فلسطين المحتلة - خاص بقدس الإخبارية: ما زال نظام التعليم عن بُعد يحظى برفض معظم المعلمين الفلسطينيين وأهالي الطلاب بسبب عدم توفر الإمكانيات اللازمة لكل عائلة فلسطينية كلٌّ حسب ظرفه، إلى جانب صعوبة تحقيق الأهداف المرجوّة من التعليم.
في الخامس عشر من الشهر الجاري، أعلنت وزارة التربية والتعليم أن السادس من أيلول/ سبتمبر القادم، سيكون موعد العودة للمدارس ضمن نظام التعليم المدمج؛ الذي يجمع بين التعليم الوجاهي والتعليم عن بُعد، استناداً إلى البروتوكول الصحي الذي تم صياغته بالتنسيق بين وزارتي التربية والصحة لتأمين استحقاقات الوقاية والسلامة للمجتمع المدرسي، أمّا عن التفاصيل فقالت إنها ستعلن عنها لاحقًا.
وبيّنت الوزارة أنه سيتم الاستفادة من الفترة الواقعة ما بين 5/8 - 3/9 لتمكين النظام التربوي بكل مكوناته؛ لاستكمال الاستعدادات للانطلاق السلس والآمن للعام الدراسي الجديد في ظل المشهد الكوروني.
هذا كان بيان الوزارة الذي عمّمته عبر وسائل الإعلام، لكن المعلمين ما زالوا يرفضون نظام التعليم عن بُعد، رغم أنه بات ضرورة ملحّة في ظل ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا في فلسطين، لكن المُعيقات التي ستواجه هذا النظام عديدة، فالوسائل تكاد تكون منعدمة بين يدي الطالب والمعلم على حد سواء.
“قدس” استطلعت آراء المعلمين والمعلمات حول نظام التعليم عن بُعد، لتجد أن معارضيه كُثر، نظرًا لعدم توفّر الوسائل التي ستعمل على نجاحه، ناهيك عن وجود مواد تعليمية لا يُمكن شرحها عن بُعد في جميع المراحل، أما المرحلة الابتدائية فتلك التي قالوا عنها إن طلابها سيُظلمون كثيرًا.
فالمرحلة الأساسية خاصة من الأول إلى الرابع بحاجة إلى تعليم وجاهي كامل، ومعلّم يقدّم لهم شرحًا وافيًا عبر عدّة طرق وفعاليات، بحسب المعلمين، وأن الصفوف الأولى بشكل خاص لا يُمكن التعامل معها عن بُعد كونها بحاجة لاهتمام مُضاعف وتقديم فعاليات حسّية لإيصال الفكرة المطلوبة.
إلى جانب ذلك، معظم المعلمين أكدوا أن الوزارة لم تراعِ وضع العائلات الفلسطينية في المناطق النائية التي لا تصلها الكهرباء فكيف بالإنترنت، ولا تستطيع توفير جهاز حاسوب لابن واحد من أبنائها، وأن هناك أرباب أسر عاطلين عن العمل، أو رواتبهم متقطّعة في ظل الأزمة التي نعيشها اليوم، وفي حال توفر أي مبلغ لديهم لن يصرفوه على الإنترنت بل لتوفير الخبز والاحتياجات الأساسية في أي منزل.
المعلمة خولة محمود بيّنت أن التعليم عن بعد طريقة حديثة مواكبة للتطور التكنولوجي بالعالم، ولكن وضع فلسطين استثنائي، من الناحية المادية والاقتصادية والأسرية والبيئية، ولو تغيّرت هذه الظروف للأفضل فلا مانع من هذا النظام التعليمي.
ووفقًا لآراء المعلمين خلال استطلاع الرأي الذي أجرته “قدس” فإن أسباب معارضة معظم المعلمين على هذا النظام تتمحور حول أمور رئيسية وهي؛ عدم توفر الإنترنت، عدم توفر حواسيب كافية لكل عائلة سواء لمعلمين أو لطلاب، مشكلة انقطاع الكهرباء التي تُعيق التواصل خلال التعليم، عدم المسؤولية لدى بعض الطلاب (عدد الحضور قليل بالنسبة للعدد الكلي)، عدم تجهيز المعلمين على مدار السنوات الماضية للتعامل مع البرامج الخاصة بهذا النظام من قبل الوزارة، وعدم تلقيهم دورات عن التعليم عن بُعد، لا يوجد لدى الطلاب قدرة على التعامل مع التكنولوجيا خاصة البرامج التعليمية.
