فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: "لا أريد العودة لفلسطين الماضي، فلسطين الانتدابية حيث الصبار والرمان وطواحين الماء لأنها ببساطة غير موجودة إلا في الذاكرة، وعندما تصبح فلسطين رومانسية يغدو حق العودة طوباوياً وهذه الرومانسية للعودة تبعدنا عن العودة نفسها، أريد العودة إلى فلسطين المستقبل التي لا بد وأن تتطابق فيها الهوية الفلسطينية الجامعة مع جغرافيا الوطن الكامل".
هكذا عبَر الأسير وليد دقة عن رؤيته للمستقبل في فلسطين، الذي نعجز عن الوصول إليه عندما نبقى في دائرة مفرغة من الحديث الرومانسي عن الماضي دون أن نعبر إلى مرحلة البناء والعمل من أجل تحقيق العودة والتحرر على أرض الواقع.
كي لا تكون الرومانسية بديلاً عن التحرير:
تقول سناء سلامة زوجة وليد دقة "لقُدس الإخبارية": "وليد لا يحب الحديث الرومانسي ولا اللغة المتورمة التي تحجب الفعل الواقعي المباشر من أجل تحقيق التحرير".
وتتابع: "دائماً ما كان لوليد رؤيته المغايرة لكل اللغة السائدة في الوسط الفلسطيني، فكان يقول لا أريد بعد كل هذه السنوات في السجن أن تصفوني بجنرال الصبر ما أريده أن تعملوا على تحريري وتعيدوني إلى الحياة".
"وليد يقدس الفكر والعمل ووضع المخططات والدراسات للوصول للهدف الأسمى لشعبنا وهو التحرير، وليس بالخطب الإنشائية التي لا تغني من الواقع شيئاً، ولو طبق المسؤولون جزءاً فقط مما جاء في دراسته عن صهر الوعي لكان وضع الحركة الأسيرة أفضل بكثير"، تقول سناء.
في مقابلة سابقة مع جريدة "الأخبار"، يقول وليد: "أوسلو جزّأت الشعب الفلسطيني، ثم كان من الطبيعي أن تجزئ الأسرى، فمن يتحدث عن دولة في الضفة وليس وطناً، يتنازل تلقائياً، حتى لو ادعى غير ذلك، عن روايته التاريخية المؤسسة للهوية وللشعب الفلسطيني، وأهم مكوّناتها النكبة ورواية اللجوء".
تقول سناء: "ما يمنع الشعب الفلسطيني من التقدم بخطوات نحو بناء مشروع حقيقي للعودة والتحرير، هو أولاً مجموعة المتنفذين الذي يعملون لإفشال أي تحرك عملي من الناس، ثم اليأس الذي أصاب المجتمع جراء مجموعة من الخيبات التي أصابته".
اليأس ترف:
تؤكد سناء أن "وليد منذ لحظة اعتقاله أراد أن يهدم سلطة إدارة سجون الاحتلال عليه ورفض أن يكون مجرد رقم كما خطط الاحتلال لذلك، وكان دائماً يقول أن على كل إنسان واجب أن يقرأ المستجدات في واقعه ويعمل لتغييره وتطوير نفسه".
وتضيف: "وليد طبق على المستوى الشخصي كل ما دعا الناس له، ولذلك في مقابلة معه إن اليأس بالنسبة لإنسان مثله رفاهية لا يُمكن لأحد مثله أن يصله لها".
"استطاع وليد عبر فعل الكتابة الذي مارسه طوال سنوات اعتقاله أن يتحدى إرادة سجون الاحتلال ويثبت ذاته المتحررة من القيود"، تقول سناء.
وتتابع: "وليد دائما متفائل دائماً ولكنه ينادي بالعمل من أجل التغيير فإذا بقينا على حالنا فإن المستقبل لن يكون أفضل من الحاضر، وربما يتدهور الوضع نحو الأسوأ".
أكتب لميلاد المستقبل:
قبل سنوات من قدوم طفلته "ميلاد" إلى الحياة، كتب وليد لها رسالة كأنه يحدثها فيها: أكتب لفكرة أو حلم بات يرهب السجان دون قصد أو علم، وقبل أن يتحقق، أكتب لأي طفل كان أو طفلة، أكتب لابني الذي لم يأت إلى الحياة بعد، وأكتب لميلاد المستقبل فهكذا نريد أن نسميه/نسميها، وهكذا أريد للمستقبل أن يعرفنا".
تحقق حلم وليد المسكون بمستقبل أفضل بعد كل هذه السنوات في السجن، ورزق مع زوجته بطفلتهما "ميلاد" عن طريق "النطف المهربة"، رغماً عن السجن الذي أراد أن يحبس مع وليد مستقبله وأحلامه.
اعتقل الاحتلال الأسير وليد دقة من بلدة باقة الغربية بالداخل المحتل في العام 1948، ولوليد إصدارات ومقالات متنوعة في الشؤون السياسية والأدبية.