يسوق الإسرائيليون جملة من المزاعم الأمنية والميدانية تسوغ لهم عدم الانسحاب من الضفة الغربية وغور الأردن، وتسوق بالتالي لخطة الضم الاحتلالية، بالقول إن هذا الانسحاب يجعل مما توصف بـ"الخاصرة الإسرائيلية الضيقة" داخل "الخط الأخضر"، وطولها 14 كم من نتانيا إلى طولكرم قصيرة جدا.
فالحدود مع الأردن، وهي الأطول بواقع 500 كم، والأقرب لأكبر المراكز السكانية بـ"إسرائيل"، وبالتالي فإن تنازلها عن الضفة والغور سيعيدها للخصر الضيق بواقع 14- 24 كم بين البحر المتوسط والتلال الغربية من الضفة بواقع 600 متر، وهي: مرتفعات الجولان في القدس، تل أبيب، السهل الساحلي، مطار بن غوريون.
هذه المناطق يتواجد فيها 80٪ من الإسرائيليين، ومعظم بناها التحتية، وتعد سلسلة التلال الشرقية شديدة الانحدار في الضفة بواقع 1000 متر فوق غور الأردن، الحاجز الأكثر فاعلية للدبابات في المنطقة، لأنها توفر 50 ساعة لتعبئة الجيش الاحتياطي، وتشكل 75٪ من الجيش الإسرائيلي، في مواجهة هجوم مفاجئ.
سمحت سيطرة "إسرائيل" على تلال الضفة والغور بصد هجوم مفاجئ مصري سوري أردني، ومنع هزيمة قاتلة في 1973، كما أن تمسكها بالمواقع الجغرافية على الضفة، يعود لأن القوات البرية هي الرادع الرئيسي، رغم أن القصف الدقيق الذي تقوم به القوات الجوية أمر بالغ الأهمية، لكنه لا يملك القوة لتدمير جيش "العدو".
النجاح العسكري العربي يتطلب أكثر من مئات الصواريخ لهزيمة "إسرائيل"، باستخدام الدروع والمدفعية والقوات البرية، لتدمير الجيش الإسرائيلي على الأرض، كما حصل في 1948 و1967 و1973، وكلما كانت أنظمة الأسلحة العربية أكثر تعقيدًا أتت الهجمات العربية المفاجئة أسرع وأكثر فتكًا، ولذلك فإن جبال الضفة أمر حيوي كعامل مناهض للهجوم الخارجي.
يستشهد الإسرائيليون بتحذيرات من أي انسحابات مستقبلية من الضفة، بزعم أنه سيضر باستقرار المنطقة، ويحولها إلى حرب، ويتطلب تدخلا عسكريا أمريكيا لإنقاذ "إسرائيل"، وأنه في بلد ضيق للغاية مثلها، يمكن رؤية ثلاثة حدود من سطح فندق في تل أبيب، ولذلك يأتي التحذيرات بشأن الاستعداد للانسحاب.
كما لا يمكن الدفاع عن "إسرائيل" دون الطرق البرية للضفة، حيث تعد تلالها بالغة الأهمية، واستيلاء أي جيش عربي عليها سيزيل الدروع من القدس وتل أبيب، ودون الضفة، سينخفض عرض "إسرائيل" إلى 14 كم لا يمكن الدفاع عنها.
كل ذلك يؤكد أن سلسلة جبال الضفة والغور تساهم بتحديث صورة الردع الإسرائيلية، أما الانسحاب منها فيشكل تهديدا وجوديا وواضحا وفوريا لإسرائيل، ويشعل نار عدم استقرار الشرق الأوسط، ويضر بالمصالح الأمريكية، ورغم كل هذه المواقف لكن الإسرائيليين قد يضطرون لتنفيذ الانسحاب، رغما عن المخاوف والتحذيرات.