فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: مقاتلاتٌ خُضن غِمار المعركة بكل بسالةٍ، دون تردد أو خوف، كان لهنّ بصمة في مكافحة فايروس كورونا، تركن خلفهنّ أبناء وأمهات وأباء، رددن القسم بصون حياة الإنسان والحفاظ على سلامته، والعمل بإخلاص، شاركن المصابين أوجاعهم وأحزانهم وفرحة الشفاء، شعرن بالفخر والاعتزاز لأنهن كنّ على خط المواجهة الأول.
هداية الريماوي ممرضة تعمل في العيادة الصحية بقرية كفرعين ومديرية صحة رام الله، وبعد انتشار فايروس كورونا في فلسطين، رشحت وزارة الصحة اسمها من بين الأطقم الطبية في المحافظة، وأبدت موافقتها من اللحظة الأولى.
"لم أتردد لحظة، كنت أرغب بأن يكون لي بصمة في مكافحة فايروس كورونا، لكنّ شيئاً واحداً آلمني لأنني سأترك أبنائي لأول مرة "، تقول هداية.
في أوائل شهر نيسان، كان موعد انتقال هداية من منزلها إلى فندق الكرمل، كانت تخفي الحزن عن أولادها، وحبست دموعها وتظاهرت بالفرح، أما أبنائها الثلاثة وابنتها فكانوا خائفين ويبكون.
تقول هداية لـ"شبكة قدس": "كان عملنا يتمثل بتقديم الخدمات للمصابين وهنا يكون التواصل غير مباشر، وفي أحيان أخرى يكون بشكل مباشر عند دخولنا لغرف المصابين برفقة الأطباء لأخذ فحوصات لهم أو عينات كل فترة".
تضيف هداية: الخوف يكون قبل خوض التجربة، لكن بعد أن باشرنا العمل انكسر هذا الحاجز، وكنا مدركين أنه ما دمنا ملتزمين بالزي الوقائي والإجراءات الاحترازية، فنحن في أمان من الفايروس.
من المواقف الصعبة التي شهدتها هداية، كانت لإمرأة برفقة ابنتها تم نقلهما للتو لفندق الكرمل، وانتقلت العدوى إليهما لمخالطتهما زوجها المصاب، وخلال توزيع الممرضين وجبات العشاء، طرقت هداية باب السيدة، كانت تبكي وخائفة، لا تدري ماذا سيحل بهم، بعد انقلبت حياتهم رأساً على عقب في ساعات قليلة.
بعد أن انتهت هداية من توزيع الطعام، توجهت إلى الطابق المخصص للممرضين والأطباء، وطلبت إضافة السيدة إلى مجموعة "الواتس أب" التي يتواصل من خلالها المصابون مع الأطقم الطبية، وفيها يتم الإجابة عن أي استفسار، وطلب أي خدمة يحتاجونها، لتتصل هداية بعدها على غرفة السيدة وتطمئنها.
وفي موقف آخر، تقول هداية: في أحد الأيام جاء اتصال هاتفي لأحد المصابين، تخبره عائلته بأن ابنه البالغ من العمر عشر سنوات، تبين إصابته بعد مخالطة والده، وسيتم نقله للفندق، كانت الدموع تملأ عينيه عندما أخبرني عن قدوم ابنه، وطلب مني فور وصوله بنقله إلى غرفته.
بعد 16 يوماً، انتهت خدمة هداية وكان عليها أن تنتقل للحجر المنزلي، رغم أنها كانت ترغب في البقاء حتى آخر مصاب، غادرت الفندق إلى بلدتها بيت ريما لمنزل شقيقتها المجهز، وفور وصولها كان أبناؤها في استقبالها، وما أن ترجلت من المركبة حتى اقتربوا منها، أما هي فبقيت واقفة حتى تراجعوا.
