يتناول الفصل السّابع من كتاب عبد الدايم نحو فلسفة تربويّة عربيّة "واقع فلسفة التربية في البلدان العربية" مقسمًا إلى ثلاثة بنود رئيسة.
أولاً: واقع الفلسفة التربوية في الوثائق الرسمية للدول العربية (الأردن، تونس، السودان، سوريا، ليبيا، مصر، المغرب، الخليج العربي) دون تفسير واضح لسبب اختياره تلك الدول دون سواها، سوى القول إن "فيها نجد عروضاً وافية للفلسفة التربوية".
ثانيا: نظرة تحليلية نقدية إلى واقع الفلسفة التربوية كما نجدها في الوثائق الرسمية للدول العربية، مشيراً إلى الخلط والمزج الواضح بين الفلسفة الاجتماعية "أي مجتمع نريد أن نبني؟" والفلسفة التربوية "أي إنسان نود أن نبني؟". مشيراً إلى أن الفروق بين الدول العربية في هذا المجال، هي في الوزن الذي تمنحه لكل من منطلقات الفلسفة التربوية الستة، (الدين الإسلامي، الأمة العربية، العالم والعصر والتقدم، العدل الاجتماعي، الحرية والديمقراطية والشورى، التقدم والتنمية) والتي يراها عامة جداً وهذه العمومية غير الموجهة "السائبة" تترك المجال واسعا أمام اختلاف التفسيرات، إضافة لكونها غامضة، وشتان ما بين الغموض والمرونة.
ثالثاً: الفلسفة التربوية العربية من خلال حصاد العمل العربي المشترك، في المؤتمرات الثقافية المختلفة، من جامعة الدول العربية عام 1945 إلى المؤتمر الثقافي العربي عام 1950 ثم تقرير "استراتيجية تطوير التربية العربية" عام 1979، الذي أشار إلى مبادئ تتوسط بين الفلسفة الاجتماعية والسياسة التربوية وهذه المبادئ هي (المبدأ الإنساني، المبدأ القومي، المبدأ التنموي، المبدأ الديمقراطي، الأصالة والتجديد، التربية المتكاملة، التربية للإيمان، التربية للعلم، التربية للعمل، التربية للحياة، التربية للإنسانية).
وبنظرة تقويمية للأهداف التربوية الكبرى والفلسفة التربوية في حصاد العمل العربي المشترك، أشار عبد الدايم إلى ثلاثة منطلقات ضرورية تفتقر إليها الفلسفة التربوية العربية.
1) إن الفلسفة التربوية المنشودة يجب ألا يحددها البحث النظري، بل الواقع المعاش.
2) إن غايات التربية الكبرى التي تضعها الفلسفة التربوية ليست غايات خالدة، وإنما تصورات مستمدة من الواقع تتغير بتغيره.
3) إن الغايات التي تضعها فلسفة التربية لا بد أن تتصف بالطابع الإجرائي، والترابط التسلسلي بين الغايات التربوية وبين الأهداف المدرجة تحتها.
ويعود الكاتب ويؤكد على ضرورة وضع منطلقات وأسس ومبادئ للفلسفة الاجتماعية، وأن تشتق منها ما يترتب عليها من مبادئ تربوية، حيث أن أهم مستلزمات الفلسفة التربوية والغايات التربوية وضوحها وتراتبها المنطقي، مما يجعلها صالحة لأن تتحول إلى إجراءات عملية "إجرائية" إذ إن أخطر ما يمكن أن تتعرض له غايات التربية هو أن تقع في الجدل النظري المجرد.
إعادة تعريف فلسفة التربية
بعد قراءة النص قراءة نقدية تحليلية، وبالرغم من تكرار الكاتب لعدد من الأفكار بشكل واضح وبصياغات مختلفة أحيانا، إلا أنني اتفق معه في كثير من الأمور وأؤكد على كون فلسفة التربية العربية لا تعدو كونها واجهة جميلة تلذ العين وتروي التوق الفكري والشغف العقلي وليس لها في الواقع التربوي أثر يذكر.
إن التعريف الذي أتبناه لفلسفة التربية شأنه شأن الفلسفة العامة "نظرية، إرشادية، تحليلية" وليست رؤية محلقة، لا نخضعها للواقع الإجرائي العملي، إذ أن لفلسفة التربية مرحلة إجرائية عملية تتمثل في هيكلة المنظومة التربوية على ضوء هذه الفلسفة، لتترجم إلى واقع تربوي معاش ثم إلى عمليات تربوية. كما أنها ترتكز على فلسفة اجتماعية عامة، وغياب الفلسفة الاجتماعية أو ضبابيتها يمثل واحدة من أهم الإشكاليات التي تعوق صياغة وبناء فلسفة تربوية لأي مجتمع.
