شبكة قدس الإخبارية

"منذ رحلتم لم نتوقف عن انتظاركم".. عن مجزرة الشجاعية التي لم يكن مثلها شيء

أحمد العاروري

غزة - خاص قُدس الإخبارية: "هي الحرب" الحقيقة المتخمة بالحزن والشهادة والفخر، التي يعيشها الفلسطيني في قطاع غزة، تسرق منه أحبابه، تتركه صريع الذكريات، وتسكن في قلب ذاكرته أصوات القصف ومشاهد الركام، يناورها بما توفر لديه من "حديد ونار"، ليبقى على قيد الأمل، بزمن لا "وداع فيه" ولا "نكبات".

ترك العدوان الذي شنه جيش الاحتلال، على قطاع غزة، في عام 2014، "ندوباً" كبيرة في حياة نجلاء سكافي، كانت أقساها مجزرة الشجاعية، التي أصبحت الحياة بعدها لا تشبه ما قبلها.

عن اللحظات الأولى للحرب، تقول نجلاء: تزامن الأمر مع اعلان نتائج توجيهي وكان لدى خالي توأم "أنس وسعد"، نال أنس معدل 88 في الفرع علمي، وسعد معدل 92 في الفرع الأدبي، وكُنا بانتظار هذه الفرحة طويلًا، لكن زوجة خالي الرؤوم قالت: "نوزع حلو والناس بتموت!!"، ورفضت إظهار أيّة مظاهر للفرحة، في هذا اليوم بالتحديد شعرت أننا وقعنا في شباك الحرب، فالأيام القليلة التي سبقت ذلك كُنت أظن الأمر محض تصعيد اعتيادي وسيمر لكنه بدا أكبر من ذلك بكثير وسرعان ما اشتدت وتيرة الحرب.

وتضيف: منذ اليوم الأول وأنا في حالة رعب داخلية، من هذا العدوان تحديدًا، وكنت أردد عبارة: "الله يستر ما نتشرد أو يروح حدا ونتشرب حسرته"، رددتها مرارًا دون أن أدرك أنها ستصبح بعد بضعة أيام حقيقة، لا مناص منها، فمشاعري منذ البدء كان يغزوها الخوف الشديد، وكانت تصاحبني تنهيدة لم أدرك سرّها وأصبت بفقدان شهية شديد، رغم امتناعي عن متابعة الأخبار المتتالية ومشاهدة الفيديوهات في الأيام الأولى.

"الدور علينا"

"بشكل عام تبقى الحرب حربًا، وفعلا ما الحرب إلا ما علمتم وذقتم، لا شيء يلغى أن أرواحاً تزهق حتى لو لم يكونوا مقربين، ففي النهاية الألم الانساني واحد، ولا يمكن لأي انسان أن يخوض حربًا ويخرج منها كأن لم يُصبه شيء، هناك ألم نفسي لا يمكن الفكاك منه"، تقول نجلاء.

وتتابع: "هناك أحاديث وروايات وآهات ومشاهد تظل عالقة في الذاكرة، وهي بلا شك أقوى من أزيز الطائرات وارتداد البيوت من أثر قصفٍ قريب، أو اختناق فناء البيت بدخان قصف آخر، فهناك مشاهد أشد وطأة كصراخ طفل أمام مشهد مروع كأشلاء أبيه، صدمة زوجة بفقدان زوجها، انهيار أم أمام استشهاد أبنائها، فقدان صديق لصديقه، طبيب يكتشف فجأة أن الشهيد الذي بين يديه هو أخيه، الكثير مما لا يُمكن نسيانه أو غفرانه وكل ذلك يحفر خطوط واضحة ومؤلمة على الروح والنفس".

وتؤكد أن "هذه الحرب بالتحديد بدأت عنيفة من أول لحظاتها، وكان فيها انجازات لا تُحصى من المقاومة، وكلها مدعاة للفخر حتى أن لغة المقاومة منذ البداية كانت صارمة، وتؤكد أن في جعبتها الكثير مما يُمكنها أن تفتدي به هذه الأرض وهذا الشعب".

