فلسطين المحتلة - خاص بقدس الإخبارية: عمر وأيهم كانا يلعبان كرة السلة حتى أنهيا يومهما الدراسي، ولم يكن يعرف أحد ما يجول في خاطرهما، لكنهما أنهيا ذاك اليوم بعملية فدائية كان لها وقع كبير في حينها، والمفاجأة الأكبر أنهما كانا طفلين.
أيهم صباح وعمر الريماوي مر يومهما في الـ18 من شهر شباط/ فبراير 2016، بشكل اعتيادي، وبحسب كادر التعليم في مدرستهما، لم تبد عليهما أي علامات غريبة بل كانا يلعبان بكرة السلة في باحة المدرسة ثم غادرا عند الثالثة بشكل طبيعي.
"قلقنا عليه كثيرًا، لم يأخذ هاتفه كالمعتاد في ذلك اليوم، ولم يعد للمنزل عقب ساعات من انتهاء اليوم الدراسي، كنا سننتقل من بيتونيا برام الله إلى بلدتنا قفين شمالي طولكرم لنزور العائلة، لكن تأخير أيهم دفعنا لإلغاء ذلك"، يقول بسام صباح “أبو أيهم” لـ”قدس الإخبارية”.
ويضيف "تفاجأت باتصال هاتفي من أحد ضباط مخابرات الاحتلال مساءً، يستدعيني للحضور الفوري إلى حاجز قلنديا (شمال القدس) لأمر ضروري، دون إبلاغي بأي شيء رغم تساؤلاتي المتكررة له حول السبب".
لم يذهب أبو أيهم وحده بل إن قلب الأم الذي يشعر بكل شيء دون فهم الأمور دفعها للإلحاح على زوجها للذهاب معه، كما ذهب عم أيهم معهما.
تحقيق غريب، متقطّع، أسئلة اجتماعية وعامة، ثم سأل الضابط صباح:
الضابط: أين أيهم؟
الوالد: لا أعرف.. لم يعد للبيت
الضابط: أيهم عمل عملية
الوالد: شو عملية.. جراحية؟
الضابط: لا ..ابنك قتل مستوطن
الوالد: كيف طفل يطعن ويقتل!
لم يستوعب ما الذي يُقال له، ولم يجد نفسه إلّا في مواجهة الضابط يقول له: “أنا مش مصدقك”، ثم سأله عن نجله، وأين هو، فلم يجبه الضابط، ثم أمره بمغادرة المكان.
في الوقت الذي كان ضباط المخابرات يحققون مع والد أيهم ويبلغونه بما حدث، كانت زوجته وشقيقه ينتظران في الخارج.
خرج والد أيهم وتحدّث مع أخيه، وإذ بشُبان عند حاجز قلنديا يتبادلون أطراف الحديث حول العملية ويقولون: “الشباب اللي استشهدوا لسه عايشين، ما ماتوا”.
حينها تيقّنت العائلة بما حصل، وعرفت بأن أيهم وعمر نفّذا عملية طعن في متجر للمستوطنين يدعى “رامي ليفي” شرق رام الله أسفرت عن مقتل مستوطن وإصابة آخر.
أيهم أُصيب برصاص الاحتلال في قدمه اليسرى وكتفه الأيمن، ما تسبب بقطع شريان في يده، في حين أُصيب عمر برصاصة في ظهره وأخرى في صدره من الجهة اليمنى.
هذا الأسير الذي دخل السجن والتحقيقات القاسية طفلًا أصبح اليوم شابًا يافعًا، يبلغ من العمر 19 عامًا، وسيتقدّم لامتحانات الثانوية العامة هذا العام.
عائلته افتقدته وما زالت تفتقده في كل مناسبة دينية واجتماعية، تتذكر مواقفه، حديثه، كان ناضجًا طموحًا كما يقول والده رغم صغر سنّه.
يتذكّر بسّام نجليه أيهم وأحمد الذين كانا يُحبّان الاستماع لقصص والده الاجتماعية والتاريخية وتجاربه في الحياة، وحينما كان يحملهما على كتفه رغم أنهما لم يعودا صغيرين، يستذكر كيف كانا يذهبان معه إلى المسجد خلال رمضان، وإلى أداء صلاة العيد أيضًا.
ويضيف صبّاح لـ"قدس" أن أيهم اليوم بات رجلًا في جسد صغير، معنوياته عالية، يُحاول في كل مكالمة هاتفية أن يخفّف عنّا جروحنا التي أوجعتنا طوال سنوات اعتقاله، يُحاول أن يُنسينا أنه محكوم بالسجن المؤبّد بعد أن كان الحكم السابق 35 عامًا.
لكن دائمًا ما يملأ أصوات الأسرى أمل بحرية قريبة، وأن صفقة قريبة تحوم في الأفق بين الحين والآخر، وقد يكون أيهم بين هؤلاء الرّجال الأطفال الذين سطّروا بطولاتهم من أجل شعبهم ووطنهم في سنٍّ صغيرة، ولم يندموا أبدًا.
ذاك الطفل الذي كان يبلغ من العمر 16 عامًا عندما حاوره أحد صحفيي الاحتلال من داخل السجن، بدا مثقّفًا واعيًا بقضيته الفلسطينية ونهبِ الاحتلال لأرضه، وقال ضمن أجوبته:
“نحن جيل تربينا على المقاومة .. نحن أصحاب قضية ولسنا إرهابيين.. تنفيذي للعملية كان نتيجة تراكمية حتى جاءت لحظة الصفر، وقلت لنفسي يجب أن أفعل شيئًا”.
واشتُهر أيهم بمقولته التي لم يتوقّعها ذاك الصحفي: “أنا مش ندمان أبدًا .. لو بعد مية سنة”.