بداية لننظر إلى الفلسفة التربوية الأردنية والبند الذي يؤكد على عروبة فلسطين والعمل على استردادها، والسؤال أين الفلسفة من التطبيق؟ ثم بالتعريج على الفلسفة التربوية في كل من تونس وسوريا، فإننا نجد أنها لم ترد على ذكر مبادئ الدين الإسلامي لا من قريب ولا من بعيد، فكيف يؤكد الكاتب إجماع الدول العربية على مبادئ الإسلام والتراث الإسلامي ووحدة الأمة العربية في ماضيها وحاضرها؟ كما أن تونس والمغرب لم ترد على ذكر العروبة ولا القومية العربية بأي شكل من الأشكال بل ذكرت الإنسان المواطن، دون توضيح أو تفسير، حتى أن الفلسفة التربوية المغربية بالغت في التأكيد على الهوية والأصالة المغربية "القطرية".
وبالانتقال إلى السودان وليبيا (الجماهيرية العربية الاشتراكية الشعبية الإسلامية العظمى) التي أكدت فلسفتهما التربوية على الطرح الفضفاض للمفاهيم، فهي تريد بناء الإنسان الديمقراطي، والاشتراكي، واعتبار الإسلام أساساً للتربية. وتلك المفاهيم الفضفاضة، والتي ربما أشار إليها الكاتب بالغموض، تترك مساحة للنظام على خصوصيته أن يمرر ما يتلاءم مع حاجته، ويأخذ منها ما يشاء، ويغير بل ويحذف دون أن يعدل من فلسفته.
وبالنظر إلى الواقع القريب، فبعد اتفاقية وادي عربة، حذفت الكتب الأردنية الآيات القرآنية التي تمس إسرائيل، ولكن السؤال هل تغيرت الفلسفة التربوية؟ لم تتغير.
ليس سراً افتقار الفلسفة التربوية العربية لخصوصيتها أو ذاتيتها فهي تحتفظ بصور أو (كلاشيهات) عناوين عريضة تجتذب القارئ، بل إن الفلسفة التربوية في العالم العربي تعمل لخدمة ومصلحة النظام مع إضافة النكهات والملونات لتتلاءم وتمس الواقع الذي يعيشه الشعب، نفس “الكلاشيهات” في كل الدول العربية ولكن لا ضير أن تنقص لافتة هنا أو تزيد لافتة هناك.
وأنا اتفق مع الكاتب أن الفلسفة التربوية لا تنشأ من فراغ بل أنها ترتكز إلى فلسفة اجتماعية واضحة التراكيب، إضافة لكونها غير نهائية ولا ثابتة، فهي مرنة قابلة للتجدد. وهكذا كانت "مبادئ استراتيجية تطوير التربية العربية". ولكن السؤال أليست منقوصة بعض الشيء؟ ألا يجب أن تكون فلسفة التربية واقعية ومستقبلية في آن واحد؟ الواقع والمتوقع؟ أين المبدأ التكنولوجي؟ الوعي التكنولوجي، محو الأمية التكنولوجي، أين المبدأ البيئي؟ التربية البيئية، التوجهات البيئية، ربما يرى البعض أنها موجودة ضمنا في بعض البنود، ولكن ألا تستحق هذه المبادئ أن تنفرد لتأخذ ما تستحقه من الأضواء والانعكاسات نظراً لوزنها النسبي على مستوى التطبيق؟ ألا تجدون أن فلسفة التربية بحاجة إلى إعادة تنظيم لتتلاءم مع المعطيات العالمية الجديدة، بل لتستفيد من المعطيات الايجابية للمعلوماتية والتكنولوجيا وللعولمة بشكل عام؟ دون المساس بمرتكزاتها الأساسية وعروبتها وثقافتها.
إذ أنه وبحكم تجربتي في ميدان التربية والتي امتدت إلى ما يقرب على 21 عاماً، أرى التغيير الواضح في الميدان التربوي على كافة الأصعدة العملية التطبيقية، فالطالب يشاهد المحطات العالمية ويدخل عالم الشبكة العنكبوتية الواسع والمخيف أحياناً.
تغير واضح في الاتجاهات والأفكار والقناعات، ودخول عالم المفاهيم الحديثة، والتغييرات العالمية وعصر العولمة، دون أن يرافق ذلك كله أي تغير في الفلسفة التربوية العربية.
وختاماً أطرح تساؤلا آخر وهو، كيف يمكن تحديث الفلسفة التربوية العربية لتصبح قادرة على مواجهة تحديات العولمة مع احتفاظها بخصوصيتها الثقافية العربية؟