شبكة قدس الإخبارية

هل انتهكت السلطة خصوصية الطلاب العائدين للبلاد؟

file_2020-07-08_163404
ليث الطميزي

فلسطين المحتلة -خاص قدس الإخبارية: منتصف حزيران/ يونيو الماضي، وبعد أشهر وسلسلة من الضغوطات والحملات الشعبية، أعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية انطلاق ما أسمتها "عملية عودة الأحباب"، لإجلاء الفلسطينيين العالقين حول العالم بسبب إغلاق الحدود والمطارات؛ نظرًا لتفشي فيروس كورونا المستجد، لكن هذا الأمر لم يخلُ من إجراءات قمعيّة مرافقة، من تهديدات للمطالبين بالعودة، إلى تجاهل وإهمال العالقين الفلسطينيين من أهالي قطاع غزة واللاجئين الفلسطينيين في لبنان وغيره.

رزان قرعان، طالبة من مدينة البيرة تدرس في إيرلندا، شاركت شهادتها عبر مقطع فيديو نشرته صفحة حملة "رجعونا ع بيوتنا" وتحدّثت عن تعرّضها لاعتداءات جسديّة ولفظيّة، وتهديداتٍ بالقتل والطّرد من صاحب السكن الذي كانت تُقيم فيه، ولم تستطع مواصلة دفع تكاليفه نتيجة الإغلاق، ووجهت اللوم للسفارة الفلسطينية في دبلن لتقصيرها في متابعة الموضوع، إلّا أنّ الخارجيّة أصدرت بيانًا توّعدت فيه رزان، قائلةً: "وأمام المغالطات والاتهامات والتهجّمات الباطلة التي وردت على لسان الطالبة، ليس فقط بحق سفارتنا في إيرلندا وإنما بحق الوزارة وجميع سفارات دولة فلسطين، سنلجأ إلى النائب العام للاستئناس برأيه القانوني لوضع حد لهذا التمادي".

إجراءات السلطة الفلسطينية لم تكتفِ عند هذا الحد، فإلى جانب التهديد والتقصير والإهمال وضعف التنسيق، والتقارير التي تحدثت عن معاملة أبناء المسؤولين العالقين معاملة خاصة، أبلغ مجموعة من الطلاب العائدين عن إجراءٍ قمعي غير مسبوق فور وصولهم إلى معسكر النويعمة في أريحا لإجراء الفحوصات.

تمثل الإجراء في تحميل تطبيقات تتبع على هواتفهم دون إذنهم، ودون أي سند قانوني يتيح لهم فعل ذلك، وسط مخاوف من تعرض معلوماتهم الشخصية وخصوصيتهم للانتهاك أو التسرب.

إحدى الطالبات الفلسطينيات (فضّلت عدم الإفصاح عن هويتها لدواعٍ أمنية) والتي كانت تدرس في أوروبا وعادت عبر طائرة الإجلاء الأخيرة من مطار فرانكفورت تقول: "فور وصولنا معسكر النويعمة، أبلغنا السفير د.أحمد الديك بالدخول مصطحبين الهوية وجواز السفر والهاتف المحمول فقط، وبمجرد دخولي كان هناك عدّة أشخاص مجهولي الهويّة- بسبب ارتدائهم لبدلات الوقاية الخاصة بالفيروس- على طاولة داخل القاعة، كان عليها أيضًا 4 حواسيب محمولة، كانوا يُجبرون الجميع على تسليم هواتفهم بالإضافة إلى الرمز السري، ومن ثم توقيع تعهد خطي والانتظار، دون إخبارهم بأية تفاصيل أخرى".

تقول الطالبة أنّ بعض العائدين كانوا قد أخبروا العناصر أن هواتفهم لا تعمل وبحاجة للشحن، إلا أنهم كانوا مجهّزين لهذا السيناريو وأجابوهم: "إحنا بنشحنه مش مشكلة هاتوه".

طالبٌ آخر من مدينة الخليل عائدٌ من مصر يضيف أنّ الهواتف الّتي تعمل على نظام أندرويد قد حملوا عليها تطبيقًا من خارج متجر تطبيقات Google، قد يكون اسمه "لأجلك" أو "لأجلكم"، أمّا الهواتف التي تعمل بنظام Apple iOS أو التي تعذر تحميل التطبيق ذاته عليها، أخذ العناصر عنوان الآي بي ومعلومات التعريف الخاصة بها، ويضيف "لقد استغلوا كوننا منهكين بسبب السفر الطويل والصعب والانتظار في مطار عمان ولم يدقق أحد، لكني اكتشفت بعد وصولي إلى المنزل وحذفت التّطبيق، ولا أعلم إن كانوا قد زرعوا ملفاتٍ أخرى أو أخذوا أيّ معلومات من هاتفي".