تقول هداية: "كانت فترة الحجر المنزلي أصعب بكثير من فترة العمل رغم الضغط، لكن في المنزل الوقت قاتل، وأن تكون بعيداً عن أبنائك تراهم ولا تستطيع احتضانهم وتقبيلهم كان يؤلمني".
فور وصول هداية للعزل، كان طفلها الصغير قد نقل أغراضه ليكون مع أمه، أما ابنها البكر في إحدى المرات غافلها وجاءها من شرفة المنزل، فصرخت عليه تطلب منه التراجع والوقوف، أما ابنتها فكانت تقبّلها من بعيد، استمر هذا الحال حتى صدرت النتيجة وكانت سلبية، لتتمكن هداية من لقاء واحتضان أطفالها.
"حقل ألغام"
عزيزة عوض، مسعفة تعمل في مركز اسعاف طولكرم التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، وهي ضمن أول طاقم اسعاف نسائي في فلسطين، استمر عملها بعد انتشار فايروس كورونا.
في كل يوم كان على عزيزة وصفية البلبيسي تعقيم سيارة الاسعاف منذ الصباح، وبعد نقل كل حالة، وارتداء الزي الوقائي، وتزويد السيارة بكل المعدات، لينطلقن لعملهن.
تقول عزيزة لـ"شبكة قدس":"عندما نتلقى اتصالاً بوجود شخص لديه أعراض كورونا، نأخذ كافة التفاصيل عن حالته الصحية، وفي حال اشتبهنا بأن هذا الشخص قد يكون مصاباً، نتواصل مع الطب الوقائي، وإذا لم يتمكن من نقله نتوجه نحن إلى المكان، نطلب منه تعقيم يديه ونزوده بقفازات وكمامة، ونبدأ بالاستفسار عن تاريخه المرضيّ، ونفحص مؤشراته الحيوية، وننقله للجهات المختصة".
في إحدى الحالات تلقى المركز اتصالاً بوجود شخص مريض، توجهت عزيزة وصفية إلى المنزل، لتتفاجئا بأن الشخص لديه أعراض "الكورونا" ولم يتم إبلاغ المركز بها، ارتبكتا في البداية لكنهما سرعان ما توجهتا إلى سيارة الاسعاف وارتديتا الزي الوقائي ونقلتا الحالة.
لا تخفي عزيزة مخاوفها في أول مرة تعاملت فيها مع شخص مشتبه بإصابته، لا سيما عندما كانت تنتظر نتيجة فحصه طيلة الليل، لكن حاجز الخوف انكسر بعدها، لتقوم بعملها بكل جرأة ودون تردد، رغم المخاطر التي تصفها كالعمل في حقل ألغام.
من اللحظات الصعبة التي عاشتها عزيزة، عندما أعلن عن وجود شخص مصاب بالفايروس وكان متواجداً لعدة أيام في مستشفى ثابت الحكومي بطولكرم، وشاءت الصدفة أن تتواجد هناك في تلك الفترة، انتابتها موجة من البكاء، وعادت إلى جدول عملها، وبدأت الاتصال بزملائها في المستشفى، لمعرفة أدق التفاصيل التي عاشها ذلك المريض.
حاول والداها تهدئتها ورفع معنوياتها، ولم تهدأ حتى توصلت لمعلومة تفيد أنه وصل المستشفى بعد أن غادرته، هذه اللحظات الصعبة شاهدتها أيضا عزيزة لدى أهالي الأشخاص المشتبه بإصابتهم، وكانت ترى دموع الأمهات وقلقهن.
في كل حالة يتم نقلها إلى مراكز الفحص، كان مركز الهلال الأحمر الذي تعمل به عزيزة يتابع نتائج الفحوصات، وحتى الآن كانت كلها سلبية، ورغم ذلك تتعرض عزيزة للتنمر بسبب طبيعة عملها، و هناك أشخاص يرفضون مصافحتها، ومنهم من كان يناديها بـ"كورونا"، لكنها رغم ذلك تواصل عملها بكل حب، وتصف تجربتها بأنها لا تُنسى.