وعن الشخصي والعائلي في الحرب، تروي نجلاء: أما فيما يتعلق بالهواجس: فصدقاً كان ينتابني شعور كما نقوله بالعامية أن "الدور علينا" كعائلة السكافي، وكنت أخشاه جدًا وأقاومه بكل ما أُوتيت من قوة، وعلى الرغم من أن جميع الأقارب كانوا يعتقدوا أن بيتنا، في مأمن نوعاً ما، للعديد من الأسباب أهمها أنه يقع وسط مجموعة من البيوت فهو محمي إلى حدٍ ما من خطر القذائف العشوائية، وعلى هذا الأساس كانوا يعتبرونه "البيت الآمن"، لكن ودون أدنى إدراك منّي، كنت قد جهزت حقيبتي للهرب وكنت استحلف أبي كل يوم ليغير غرفة نومه المطلة على شارع داخلي يفصل بيننا وبين بيت خالي، وكان يصاحبني شعور مريب بأن ثمة كارثة على وشك الحدوث ولا أدري ما السبب.

عن المجزرة: التي توقف الزمن بعدها

 وحول أكثر المشاهد في هذه الحرب خلوداً في ذاكرة نجلاء: وهل غيره؟ المشهد الذي يروي لحظة الاستهداف، لا أبشع من أن يباغتنا الموت في وضح النهار، كأن الغاصب يبسط جناحيه على مدى سماءنا، وببجاحة يسرق منّا الأرواح والأعمار والأحلام، بصراحة تغص الحلق وتُدمي الأهداب.

وتضيف: بعد صلاة الظهر مباشرة، في العشرين من تموز والعشرة الأواخر من رمضان، صلى الرجال في بيت خالي صلاة الظهر جماعة، واستلقوا للتسبيح، وما هي إلا دقائق، حتى قصفت الطائرات الحربية البيت بصاروخين من طائرة،F16، فهبطت الطوابق الثلاثة على رؤوس عشرة من الرجال، استشهد جميعهم إلا عاشرهم نجا بأعجوبة، في لحظة عابرة من لحظات الكون المتتالية قصف الاحتلال أعمار 9 من الزهر.

عن تلك اللحظات القاسية تقول نجلاء: توقف الزمن بعدها، والمشاهد كثيرة لا حصر لها، وتتقاذف في الذاكرة كأنها كرات نارية، لكن بمجرد أن حصل ما كنا نخشاه وهو في الواقع أكبر بكثير مما خشيناه، في لحظة الاستهداف تلك التقف عُمر "ابن خالي" والدته وما فتئ يردد: "رضينا يارب"، يرددها بقوة تكاد السماء تنفطر لشدتها، وهو يحتضن والدته فيما هي تردد خلفه في حالة من الانهيار وفراغ القلب، وسط أكوام الزجاج المتطايرة والدخان الأسود، الذي يقتحم البيت ووجوهنا التي يغطيها الغبار، كأننا خرجنا من تحت الأنقاض وأصوات صراخ الأطفال والأمهات، وحالة الرعب والهلع في المكان، كان ذلك المشهد من المشاهد التي لن أنساها ما بقيت.

لو كان بالإمكان تلخيص هذه الحرب في كلمات ماذا ستقول نجلاء عنها؟

رعب بسط غمامتيه فـشلَّ أرجاء المكان، وحكاية 51 يومًا من الوجع النازف دمًا ومجازر أكلت مجازر..

تصف نجلاء الحرب "بالكابوس"، وتقول: يا للحرب، تُصيب المرء بحالة شلل تام، حالة من الذهول، ورفض للواقع وألم نفسي مريب يستمر لفترات طويلة، يتألم المرء لرؤية الردم والحجارة بعد قصف مكانٍ ما، لسنوات طويلة كيف يمكننا أن ننتصر على ما تتركه الحرب في مخيلتنا.

