتم عبر فتحات في الجدار أو مداخل القرى والمدن ودون أي تدخل أمني.
ورغم حالة الجدل التي دار رحاها بين جدران مواقع التواصل الاجتماعي بشأن هذه الخطة ووجود حالة من التراشق بين مؤيد ومعارض لخطوة الوصول إلى الأراضي المحتلة عام 1948 في هذا التوقيت تحت اعتبارات عدة أبرزها صحية في ظل جائحة كورونا، إلا أن محللين اعتبروا في حديث خاص لـ "شبكة قدس" بأن ما جرى لا يمكن فصله عن المشهد الدائر مع السلطة الفلسطينية وأن الاحتلال قام بهذه الخطوة بشكلٍ متعمد في إطار نظرة مستقبلية لطبيعة العلاقة مع الضفة المحتلة.
خطة مدروسة
في السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي عادل شديد إن سماح الاحتلال الإسرائيلي بدخول آلاف الفلسطينيين إليها، وبدون أية معايير، جزء من خطة مدروسة وممنهجة أعدتّها مجموعة من علماء النفس والاجتماع وخبراء في الأمن، ومن أكاديميين إسرائيليين متخصصين بالشأن الفلسطيني.
وأضاف شديد في حديث لـ "شبكة قدس": "تهدف هذه الخطة إلى إحداث تغيير في الوعي الجمعي الفلسطيني، خصوصاً فئة الشباب، الذكور والإناث، من خلال تعريف الجيل الفلسطيني على ما سمته الخطة، الإسرائيلي الآخر، الذي يعيش في إسرائيل في نمط علماني فرداني، ولا يتدخل في شؤون الفلسطينيين، بعكس المستوطنين والجنود الإسرائيليين الذين ينكّلون ويقتلون ويعتقلون ويعتدون على الشعب الفلسطيني وممتلكاته بشكل يومي، والذي يتسبب سلوكهم في زيادة كراهية الفلسطينيين لإسرائيل".
وتفترض الخطة أن مشاهدة الفلسطينيين للإسرائيلي الآخر في أثناء رحلتهم قد تؤدي إلى تخفيف حدة كراهية الفلسطيني تجاه "إسرائيل"، وتغيير النظرة العدائية تجاهها، من عدو محتل ومغتصب، لتصبح جاره أو مجتمعاً إنسانياً مسالماً، ولا يعتدي على الفلسطينيين. وفقاً لشديد
وتابع قائلاً: "تفترض الخطة الإسرائيلية المذكورة أن مجرّد السماح للفلسطينيين بالدخول إلى إسرائيل بدون تصاريح، أو حتى بدون المطالبة الفلسطينية بذلك، قد يؤدي إلى أنسنة الاحتلال وإظهاره معنياً بمصلحة المواطنين الفلسطينيين ورفاهيتهم، والتخفيف من معاناتهم الحياتية، ومحاولة إشاعة وعي عند شريحة واسعة من الفلسطينيين بأن إسرائيل ليست المشكلة بل الحل، حيث المجتمع الفلسطيني شاب، وتحرم شبابه وفتيته المعايير الإسرائيلية إمكانية الحصول على تصريح دخول لإسرائيل، وهم الذين لم يروا طوال حياتهم سوى المستوطنين والجنود الذين عمّقوا الصورة السيئة الكريهة للإسرائيلي في الوعي الجمعي الفلسطيني، وهذا ما تعمل إسرائيل على اختراقه وتغييره".
ورأى شديد أن الاحتلال يعمل على تدجين الفلسطينيين، عبر منعهم من التفكير في الشأن العام، أو في الاحتلال ومقاومته، وانتشرت، في السنوات الأخيرة، عشرات صفحات "فيسبوك" الإسرائيلية باللغة العربية المموّلة، والموجهة إلى الشعب الفلسطيني، بأسماء ضباط إسرائيليين، وتسميات أخرى، تدعو الفلسطينيين إلى الاهتمام في شؤون حياتهم الخاصة، وألا يتدخلوا في السياسة.
ولا يستبعد الكاتب والمحلل السياسي أن يكون السماح الإسرائيلي لآلاف الفلسطينيين بالدخول إلى الداخل الفلسطيني، على الرغم من التوتر الأمني على الحدود الشمالية مع سورية ولبنان، واحتمالات التصعيد والمواجهة العسكرية هناك، يندرج ضمن سياسة إسرائيل بفصل الجبهات المختلفة للاستفراد بها، وهي التي تريد، في المرحلة الحالية المتوترة، سواء على جبهات غزة أو الشمال، أن تحيّد الضفة الغربية ذات الكثافة الاستيطانية والعسكرية العالية، عبر إشاعة أجواء من التفاؤل والهدوء في الضفة الغربية وتخفيف الاحتقان، للتفرغ الكامل لمواجهة احتمالات التصعيد على باقي الجبهات.
تبديد الاحتقان
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي إن الاحتلال في السنوات الأخيرة معني بتبديد أي حالة احتقان في الضفة المحتلة لأن ذلك قد يشكل ضغطاً كبيراً على الاحتلال.
وأوضح عرابي في حديثه لـ "شبكة قدس" أن سياسة التنفيس المتبعة من قبل الاحتلال الإسرائيلي ليست أمرا غريباً عليه، مبيناً أن سماح الاحتلال بدخول الفلسطينيين جاء في ظل جائحة كورونا وعجز السلطة عن التعاطي معها إلى جانب عدم صرف الرواتب بشكل كامل.
واستكمل قائلاً: "لا أستبعد أن الاحتلال يقوم بسياسة مزدوجة بمعنى أن الاحتلال قادر على التعاطي مع الفلسطينيين بشكل مباشر دون التعامل مع السلطة في حال أخلت بالتزاماتها الأمنية وهي رسالة واضحة للسلطة".
وأشار إلى أن مضمون الرسالة الموجهة من خلال السماح للفلسطينيين بالوصول إلى المدن المحتلة هي أنه قد يكون مستغنياً عنها مستقبلاً، مستدركاً: "وإلى جانب ذلك الاحتلال يفحص إمكانية السيطرة على سكان الضفة وماذا يمكن أن يحدث حال كان هناك انفتاح أكبر والمخاطر الأمنية المترتبة على ذلك ولا أستبعد أن يكون هناك خطة مدروسة".