أحاديث تدور هنا وهناك عبر الواتس آب والفيسبوك، واتصالات ما بين الأصدقاء، يخططون من خلالها كيف سيقضون الجمعة في القدس، شوقٌ كبير للقاءٍ حُرموا منه لعدّة سنوات.
يتسابقون في كل جمعة إلى حواجز الاحتلال التي لطالما حرمهم لسنوات عديدة من الوصول إلى حبيبتهم مدينة القدس المحتلة، يحملون معهم حقائبهم علّهم يقضون ليلةً في رحاب المسجد الأقصى.
ورغم ما يتعرّضون له من انتهاكات عبر الحواجز يتخللها تفتيش وإطلاق للقنابل الصوتية والغازية إلّا أن أعداد المصلين في كل جمعة من جمع رمضان تزداد بشكل كبير، وهذا ما سنفقده هذا العام.
تبدأ رحلة الوصول إلى المسجد الأقصى، من خلال الانطلاق من المنازل مع ساعات الفجر باتجاه الحواجز، وبعد ساعات من الانتظار، يُسمح لهم بالدخول والوصول إلى الحافلات التي ستُقلّهم إلى القدس.
مشقّةٌ أخرى في انتظارهم، وهي حواجز الاحتلال داخل المدينة، وبذلك يُفرض على جميع المصلّين النزول من الحافلات والمشي لمسافات طويلة حتى المسجد الأقصى في البلدة القديمة، وهذا الإجراء تفرضه قوات الاحتلال على الجميع بمن فيهم كبار السن والأطفال، إلّا أن الفرق الطبية الفلسطينية تُحاول قدر المستطاع أن تُساعد في نقل كبار السن والمرضى عبر سيارات الإسعاف الكبيرة والصغيرة رغم عرقلة عملها من قبل عناصر الاحتلال.
أمّا الشبان فحكايتهم تبدأ مع استكشاف ثغرات الجدار والمشي بين الكروم الموصلة للقدس، أو السلالم التي تعلّق على الجدار الذي يفصل القدس عن المدن الفلسطينية الأخرى، وهاتان الطريقتان خطرتان حيث يتعرّض الشبّان خلال محاولة الوصول للجانب الآخر (القدس) لقنابل الاحتلال الغازية والرصاص الحي والمطاطي، وكثيرون تعرّضوا للكسر بسبب السقوط أو الهروب من ملاحقة قوات الاحتلال لهم خلال الأعوام السابقة.
اليوم، لم نرَ ازدحامًا للمصلين في شوارع القدس التي بدت فارغة تمامًا إلّا من البعض، ولم نرَ الفرق الكشفية توزّع منشورات تعريفية عن المسجد الأقصى ومرافقه وأبوابه وتنظّم دخول المصلين عند الأبواب، ولم نرَ الطواقم الطبية كخلية النحل تعمل على راحة المصلّين.
هذا العام، لم نخطّط لشيء، فكورونا حرمنا من كل شيء يُبهج قلوبنا بهذه المدينة الحزينة والتي ازدادت حزنًا بإغلاق مسجدها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، منذ 33 يومًا، هذا الشهر الذي تتزيّن فيه أزقّة البلدة القديمة بشكل كامل بكافة أزقتها وحواريها لاستقبال روّاد الأقصى من الضفة وغزة والداخل والقدس أيضًا.
المسجد الأقصى اليوم بدا حزينًا وفارغًا تمامًا من المصلين، باستثناء حراسه وسدنته والعاملين في دائرة الأوقاف الإسلامية، ممن يعمرونه في زمن “كورونا”.
اليوم لن نتسابق لمعرفة كم عدد المصلين الذين أدّوا صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، ولن يعتلي الصحفيون سطح المصلّى القبلي ليوثّقوا لنا أجمل المشاهد، وتواجد عشرات آلاف المصلين في باحات الأقصى من أطفال ونساء ورجال وكبار في السنّ لبّوا نداء الأقصى وشدّوا الرحال إليه وعمروه وأحيوا المدينة التي عاشت طيلة شهور السنة أصعب الظروف.
اليوم ولأوّل مرة لن نرى جموع المصلين وهي تُقيم كافة الصلوات، وتحضّر موائدها في الباحات، ولن يلعب الأطفال هنا وهناك، ولن تُقام صلاة التراويح كما عهدناها كل عام، وستقتصر على الحراس والسدنة والموظفين.