وتتابع: سأروي مشهداً صغيراً: "لقد علمتني في سن الروضة معلمة طيبة جدًا، وبقينا على تواصل لوقت قريب، وفي الحرب عرفت أنها هربت من بيتها إلى بيت أختها، في وسط مدينة غزة، وروى لي الشاهدين على الحادثة أنه تم استهداف شقة أختها السكنية التي لجئوا إليها وهي في برج عالٍ، واستشهدت المعلمة وأخواتها الهاربات معها وأختها صاحبة المكان وزوجها وأطفالهم، أما الشاهد في القصة، فهو أن الجهات المختصة لم تستطع انتشال جثتها، التي بقيت عالقة نصفها متدلي أمام المارة في الشارع الرئيسي، ونصفها في الردم حوالي 9 أيام، حتى استطاعوا التنسيق مع الاحتلال وانتشالها كون الشقة في الطابق السابع من البرج ولم يتم استهداف غيرها وكان يصعب إزالة البرج بأكمله".

وتضيف: "لا أعرف إذا كان وصف المشهد كافٍ، لأعبر عن مدى الألم النفسي الذي صاحبني حتى هذه اللحظة، من مجرد تخيلي للمشهد، وحتى اليوم كلما مررت على البرج أشيح ببصري، عن المشهد الذي يتكوم في داخلي وأقاوم بكل قوة، تلك القشعريرة المريبة التي تصيبني".

"كم مرة مررنا على مشاهد ردم أحد الأبراج التي توجهنا إليها، بغرض التعلم أو لزيارة قصيرة، كم مرة مررنا وتنهدنا طويلًا كأن المشهد، يحتاج جرعات إضافية من الأكسجين ليستوعبه العقل، فالأمر محزن حقيقة على الرغم من أنه بسيط أمام مشاهد الدم والجثث وغيرها، لكن الحرب تبدأ من أبسط المشاهد إلى أشدها قساوة"، تروي نجلاء.

وتؤكد أن "الحرب قاسية للغاية ومؤلمة، ويصعُب على كل إنسان سوي أن يقاوم ما يعايشه خلالها من تلقاء نفسه، وللحقيقة يحتاج المرء للتنفيس عما يعايشه بكل الطرق الممكنة وكل حسبما تتناسب شخصيته، إذا كان من خلال الحديث، أو الرسم، أو الكتابة، أو حتى التواصل مع مستشار نفسي، لمعالجة كدمات الروح فهناك آلام أقوى من قدرتنا على التخيل، فهل إذا مرت أربعين سنة وليس فقط خمس سنوات هل يمكن أن أنسى رائحة اللحم البشري وهو يحترق!!".

"تنقذف هذه الرائحة لمخيلتي فورًا كلما سمعت باستهداف مباشر للناس، الكثير منّا عايش مشاهد الركام، والأشلاء، والقصف، والهرب مشياً على جثث الأقارب، من شدّة الرعب، والخوف، والقذائف العشوائية، والكثير أيضًا عايش تفاصيل الروايات الحاصلة واستمع لصرخات الثكالى، والأيتام، والهاربين، والفاقدين"، تقول نجلاء.

وتتابع في سرد ما تتركه الحرب من آثار نفسية على الإنسان: كل ذلك بمجمله لا يمكن التقليل من مدى إيلامه للنفس والروح، وهو ينعكس بشكل مباشر على قدرته على التأقلم ومواصلة حياته الاجتماعية، والعلمية، أو العملية بطريقة جيدة، يحتاج الأمر لتأهيل فوري ومباشر قبل الانخراط في الحياة كل الحياة.

وتضيف: الحرب تنهش كل جميل فينا وتكسر رغبتنا، في البناء الفاعل للفرد أو المجتمع، وتتركنا هشين جدًا من الداخل على الرغم من مظاهر القوة والثبات التي قد نتحلى بها، وأنا أكاد أجزم أننا ربما نلوح بقول: لن نرى أصعب مما رأينا ولن نعايش أقسى مما عايشنا، ولن نفقد أغلى ممن فقدنا، ولتأتي ألف حرب بعد، لكن الحقيقة الواضحة هي كلمة واحدة أننا نرفض الحرب بحسم من أعماق دواخلنا، ونبغضها تمامًا ونكره أزيز الطائرات وأصوات القنابل ومشاهد الهلع والموت جميعها.

