يبدو بشكل واضح أن بنيامين نتنياهو، ومن خلال الاتفاق مع غانتس على تشكيل حكومة جديدة، أن نتنياهو ضمن استمرار وجوده على رأس الحكم عاما ونصف العام، وبالتالي سياسته، وفيما يتعلق بمسألة الموقف من ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، فإن هذا هو البند السياسي الوحيد في الاتفاقية.
واتفق الطرفان على أن يبدأ العمل على تنفيذ الضم، بموجب خطة ترامب، بدءاً من 1 يوليو 2020، وضمن نتنياهو في الاتفاقية ألا تحول معارضة غانتس، لو حصلت، دون اتخاذ القرار بشأن ضم أراضي الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية.
تجدر الإشارة إلى هذه الحكومة، في حال تشكلت فإنها ستواجه الكثير من الأزمات، وبالتالي فإن عملها لن يكون سلساً، وستنشغل كثيراً بإدارة أزماتها الداخلية.
وفيما يتعلق بمسألة ضم أراضي الضفة الغربية، فإن هنالك مجموعة من العوامل التي تجعل الضم مسألة مؤكدة، لكن النقاش بشأن تفاصيله ستكون كبيرة داخل الحكومة الإسرائيلية العتيدة.
في هذا المقال سيتم استعراض العوامل الداعمة للضم، والعقبات في طريقه، والسيناريوهات الممكنة، والمحتملة، والمفضلة لدى الحكومة الجديدة.
أولاً: العوامل الداعمة للضم
- رؤية ترامب نصت على اعتبار هذه الأراضي (حوالي 30% من أرض الضفة) جزءاً من دولة الاحتلال.
- تصريحات وزير الخارجية الأمريكي في الثلث الأخير من شهر أبريل 2020 أقرت بأن القرار بهذا الشأن إسرائيلي، ثم أعقبها بتصريح آخر أعلن فيها أن واشنطن مستعدة للاعتراف بالضم وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية.
- وتبدو دعوة وزير الخارجية الأمريكي إسرائيل لإجراء مفاوضات مع السلطة الفلسطينية، محاولة لتبرير الخطوة الإسرائيلية والدعم الأمريكي لها، باعتبار أن الفلسطينيين رفضوا التفاوض.
- يخشى نتنياهو وفريقه أن يخسر الرئيس الأمريكي الانتخابات، ولهذا يريدون كسب الوقت، واستغلال دعم ترامب، لهذا يُتوقع أن يقوموا بهذه الخطوة قبل موعد الانتخابات المقبلة.
- يُعتبر ضم غور الأردن والمستوطنات جزءاً من الاتفاق بين نتنياهو مع غانتس على تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، من خلال سن قوانين لضم هذه المناطق، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، وذلك بعد مشاورات مع الأمريكان، وضمان مساهمة هذه الخطوة في تحقيق أمن إسرائيل واستقرار المنطقة.
- استغلال انشغال زعماء العالم في مواجهة أزمة جائحة كورونا، باعتبار أن هذه فرصة ربما لن تتكرر، كما ورد في مقالة لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.
ثانياً: العقبات في طريق الضم، وتتمثل في:
- رفض الفلسطينيين للخطوة سيحرمها الشرعية، ليس على الصعيد الفلسطيني وحده، بل على الصعيد العربي والإقليمي والدولي، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية.
- هذا الرفض الفلسطيني، ربما يؤدي إلى ظهور مقاومة فلسطينية ميدانية على الأرض، الأمر الذي سيجعل كلفة توفير "الأمن" لدولة إسرائيل أعلى بكثير مما هو قائم.
- وستترافق مسألة ارتفاع كلفة تحقيق الأمن، مع ضائقة مالية في "إسرائيل" بسبب جائحة كورونا، الأمر الذي قد يدعو الحكومة للتروي في مسألة الضم.
- ربما ينتج عن الضم بدون اتفاق مع السلطة الفلسطينية، قيام "إسرائيل" بتهجير عدد من الفلسطينيين من أراضيهم في منطقة (C)، وبالتالي الدخول في مواجهات، وبالتالي احتجاجات على مستوى دولي.
- وربما تقوم إسرائيل بضم جزء من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يعيشون في الأراضي التي ستخضع للضم، وهذا سيؤثر سلباً على "يهودية وديمقراطية الدولة".
- النقاش داخل النُخب الإسرائيلية بشأن خطورة الضم الأحادي على يهودية الدولة، والخشية من الدخول في مشاكل مع بعض الدول العربية مثل الأردن، إضافة إلى توقعهم اندلاع موجات من المقاومة الفلسطينية ضد الاستيطان.
