فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: في بيوت الأسرى الفلسطينيين، تسكن الفرحة التي تحاول أن تزاحم الحسرة على مكانها الساكن في القلوب المشتاقة لهم، تجتمع العائلات لتحتفل بتفوق أبناء وأشقاء الأسرى، تحت صورهم المثبتة دائماً في صالونات المنازل، وتنطلق الزغاريد مع الدعوات بحرية قريبة تجمع شملهم.
فرحة منقوصة
عندما اعتقل الاحتلال والده بهيج بدر، كان عمر طفلاً يبلغ من العمر (عامين ونصف)، وفي غرف الزيارات بسجون الاحتلال تعرف عليه وبنى علاقته معه، على خلاف الطبيعي في الحياة.
كبر عمر وتفوق بالثانوية العامة، وحصل على معدل 95%، وكانت الفرحة الأولى لوالده في سجون الاحتلال، التي يقضي فيها حكماً بالسجن المؤبد.
تقول والدته "لقُدس الإخبارية": الإصرار والإرادة ساعداني على أن أوصل أبنائي لمرحلة النجاح والتفوق، في ظل حرمانهم من والدهم.
وتضيف: العام الماضي أيضاً تفوقت ابنتي في الثانوية العامة، وكل ذلك بفضل الله ودعاء بهيج ونصائحه لنا، وعملي كمدرسة ساعدني في تعليم وتربية أبنائنا.
وتتابع: فرحة بهيج بنجاح عمر لا توصف، ورغم أنها ناقصة لغيابه عنا، لكن أملنا بتحرره يخفف من أحزاننا ويزيد من فرحتنا.
يقضي بهيج مع شقيقه باهر حكماً بالسجن المؤبد 18 مرة، لدورهما في عمليات للمقاومة خلال الانتفاضة الثانية.
نجاح رغم الاعتقال
قبل أسابيع قليلة من امتحانات الثانوية العامة، تحرر محمود المغربي نجل الأسير أحمد المغربي، من سجون الاحتلال، ليبذل كل مجهوده كي يحقق النجاح.
تقول والدته هنادي المغربي "لقُدس الإخبارية": اعتقل محمود في بداية الفصل الأول وتحرر قبل فترة قصيرة من نهاية الفصل الدارسي الثاني، ولكن بإرادته ومساعدتي له تمكن من النجاح، رغم الظروف الصعبة التي عاشها والمرحلة اللاحقة للإفراج عنه، التي شهدت إغلاق المدارس عقب تفشي فيروس كورونا.
وتتابع: تعبت معه كثيراً خلال فترة الامتحانات، خاصة أنني أعمل مدرسة، كي أساعده على تجاوز المرحلة بنجاح، وبفضل الله تحقق لنا ذلك.
"فرحة أحمد لا توصف عندما وصله خبر نجاح محمود، وهو خبر انتظره كثيراً لعله يخفف عنه هم الاعتقال والغربة عن عائلته"، تضيف المغربي.
ولد محمود بعد شهور من اعتقال والده، وكحال كثير من أبناء الأسرى لم يتعرف عليه إلا عن طريق الرسائل والزيارات، ورغم ذلك فإنه حرص على بناء علاقة قوية معه تتحدى كل محاولات الاحتلال لتفريقهم، كما تؤكد المغربي.
المغربي أسيرة محررة تعرضت للاعتقال في سجون الاحتلال، في عام 2016، وجربت معاناة التحقيق في زنازين مخابرات الاحتلال والحرمان من عائلتها.
الأسير أحمد المغربي محكوم بالسجن المؤبد 18 مرة، منذ اعتقاله في العام 2002، وقد تعرض للعزل في الزنازين الانفرادية لسنوات.
رسائل عبر الأثير
عبر برنامج على الإذاعة، أرسلت عائلة الأسير عاهد أبو غلمة له خبر نجاح ابنته "ريتا"، في امتحانات الثانوية العامة، لعله يصله إلى زنزانته في سجن "ريمون" جنوب فلسطين المحتلة.
تفوقت "ريتا" في الثانوية العامة وحصلت على معدل 89، وفرحتها مضاعفة، كما تقول لأنها تعلم الان أن والدها قد سكن الفرح قلبه بنجاحها.
تقول ريتا: غياب والدي في السجون لا يعني أنه غائب بقلبه وعقله، دائماً ما أشعر بحنانه ووصاياه، ولا أسمح للاحتلال أن يسرقه منا.
وتتابع: فرحتي غير مكتملة لحرماني من والدي، كانت أمنيتي أن يكون بجانبي ونسمع النتيجة معاً، لكن سيأتي يوم يتحرر فيه من سجون الاحتلال ونعيش كل اللحظات الجميلة معاً.
تقول والدتها: بعد اعتقال عاهد لعبت دور الأم والأب معاً، وهو دور صعب، لكنني نجحت في تربية أطفالنا وإيصالهم إلى مرحلة النجاح والتفوق، بالإضافة إلى أنني انتسبت إلى الجامعة أيضاً وحصلت على الشهادة.
ريتا قررت دراسة تخصص "الترجمة" في جامعة بيرزيت، وتؤكد والدتها أن عاهد ترك لأبنائه اختيار التخصصات التي يفضلونها، وهو دائما يشجعهم على دراسة وعمل ما يحبون.
الأسير عاهد محكوم بالسجن المؤبد و5 سنوات إضافية، لدوره في عملية اغتيال الوزير في حكومة الاحتلال رحبعام زئيفي.
نجاح من قلب المأساة
في منزلها بمخيم الأمعري، تحتفل عائلة الأسير نصر أبو حميد بنجاح نجلها عائد، الأسير المحرر، الذي اعتقل خلال العام الدراسي، لأيام في مركز تحقيق لمخابرات الاحتلال.
في عام واحد هدم الاحتلال منزل عائلة أبو حميد مرتين، لكن ذلك لم يكن كافياً لهدم معنوياتها، كما تؤكد، وتمكن عائد من النجاح في الثانوية العامة.
تقول والدته: النجاح طبعاً لا يحلو إلا بفرحة نصر، الذي وصله الخبر إلى زنزانته في سجن عسقلان، وكانت سعادته حقيقة لا توصف.
وتضيف: عائد ولد بعد اعتقال والده ولكن علاقتهما قوية جداً، لأن نصر حرص على نسج علاقة صداقة وحنان وعطف معه، متحدياً على العوائق التي يفرضها الاحتلال على الأسرى.
نجاح مع الفخر والحب
"دائماً ما كنت استمد ثقتي من القضية التي حملها مسلمة "، تقول زوجة مسلمة ثابت، بعد نجاح ابنته دينا في امتحانات الثانوية العامة.
وتضيف: نجاح دينا وكل تفوق في العائلة، أهديه لمسلمة، الذي ربيت أطفالنا دائماً على الفخر به وبمقاومته وتضحياته.
عند اعتقال مسلمة كانت دينا رضيعة تبلغ من العمر "عاماً فقط"، وكبرت وهي تسمع سيرة والدها من والدتها وأقاربها وأصدقائه، وفي غرف الزيارات كان يحرص على بناء علاقة معها، بحبة الشوكلاتة أو بالرسالة، وكل وسيلة يخطفها الأسير من بين أعين السجانين كي يبقى على تواصل مع أطفاله.
تطمح دينا لدراسة تخصص "هندسة الحاسوب"، بعد أن حصلت على معدل 85% في امتحان الثانوية العامة، تقول والدتها، وأكبر طموح لها هو أن تزرع السعادة في قلب والدها الأسير.