ومن تجربته، أكد الأستاذ أحمد مفارجة أنه خاض تجربة التعليم عن بعد خلال الموجة الأولى للكورونا، لكن عند تسجيل الدخول للحصة الإلكترونية، كان يتفاجأ بوجود طالبين أو ثلاثة فقط من أصل 15 طالبًا، وقال: “فعليًا نحن نشرح ونقدّم المادة من أجل من؟”.
وكذلك علي البطاح الذي أكد أن هناك طلاب في المرحلة الثانوية لا يعيرون اهتمامًا بهذا التعليم، إلى جانب طلاب آخرين التزموا وتقبّلوا الفكرة بأسلس الطرق وهي الماسنجر الخاص بالفيسبوك، لكنّه واجه مشكلة الطلاب من العائلات الفقيرة غير القادرين على توفير الإنترنت في منازلهم، وهذه الفئة مظلومة.
المعلمة مها غياضة قالت لـ”قدس” إنها ليست من المعارضين للتعليم عن بعد إذا كان آخر الحلول المُقترحة، فطلابنا مسؤوليتنا، حتى لو كان هذا الأمر صعبًا علينا، نظرًا لقلة الإمكانيات ليس فقط عند الطلاب، وإنما عند المعلمين أيضًا، إلى جانب نقص الخبرات لدى الكثير منا.
وأضافت أن هذا النوع من التعليم ليس سهلًا على الطالب، من ناحية الوضع المادي الصعب، وتوفير الانترنت بشكل مستمر، وتوفير أجهزة حواسيب، والصعوبة تكمن عندما يكون هناك أكثر من طالب في نفس العائلة.
وأكدت أن الطلاب يجب أن يحصلوا على التعليم سواءً كان إلكترونيًا أو وجاهيًا، وعن نفسها قالت: “مستعدة أن أدرّسهم بأي طريقة، وأتحمل وأخاطر لأنها أمانة وعلي تأديتها”.
أمّا المعلمة ليان انعيم، قالت إنها ليست من المعارضين أيضًا، لكن لديها بعض المآخذ على هذا النوع من التعليم، وأوضحت: “أنا أم قبل أن أكون معلمة، وبالتالي سأكون أمام خيارين أحلاهما مر، أن أضحّي بصحة أبنائي أو تعليمهم”.
وبيّنت أن التعليم عن بعد سيضاعف من اهتمامها بأولادها، وعليها توفير الانترنت وأجهزة حاسوب لكل فرد، هذا كأم، ولكنني معلمة أيضًا وعلي أن أنظّم وقتي وأُضاعف جهدي، وسأواجه مشاكل عديدة في هذا الوضع.
وأوضحت أن إمكانيات الناس متفاوتة، فهناك من يريد التعليم بكل الوسائل لكنه لا يمتلك الأدوات، وهناك من يمتلك كل شيء لكنه لا يريد أن يتعلّم، وهنا على الجميع أن يتحمّل مسؤوليته اتجاه هذا الجيل، فهذه مسؤولية مجتمعية وعلى جهودنا أن تتضافر حتى لا نخسر تعليم أبنائنا.
أمّا عن الحلول التي اقترحها المعلمون، فكانت معظمها حول التعليم الوجاهي لكن باتّباع عدّة طرق وأساليب، كاعتماد نظام التعليم الصباحي والمسائي (ما بعد الظهر)، تقليل عدد ساعات اليوم الدراسي، إلغاء فترة الخمس دقائق والفرصة، تقليل عدد الطلاب في كل صف، زيادة عدد الشعب الصفية، وأن يجلس كل طالب في طاولة وحده مع اتّباع كافة إجراءات السلامة والوقاية من الفيروس، إلى جانب توعية الطلاب بأهمية النظافة والتباعد، واتّباع المعلمين أيضًا وسائل الوقاية اللازمة.
وأكدوا أن هذا الأمر ليس مستحيلًآ ويُمكن تطبيقه كي لا نخسر عامًا دراسيًا، وكي لا نعمل على تجهيل أبنائنا، وأيضًا حتى لا نجعل من مدارسنا بؤرة للفيروس.
أمّا الحل الآخر الذي يُمكن أن تلجأ لها الوزارة، فهو القناة التعليمية التي قد تكون وسيلة مناسبة للجميع فلا تحتاج إنترنت ولا جهاز حاسوب لكل طالب، والتلفاز متوفر في كل منزل، وأوفر من الناحية المادية.