ثالثاً: السيناريوهات المتوقعة لعملية الضم
1- السيناريو الأول: أن يتم ضم المستوطنات وأجزاء من المناطق المحيطة بها (وهي حوالي 10% من أراضي الضفة)، وهذا سيمكن الحكومة الإسرائيلية من حصر معركتها مع السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وسيساعدها على تأجيل معركتها مع الأردن التي تُبدي تحفظاً أكبر إزاء ضم الأغوار، إضافة إلى أن هذه الأجزاء من الأراضي لن توقع إسرائيل في مشكلة ضم عشرات الآلاف الفلسطينيين، ولا في مشكلة تهجيرهم.
لكن عملية الضم هذه ستجلب مقاومة فلسطينية، وكذلك رفضاً عالمياً.
لا يُعتبر هذا هو السيناريو المفضل بالنسبة لبنيامين نتنياهو، لكنه قد يلجأ إليه كخطوة أولى، لأن هذا السيناريو يحظى بموافقة غانتس، ويمكن البدء بتنفيذه مباشرة.
2- السيناريو الثاني: أن يتم ضم المناطق المخصصة في خطة ترامب، خاصة أن هذه الخطوة تحظى بدعم الرئيس الأمريكي ترامب، وربما تتردد أية إدارة أمريكية قادمة في توفير الدعم لهذه الخطوة، ولهذا قد يستعجل نتنياهو، ويتخذ قراراً بضم كل المناطق التي شملتها خطة ترامب.
لكن الإقدام على هذه الخطوة يتطلب جهداً دبلوماسياً واسعاً من حكومة الاحتلال، يبدأ بدعوة السلطة الفلسطينية للتفاوض على أساس خطة ترامب (صفقة القرن)، وإدخال وساطات للضغط عليها، وإن رفضت سيتم التطبيق من جانب واحد.
لكن المدة الزمنية المتاحة أمام حكومة الاحتلال للقيام بكل هذا لا تزيد عن نصف عام (منذ تشكيل الحكومة الجديدة وحتى موعد الانتخابات الأمريكية)، فهل ستكفي للدعوة للتفاوض، وإدخال وساطات، وإجراء مفاوضات ... إلخ، خاصة أن العالم منشغل بتدابير مواجهة جائحة كورونا؟ أما أن حكومة الاحتلال ستندفع بسرعة نحو الضم حسب خطة ترامب؟
ربما يكون الضم حسب خطة ترامب، بعد حملة علاقات عامة هو الخيار الأمثل من ناحية تقدير نتنياهو! أما غانتس فربما يُفضِّل السيناريو الأول!
لكن أغلب الظن أن نتنياهو سيدفع الأمور بالاتجاه الذي يريد، خاصة أن اتفاقية تشكيل الحكومة تحرم غانتس من الحق في الاعتراض، طالما أن الأمر يتم بالتفاهم مع الإدارة الأمريكية.
رابعاً: هل يمكن مواجهة خيار الضم؟
يُشكل موقف محمود عباس والفريق المحيط به حاجز صد لأية مواجهة عملية في الميدان، ومثل هذه المشاريع لا تواجه إلا في الميدان، حتى المواجهة الدبلوماسية لا يمكن أن تنجح، فيما لو قرر عباس خوضها، طالما كان الميدان هادئاً.
ويظهر، من خلال التجارب السابقة، أن محاولات المقاومة إشعال انتفاضة، أو إطلاق مرحلة جديدة من المقاومة، غير قابل للاستمرار، وأن قدرة فريق التسوية على احتواء وكبح تلك المحاولات هي الأرجح، خاصة في ظل التنسيق الأمني المقدس مع الاحتلال.
ويبدو أن إمكانية العمل الفلسطيني المشترك، بين فتح وحماس، ولو في الحدود الدنيا غير ممكن، ولو افترضنا أن "الوحدة" تحققت، فإن السلطة كإطار لا يصلح لإطلاق مرحلة جديدة من المقاومة يمكنها أن توقف خطوة الضم القادمة!
خامساً: ما العمل؟
إن الشلل الذي تشهده إرادة الفعل الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بمواجهة الاستيطان والتهويد، مرتبط بالخلل البنيوي الذي يعانيه النظام السياسي الفلسطيني الذي يكتسب صفة الرسمية على الصعيد العربي والدولي.
وتحتاج إطلاق قدرة الفلسطيني على الفعل المؤثر إلى علاج هذا الخلل البنيوي، وطالما أن جهود التفاهم خلال السنوات الـ 15 الماضية، منذ اتفاق القاهرة 2005 بين الفصائل، لم تُثمر، فإن الواجب الوطني يقتضي أن يتم تجاوز الجهة المعيقة، وتشكيل تحالفات بين الجهات المؤمنة بالمقاومة والراغبة في ممارستها، بفرض الوقائع على الأرض في الداخل والخارج، وبالطبع فإن هذا عمل استراتيجي ويحتاج إلى وقت.
أما على الصعيد الآني، فإن المُتاح لا يتجاوز التصريحات الرافضة للضم، ومحاولة تحريك بعض المظاهرات أو الأعمال الفدائية.