ماذا تبقى من المشروع الوطني بعد قرار ضم أجزاء من الضفة الغربية...؟ الإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن تحدد المسار السياسي للقيادة الفلسطينية، وترسم خريطة الخيارات الممكنة لمواجهته بعيدًا عن الخيارات التقليدية التي باتت (إسرائيل) تتوقعها وتعرف مآلاتها.
أولًا: ماذا يعني ضم أجزاء من الضفة الغربية...؟
تبلغ مساحة الضفة الغربية 5655كم2 وتمثل 21% من مساحة فلسطين التاريخية، تبلغ مساحة مناطق ج ما يقارب 3450 كم2 أي ما نسبته 61% من مساحة الضفة الغربية.
يتركز الاستيطان الصهيوني في مناطق ج، حيث بلغ تعداد المستوطنات فيها 160 مستوطنة يقطن فيها 700 ألف مستوطن بما فيها القدس. واللافت أن الاستراتيجية الصهيونية في الاستيطان توزع المستوطنات على أربعة محاور رئيسة هي شرق الضفة الغربية (الأغوار) وهي الخزان المائي لفلسطين، وفي وسط الضفة، وغربها، وفي القدس الكبرى.
حديث نتنياهو خلال دعايته الانتخابية بأن أولى خطواته بعد فوزه بالانتخابات -وقد فاز فيها-هو ضم الأغوار وشرق البحر الميت، وحتى يفهم القارئ العربي ماذا يعني ذلك وفقًا للأرقام السابقة، فإن منطقة الأغوار تبلغ مساحتها 1640 كم2، ما نسبته 29% من مساحة الضفة الغربية، كلها مناطق ج باستثناء محافظة أريحا والتي تشكل 15% من مساحة الأغوار فقط.
البيئة الاستراتيجية المحلية والإقليمية والدولية داعمة لتنفيذ هذا المخطط الشيطاني، فالعالم منشغل بجائحة كورونا، والولايات المتحدة مقبلة على انتخابات رئاسية في نوفمبر المقبل والسيد ترامب بحاجة ماسة للفوز فيها ولكي يتحقق هذا الفوز فإن ترامب بعد "صفقة القرن" يراهن على أصوات التيار المسيحي الصهيوني، ودعم اللوبي اليهودي، أما فلسطينيًا، فحالة الانقسام وتمسك الرئيس عباس بالسلطة بشكلها الحالي دون تغيير في دورها ووظائفها، كلها أسباب تشجع نتنياهو على الذهاب لتطبيق هذا التوجه، وربما التقارب الإسرائيلي الصيني هو لابتزاز الولايات المتحدة لشرعنة هذه الخطوة، وهو ما لمّح إليه بومبيو وزير خارجية الولايات المتحدة في زيارته الأخيرة لـ(إسرائيل).
إن تنفيذ نتنياهو لوعوده وتطبيق قرار الضم، فإن ذلك يؤدي إلى ما يأتي:
1. القضاء على حل الدولتين وفقًا لقرارات الشرعية الدولية نهائيًا.
2. بعد هذا القرار ستتغير ملامح الاستراتيجية الصهيونية للاستيطان باتجاه الوسط، وسيكون التركيز على منطقتي الخليل ونابلس في المرحلة المقبلة، لارتباط هذا المناطق دينيًا بـ(إسرائيل) من وجهة النظر الصهيونية.
يبقى السؤال الأكثر أهمية وهو: ما الخيارات الفلسطينية لمواجهة قرارات الضم...؟
لن أجامل إن قلت إن (إسرائيل) اتخذت قرار الضم وهي تعلم علم اليقين ماهية الخيارات الفلسطينية وسقفها النهائي، وتدرك أن هذه الخيارات ستبقى أسيرة الشاشات التلفزيونية لعدة أيام وفي عدة خطابات وسرعان ما تتلاشى، وتصبح سياسة الأمر الواقع هي القائمة على الأرض.
ووفقًا لما سبق فإن الخيارات الفلسطينية سأسردها في هذا المقال ضمن محورين:
الأول: خيارات متوقعة ومألوفة لكل الأطراف.
• عقد اجتماع للقيادة الفلسطينية، يتضمنه خطاب للرئيس عباس يهدد ويلوح بقرارات وإجراءات ويخلص الاجتماع بتشكيل لجنة قد يكون صائب عريقات رئيسًا لها، وسرعان ما تتلاشى هذه القرارات واللجان والتوصيات.
• حراك شعبي تحت السيطرة تحركه السلطة الفلسطينية في بعض المحاور، ولا يسمح بفقدان السيطرة على حركة الشارع (حراك موجه وليس انتفاضة أو ثورة).
• جولة خارجية للرئيس عباس ولمعالي وزير الخارجية رياض المالكي للعواصم لحشد موقف دولي رافض لقرار الضم، والمطالبة بعقد جلسات للعديد من التكتلات الإقليمية والدولية، وتخرج بيانات إدانة وشجب للخطوة الصهيونية.
الثاني: خيارات خارج الصندوق.
• اتخاذ الرئيس عباس قرارًا جريئًا لعقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبالتوافق مع كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي وكذلك المجتمع المدني الفلسطيني يتم اتخاذ القرارات الآتية:
أ. إنهاء حالة الانقسام، ودمج حركتي حماس والجهاد الإسلامي ضمن أطر ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، والإعلان عن بقاء اللجنة التنفيذية في اجتماع مفتوح في أحد العواصم العربية أو الإسلامية التي تحتضن القضية الفلسطينية.
ب. الإعلان عن انتهاء العمل بالاتفاقيات الموقعة مع (إسرائيل) قولًا وفعلًا.
ت. إعادة الاعتبار لحركة "فتح" والعمل على توحيد صفوفها، ووضع سلاح السلطة تحت تصرف اللجنة التنفيذية لإدارة الصراع مع (إسرائيل) في كل الأراضي الفلسطينية.
ث. إشراك كل مكونات شعبنا الفلسطيني، وحشد الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم لمواجهة الاحتلال الصهيوني.
ج. تجريم كل أشكال التطبيع من أي طرف كان، ودعم حركات المقاطعة.
ح. تفعيل الدبلوماسية الرسمية والشعبية والرقمية لدعم التوجهات الجديدة وتصويب المسار السابق الذي جعل من إسرائيل دولة طبيعية بالمنطقة.
خ. اندلاع انتفاضة شعبية عارمة يمارس شعبنا فيها كل أشكال النضال الوطني لمواجهة الاحتلال، ورفع فاتورة احتلاله.
دون ذلك، أرى أن المشروع الوطني يتآكل تدريجيًا، وسنكون في عام 2030 أما حديث (إسرائيل) عن ضم قطاع غزة، وبعدها سنستمع لحديث ضم عواصم عربية وإفريقية، وهو ما ينسجم والمشروع الصهيوني الكولونيالي التوسعي الذي يرى في حدود (إسرائيل) التوراتية من النيل للفرات، ومن يعلم بعد ذلك أين ستكون الحدود الإسرائيلية في ظل حالة التيه والضعف والتشرذم التي يعيشها عالمنا العربي والإسلامي.