شبكة قدس الإخبارية

تصميم التعليم الإلكتروني... حلم ما بعد الجائحة

ما-هو-التعليم-عن-بعد-وشروط-نجاحه-؟jpg
د. إيناس عبدالرحمن العيسى

يهدف التعليم الإلكتروني (E-Learning) لدعم العملية التعليمية، وتحويلها إلى طور الإبداع والتفاعل، وتنمية المهارات، إذ يستخدم فيه أحدث الطرق والوسائل للتعليم ونشر المعرفة والترفيه، بالحواسيب ووسائطها وشبكاتها، معتمداً على بيئة إلكترونية رقمية متكاملة، توفر الإرشاد والتوجيه وإدارة المصادر، والتعليم الإلكتروني على نوعين، ويمكن المزج بينهما للحصول على نوع ثالث.  

التعليم الإلكتروني المتزامن (Synchronous Learning) على الهواء مباشرة، بوجود  المعلم والمتعلم، وأدواته المتعددة، كالصفوف الافتراضية، والمؤتمرات عبر الفيديو، وهذا النوع يحتاج إلى أجهزة حديثة وشبكة اتصال جيدة، والتزام المعلم والطالب بزمن الدرس، ويمتاز بحصول الطالب على تغذية راجعة فورية، والمعلم على تقييم أولي لأداء الطلاب ومدى استيعابهم للموضوع.

والنوع الثاني وهو التعليم غير المتزامن (Asynchrones Learning) فلا يحتاج لوجود المعلم والطالب معاً، ويمكن استخدام البريد الإلكتروني والأقراص المدمجة، والروابط الإلكترونية وغيرها، ويمكن للطالب التعلم حسب وقته، وبالقدر الذي يحتاجه، إلا أنه لن يتمكن من الحصول على تغذية راجعة فورية، كما أنه تعلم جاف يحرم الطالب من الوجود الفيزيائي مع وزملائه.

أما التعليم المختلط، وهو النوع الثالث الذي يأتي مزيجاً بين التعليم المتزامن وغير المتزامن، ويمكّن الطالب من الحصول على كافة مميزات النوعين الآخرين، ويكون نوع التعليم المختار يتلاءم مع طبيعة المحتوى التعليمي، والنشاط المطلوب لتحقيق الأهداف، وهذا النوع ربما يكون الأكثر ملائمة للتعليم المدرسي.

فالطلاب اليوم يشعرون باستياء إزاء التعليم عن بعد بصورته الحالية، ويتطلعون إلى ما يلبي احتياجاتهم الذهنية وطرائق تفكيرهم، ويشبع فضولهم وشغفهم التكنولوجي، ولعلها فرصة لوزارة التربية والتعليم وللمؤسسات التعليمية وشركات البرمجة للعمل كفريق، ليس لجعل التعليم إلكترونياً خالصاً في المدارس، ولا بديلاً للتعليم المدرسي الصفي، ولكن فرصة للبدء بخطوات صغيرة، ولكن ثابتة، والتوجه نحو تصميم برامج تفاعلية، تكميلية للتعليم العادي وبنسب متفاوتة، كأن يكون 90% تقليدياً، مقابل 10% للتعلم الإلكتروني، وذلك حسب ما تقتضيه حاجة الطلبة وقدراتهم وطبيعة الموضوع، وإمكانيات التمويل.

وحتى يكون ذلك إجرائياً، لا بد من دراسة عميقة لعناصر مدخلات العملية التعليمية الأربعة (المعلم، الطالب، المؤسسة التعليمية، المناهج) والتعرف على خصائصهم ونقاط تميزهم أو ضعفهم وما يحتاجه أو ما يقدمه كل طرف لجعل إمكانيات التطبيق متاحة.

1. المعلمون: لا بد من معرفة مؤهلاتهم وقدراتهم التكنولوجية، فالمعلمون الذين يمتلكون المقدرة لجذب انتباه الطلاب داخل صفوفهم، قد تتراجع جاذبيتهم أمام وسائط التعلم عن بعد، خاصة إذا كانوا يواجهون صعوبات تكنولوجية تقنية، أو غير مؤهلين للتعليم التكنولوجي التفاعلي، خاصة أن المعلمين اليوم قد بذلوا كلّ حسب طاقته وقدراته للتعليم عن بعد، رغم قلة المؤهلين تكنولوجياً.

2.الطلاب: المستقبلون للعملية التعليمية بسلبياتها وإيجابياتها، والذين يتميزون بذكاء تكنولوجي، وقدرة على معالجة المعلومات والمشاركة في ألعاب الكترونية ومواقع افتراضية "دون قراءة التعليمات"، فهم لا يميلون للقراءة الطويلة، ويفضلون المعلومة القصيرة المباشرة، ولا بد من معرفة رغباتهم، وميولهم واتجاهاتهم، ونوعية البرامج التي تستهويهم، والأكثر انتشاراً بين الشرائح العمرية من كلا الجنسين، وأن يكون الفيديو أو الدرس التفاعلي مبنياً بجودة عالية وجاذبية كبيرة للفئة المستهدفة.