خلال الحرب، كيف يقوي المجتمع نفسه في مواجهتها؟  

تشير نجلاء إلى  "قوة الروحانيات خلال الحرب وكلٌ بالنمط الذي يناسب روحه، ثم العائلة هي الملجأ الأول والأخير بعد الله، لأن أشد ما يُريب القلب هو فقدان العائلة جميعها أو أحد أفرادها، ولا أعتقد أن ثمة مَن عايش الحرب ولم يقع في فكاك هواجس الفقد، فالاقتراب من العائلة مهم والترابط الأسري والتعاضد القوي جميل، وله آثار ايجابية رائعة على النفس والرُوح، وإنّ أشد ما يُصيب القلب حسرة هو أن يحدث الفقد بينما العائلة متفككة أو في حالة خصام".

وتضيف: من المهم جدًا الايمان بقدرة المقاومة والابتعاد عن زارعي الفتن الذين يبثون الأفكار السلبية، حول عجز المقاومة أو عدم جدوى ما يبذله أفرادها الذين يواصلون الليل بالنهار، في المواجهة على خط النار مباشرة مع الاحتلال، وأيضًا من الضروري التسلح بأهمية العمل الوطني، والتمسك بعقيدة الوطن الذي نفتديه بأرواحنا وعدم الانجرار، إلى التبخيس في حق الوطن علينا.

وتقول: يجب على الجميع أن يشحذ همته ويعتصم بالله، وبعقيدته الوطنية، وبترابطه العائلي، وحبذا لو كان لدينا مقدرة على التطوع لإغاثة الملهوفين، والمحتاجين، والمشردين، وعدم الاستسلام لحالة الخوف والرعب، التي تسيطر على المكان بأكمله.

"أكثر ما يقويني خلال الحرب هو الرسائل الربانية، التي كنت استشعرها خلال قراءة القرآن، في بعض الآيات التي تثبت وتنصر المؤمنين، ووجه أبي الصبوح كان من أجمل وأشد ما يزيدني رغبة في مقاومة مخاوفي، وعدم الانصياع للانهيار النفسي الذي تُرديه الحرب فينا، كذلك لا ننسى فضل إنجازات المقاومة الذي يظل تاريخًا يُحتفى به على المدى، ومشاهد التضامن العالمي كان لها أثر عظيم في نفوسنا جميعاً"، تروي نجلاء.

وترى أن الاحتلال يعمل على تحطيم نفسية الشعب الفلسطيني عن طريق محاولة "زرع الفتنة في أوساط المجتمع الفلسطيني، من خلال التركيز على انقساماته الصغيرة وتضخيمها، والتفرقة بين تنظيماته وأحزابه، كما يسعى جاهداً للتقليل من شأن المقاومة، ونشر فكرة أنها تجر المجتمع الفلسطيني للهاوية، وأنها تضحي بالشعب وتفضل القادة عليهم".

وتضيف: "دائماً ما يعمل الاحتلال على إضعاف نفسية، سكان الحدود وزعزعة استقرارهم، لأنهم يُشكلون جدار حماية لداخل غزة، فلا يكف عن رمي المنشورات الورقية، والاتصال عبر الهواتف الأرضية ليبث رسالته المسجلة، التي يهددهم فيها ويظهر لهم أنهم سيكونون كبش فداء لرجال المقاومة، ويدعوهم لإخلاء منازلهم، كما يقوم بعملية تعتيم إعلامي، واضح لضحاياه وطبيعتهم وأعدادهم ويخفي الحقائق بشكل مقصود".

التهدئة: اللحظة التي تيقنا فيها من رحيل من نحب

وعن لحظات إعلان التهدئة تروي نجلاء: كنا مشردين بعد مجزرة الشجاعية، وكان أكثر ما نتوق إليه لحظة اعلان التهدئة هو العودة للشجاعية ولبيوتنا، لنرى كل شي بوضوح أكثر، نرى بيوتنا المدمرة وكيف أصبحت الشجاعية حقاً لا يعرف سكانها معالم بيوتهم ولا مواقعها بالتحديد، فهناك مناطق كاملة نسفت عن بكرة أبيها، كنت بحاجة للذهاب لمكان المجزرة لأرى دماء الشهداء بعيوني على الحجارة، حتى نصدق ولو قليلا أنهم ذهبوا بلا رجعة، كنت أتمنى أن أحتضن خالي الشهيد وأخبره أن الحرب توقفت فهلا تعود؟!