عدة شهادات مطابقة استطعنا الحصول عليها، بالإضافة إلى فتاةٍ من رام الله كانت قد شاركت مع متابعيها على إنستغرام تهديد أحد ضبّاط السلطة لها عند سؤالها عن سبب حاجتهم لهاتفها، حيث أخبروها أنّه لمراقبة تحركاتها: "رح نحطلك هالآب عشان نشوف إذا بتطلعي من البيت 100 متر رح يقدموا فيكي شكوى جماعيّة، مش دكتور واحد، مش بطّالة الكميّة".

جميع الشهادات وضعت شخصًا واحدًا تتعرّف عليه في مكان الحدث، السفير د.أحمد الديك، رئيس ديوان وزير الخارجيّة ومستشاره السّياسي، لذلك حاولنا الاتّصال به عدّة مرّات للحصول على تعليقه، إلّا أنّه رفض الإجابة على المكالمات.

لكن في النهاية رد الديك على اتصال “قدس الإخبارية” وقال إنه لا يعرف أي شيء حول الموضوع، وأن دور الخارجية ينتهي عند وصول الطلاب إلى الجسر، وليس لها أي علاقة بهذا الشأن.

من جهته يشير مدير "حملة" - المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (عضو ائتلاف الحقوق الرقميّة الفلسطيني)، أ. نديم ناشف إلى أنّ للكل الحق بالخصوصية حسب المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بالحقوق الرقمية، ولا يجوز الالتفاف عليها أو التّجسس على الناس بدون معرفتهم بحجة الصحة العامة، وعبر برمجيات خبيثة لا يعي لها الشخص.

ويوضح ناشف أنّ الأمر "مرفوض من ناحية حقوقيّة وحقوقيّة رقميّة، ويشكّل انتهاكًا كبيرًا لخصوصيّة النّاس ومعلوماتها وبياناتها، ويوجد طرق مختلفة تمامًا لمعالجة الموضوع دون استغلال الأزمة الصحيّة لتمرير مخطّطات تنتهك حقوق النّاس بهذه الطّريقة".

ويضيف: "هناك معارضة حول العالم لجمع الحكومات للمعلومات عن مواطنيها بحجّة فيروس كوفيد-19، ومطالبة بأن تكون المراقبة عبر أجهزة صحيّة وليس أجهزة أمنيّة، وأن تكون محدودة بالوقت وموضّحة بشفافيّة ما هي المعلومات الّتي يتمّ جمعها ومن لديه وصول إليها".

تأتي هذه التّصرّفات بالتّزامن مع التقارير حول تكليف حكومة الاحتلال جهاز مخابراتها "الشاباك" بتعقّب الهواتف.

بدوره، قال الإعلامي المتخصص بحقوق الإنسان والشأن القضائي ماجد العاروري في حديث لـ”قدس” إن ما حصل مساس بالخصوصية، لأن الهواتف عليها مراسلات ومعلومات شخصية خاصة بأصحابها وهي محمية بموجب القوانين.

وأوضح أنه لا يجوز لأي فرد أو طرف فتح هذه الأجهزة والدخول للمعلومات التي تحويها دون وجود أمر قضائي يسمح بذلك.

وأشار إلى أنه كان يتوجب على من فعل ذلك الحصول على موافقة صاحب الهاتف، واطلاعه على تفاصيل التطبيق الذي سيتم وضعه، أو الاستناد إلى تشريع يسمح له بذلك.

وبحسب العاروري، فإنه لا يوجد أي تشريع حتى اللحظة يسمح بانتهاك الخصوصية في أي حالة من الحالات المتعلقة بفيروس كورونا.

ولفت إلى أن هذا الإجراء اتُخذ في بعض الدول من أجل تتبع المصابين بفيروس كورونا، وضمان السيطرة على الحجر المنزلي والتزامهم بهذا الأمر، لكن باعتقاد العاروري “لا يجوز بكل الأحوال اختراق الخصوصية دون وجود قانون يسمح بذلك حتى لو كان نوع من الحماية الصحية وله أهداف إيجابية”.