3.المؤسسات التعليمية: لا بد وأن تعمل على توفير البيئة المتمركزة حول الطالب، والبرامج والوسائل التفاعلية الحديثة، وشبكات الانترنت الآمنة، والصيانة الدورية، والخبراء المختصون في الحواسيب والشبكات، والتسويق لبرامجها، لحث الطلاب وإثارة انتباههم وفضولهم مما يدفعهم للتجربة والتعلم، دون إغفال أن ما يلائم طلاب الصّفوف الثانوية لا يلائم الصّفوف الأولى.

4.المناهج: وهي المسوؤلة عن تكوين فكر وشخصية وهوية الطالب ومساعدته على اكتشاف ذاته وميوله، مع تأهيل علمي جيد، وقدرة على حل المشكلات والتفكير المنطقي، والثقة بالنفس، والعمل الجماعي وقبول الاختلاف.

كما لا بد من اعتماد البرامج التفاعلية كجزء لا يتجزأ من المناهج للوصول لأعلى مستويات الجودة، بحيث تعمل المؤسسات التعليمية وبالتعاون مع الخبراء والمختصين على من دمج تلك البرامج لتصبح جزءاً من منظومة التعليم، إذ يمكن البدء بدرس تفاعليّ واحد للصف، وفي كافة الموضوعات، أو موضوع واحد لكل الصفوف، وربما المواد الأساسية لمرحلة معينة.

ويمكن التوصية بأن تُبنى الدروس التفاعلية على أساس تشاركي، كما في (X-Box) و(PS4) بحيث يمكن أن يتشارك الطلاب في تحديات لتحقيق الهدف، على أن تعمل البرامج على تنمية مهارات التفكير العليا. وأن تكون الأنشطة والفعاليات مثيرة للاهتمام، فيها من التحدي ما يتلاءم مع قدرات الطالب مع مراعاة الفروق الفردية بينهم، بحيث يتمكن الطلبة الأقل حظاً من التعلم ما يعزز الثقة بقدراتهم.

وباعتبار تلك البرامج جزءًا من المناهج الإلكترونية المكملة، لا بد من أدوات قياس لقدرات الطلبة، مثل قدرة الطالب على اجتياز أكبر عدد من التجارب الافتراضية، أو عدد من المراحل بدون إعادة مثلاً أو بأقل وقت أو أقل عدد من الخطوات، وأن يكون هناك إمكانية للطالب لإعادة المحاولة مراراً وتكراراً، للوصول إلى النتيجة بطريقة الاستقصاء "أقدم طرائق التعليم والتعلم والتي استخدمها سقراط (470-399ق.م)".

وقد يكون لزاماً على الخبراء والمختصين معرفة اهتمامات الطلاب، لا بد وأن يتعرفوا إلى ما يبغضه الطلاب أيضاً، فالبعض لا يحبون الرياضيات مثلاً، لأنهم لم يتعلمونها بالطريقة المناسبة فوجدوها صعبة، والإنسان عدو لما يجهل، وقد تكون هذه فرصة لجذب انتباههم وتعليمهم الرياضيات فمثلاً تعليم الزوايا  من خلال لعب كرة القدم، أو من خلال تصميم الأزياء، وبرامج تفاعلية (3D) ومسابقات تحد، كما يمكن تعلم الجغرافيا والتاريخ من خلال رحلات وقصص حول الأرض، يكون الطالب جزءاً منها في العالم الافتراضي مثل "دورا المكتشفة" أو “أليس في بلاد العجائب”، واللغات عن طريق الموسيقى، أو خلال فيديوهات تعليمية أو كتب رقمية لعدد من الدروس، والفيزياء والكيمياء من خلال البيئة المحيطة، أو فيديوهات لتجارب يمكن عملها من مواد آمنة، مثل عمل بطارية من خضار أو فاكهة، والتوصل إلى نتائج بعد عدة تجارب افتراضية ممكنة، وفي علم الأحياء يمكنه المشي في مسار افتراضي داخل الجهاز الهضمي، والتعرف على مراحل عملية الهضم، ومثيراً للأسئلة والاستفسارات التي يجيب خلال الدرس التفاعلي.

ولا نبالغ إذا أشرنا إلى أن الطلاب لا يحتاجون إلى كتيب إرشادات (Manual) للبرامج، فهم يجيدون ولوج الانترنت والدخول لعالمه، وتحميل البرامج، وإذا كانت الدروس التفاعلية بنفس المستوى من الجاذبية والإثارة، فهم لا بد سيكونون قادرين على التفاعل والاندماج دون الحاجة إلى خطوات وتعليمات طويلة أو حتى تدريب، ولا بد من دراسة معايير جودة البرامج المطروحة، من حيث تحقيق الأهداف، وسهولة الاستخدام، ومراعاتها للفروق الفردية، إضافة للبساطة وعدم التكلف، دون إغفال أن التطور التكنولوجي سريع، وما يرافقه من تطور وتغيير في المعايير القياسية العالمية، الأمر الذي يتطلب تعديلات دورية في المقررات الإلكترونية.