"في تلك اللحظة بكيت طويلا بكيت كأن لم أبكِ من قبل، كنت أتمنى أن تقف الحرب ونحن نسترد ولو حقاً واحد من حقوقنا، كل الاتفاقية المزمع عقدها مع الاحتلال كانت هباء وكنا ندرك ذلك من أعماقنا، سواء بناء مطار أو ميناء وغيرها"، تتابع نجلاء.

وتضيف: "والله لو أن ذلك تحقق بالقدر اليسير، ولو كان هناك ما يثبت أنه سيتحقق لكان الأمر أهون بكثير، وكلنا على استعداد أن نفتدي من يبقى من الشعب بأرواحنا، على أن يعيشوا في غزة بكرامة وحرية، لكن للحقيقة كانت لحظة اعلان التهدئة قاسية وصعبة للغاية على الروح والوجدان، وشعرت أننا قدمنا شباب العائلة دون مقابل مجدٍ وملموس على أرض الواقع، لكن النفس كانت تتوق إلى أن تحقن الدماء ويتوقف سيل الدماء المفتوح، بلا تعداد وتهدأ الأرض والسماء من أصوات القنابل والقصف والدمار".

"منذ رحلتم لم نتوقف عن انتظاركم"

وفي رسالة للذين سلبتها الحرب قربهم، تقول: استشهد خالي الحبيب المهندس والمفكر أكرم محمد السكافي، وأبنائه عبد الرحمن وأنس، وسعد، وإبن خالي الآخر محمد وابنه علي، وأبناء أعمامي مصعب الخير وعصام ومجاهد".

"رسالتي إلى خالي أولاً: لقد عشت في سبيل الله وكانت حياتك كلها في سبيل الله، ورضيت عن الله، وخشيته حق خشيته في السر والعلن، وكان جدير بك أن تلقى ربك شهيدًا، وإنها لكرامة ما بعدها كرامة لكن يعز علينا والله في الدنيا الفراق".

وتضيف: رسالتي إلى شباب العائلة، هي رسالة الشهيد عبد الرحمن السكافي من قبل إلى شهداءٍ رحلوا أقتبسها منه لأقرأها عليهم أجمعين: "الوطن جميل يستحق التضحية لكنه لا يعدو ترابًا دونكم"، وأخبركم أن الدمع لم يجف عليكم منذ غادرتم، ولم نتوقف عن انتظاركم، ونراكم في كل شاب شهم، وخلوق، ومتميز، وراقٍ، ونحن ندرك أن النساء لن تلد مثلكم أبدًا، ومثل هاماتهم، وقاماتكم ورقي أخلاقكم.

وتتابع: فيكم مصعب الخير العريس الذي انتزعوا من إصبعه خاتم الخطوبة، ومصعب الخير أجمل من الكلمات شامخ شموخ جبال فلسطين، وفيكم علي الذي ترك زهرتين خلفه تتجرعان اليُتم، علي الحواري الرسالي، الذي عاش حياة الترف، وباين الدنيا ثلاثاً مُقبلا على حب فلسطين عشقًا حدّ الموت، وأبيه الذي ترك عائلته بأكملها وغادر مسرعًا جدًا، إنّه محمد السكافي الكريم الجواد الصبور، وفيكم مداح الرسول عبد الرحمن، الذي ما زالت الشهادات تأتينا حتى اليوم على نُبله وحُسن أخلاقه، هذا الذي لا تفارقه روح الدعابة، والذكي حدّ التفوق، والمثقف جيداً الذي يعرف فلسطين كما يعرف بيته.

"وفيكم التوأمين المهذبين أنس وسعد الثنائي الجميل، المتناقضين والمكتملين حدّ الدهشة، وعصام الخلوق الأمين، ومجاهد الطيّب القلب المثابر المعطاء، أولئك الذين ضحوا بفرحة قلوبهم ومستقبلهم الذي حلموا به طويلاً، لكن عزاؤنا أن تكونوا نلتم ما صبرتم لأجله وما افتديتم هذا الوطن به، وأن يكون لقاؤنا بكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، سلام عليكم في الخالدين"، وكان هذا ختام رسالة نجلاء.