فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: ساعة "الكاسيو" رفيقة الأسرى في سجون الاحتلال، تحصي لهم الدقائق والساعات، وهم يقطعون أياهم في المعتقلات، بما تحمل من أشواق وأحزان.
في خارج السجون فإن سعر هذا النوع من الساعات، لا يتجاوز ثمنها 25 شاقلاً، لكنها في السجن أثمن من ذلك، ويحرص كثير من الأسرى الذين يفرج عنهم، على تورثيها لمن خلفها.
تقول الأسيرة المحررة نجوان عودة: "لم تفارقني الساعة يوماً في السجن، كان المنبه بها يعلو صوته الساعة 4:30 فجراً من كل يوم، كان موعداً للقاءٍ ربّاني هادئٍ خاشعٍ، حدّثت الله كثيراً في هذا الوقت، في كل الأحوال كان الحديث ينتهي بركعتين لصلاة الفجر تُبرّد قلبي قليلاً من نار حقدي التي لم تنطفئ بعد".
وتضيف في حديث عن ذكرياتها بالسجن: كنت أعود إلى البُرش "سرير السجن" الذي كنت أسميه مكتبتي في هذا الوقت، ساعة من القراءة في رواية "قواعد العشق الأربعون"، أسافر بها مع شمس الدين التبريزي وأستمع لحكاوي حارات العراق وحوانيتها، أنهيها بأذكار الصباح فهي جميلة وتبعث الهدوء للنفس".
ولساعة "الكاسيو" ارتباطات بمواعيد كثيرة في حياة الأسير، كما تقول عودة: "دقائق حتى تُذكرني الساعة بموعد النشرة الإخبارية الصباحية، على إذاعة صوت إسرائيل بالعربية، تمام 6:00 صباحاً، كانت هذه أكثر النشرات الإخبارية دقة، كنت أحياناً أحمل الدفتر والقلم لأدوّن ما أسمعه من أخبار، وأكرّر الأمر كل يوم، وأربط الأخبار ببعضها، وأحلّلها، وأخرج بنتائج لا تُرضي الأسيرات غالباً، لا سيما أن الأخبار حول صفقة تبادل للأسرى قريبة هي فرقعات إعلامية وألعاب سياسية ومصالح إقتصادية، لن تتحقق الصفقة ما لم تتحقق المصالح، كان هذا بالعام 2016، وها نحن اليوم في 2020 ما زلنا نتحدّث عن ذات الصفقة لكن بجرعة أكبر من الأمل".
وبعد نشرة الأخبار يحين وقت "العدد الصباحي"، تضيف نجوان: "6:17 صباحاً، أبواب تُفتح وأقدام تضرب الأرض وأصوات تعلو، عدد عدد،، يلاااا بنووت عددد.. كان هذا نداء إحدى السجانات، الصوت البشع الذي يقض مضاجع الأسيرات ويسرق أحلامهن وكوابيسهن على حدٍ سواء".
"تنهض الأسيرات وعلى عُجالة يلبسن طقم الصلاة الذي أسميته الزّي الرسمي للأسيرات لكثرة استخدامه، يتمسمرن كلّ واحدة وقوفاً كالأشجار أمام برشها، ممنوع الجلوس، والميلان، ممنوع الاتكاء على حافة البرش، والكلام، ممنوع السلام، والصباح، ممنوع النظرات الغريبة، فنحن الآن مُجرّد عدد، يخاف السجانون أن ينقص، خرجت الكتيبة كلّها وأعيد قفل الأبواب"، تروي نجوان.
بعد انتهاء العدد الصباحي، تعود الأسيرات للنوم ولكن ليس لفترة طويلة، فعلى الساعة 7:00، تقول نجوان: يدخل وقت "السوراغيم"، وهو الفحص الذي يجريه السجانون يومياً في الغرف، هذه المرّة السلاح مطرقة كبيرة يُدَقُ بها على النوافذ والجدران، والأرض، والخزائن، والأبراش، يتأكدون أننا لم نُخفِ شيئاً داخلها، ولم نخلع الشِّباك عن ما تسمى النّوافذ، ولا البلاط المؤدي للمجاري، يظنوننا سنتسرّب من هذه الفتحات.. دقائق وينتهي هذا الصخب".
ثم تحين ساعة الرياضة الصباحية والاستحمام والإفطار ورفيقتي ما زالت على معصمي، تضيف نجوان، أختلس النظر إليها كلّ حين، أسألها متى يكون موعد الفرج ؟ أجابتني بعد عام ونصف من السؤال.
وتقول: "كان التاسع من فبراير 2017، عند الساعة 6:00 مساءً، عندما فقدت الأمل بعد طول انتظار، ثم جاءت إحدى السجانات لتقول "نجوان شحرور".. تبعتها 3 ساعات ونصف كانت كأنها عام، حتى انتهت بلقاء عائلتي 9:30 مساءً".
عن ما تركته أيام السجن في حياة نجوان، تقول: "لم أعتد التخلّي عن رفاقي بالسفر، لكن لم تعد الكاسيو رفيقتي منذ الساعة الأخيرة في السجن، وفي كل مرة حاولت وضعها على معصمي، كانت وكأن طوقاً من الجمر يحيط بيدي، لكني لا أعلم أيضاً لمَ ما زلت أقتنيها وأرفض التخلّي عنها، هل هي لعنة ذكرياتها ؟ لن أفكر بذلك كثيراً، سأترك الكاسيو حتى تتعطّل وتتوقف عن إصدار الصوت، قد يكون هذا جزءاً من انتقامي".