القدس المحتلة - خاص بقدس الإخبارية: جوني مجلطون (38 عامًا) السائق الذي عاد من الموت بأعجوبة، عاد إلى عائلته وأبنائه الثلاثة بمعجزة ربّانية بعد مقاومةٍ جسديّة طردت فيروس كورونا الذي تفشّى في البلاد، فما قصة هذا الرجل؟
جوني هو أحد سائقي الحافلات السياحية التي تقلّ الأجانب في البلاد، وهو أيضًا من أقلّ السياح اليونانيين الذين تبين لاحقًا إصابتهم بفيروس كورونا ومكث معهم في عدة جولات لمدة خمسة أيام متتالية.
يروي رئيس اتحاد سائقي السياحة بالأراضي المقدّسة خضر قواسمي (48 عامًا) لـ”قدس الإخبارية” تفاصيل ما جرى مع جوني منذ اللحظة الأولى لإصابته بالفيروس وحتى اتصاله الأخير معه يوم أمس للاطمئنان عن أحواله الصحية.
يقول قواسمي: “كان جوني يقلّ سياحًا يونانيين خلال شهر شباط/ فبراير الماضي، وكان من المفترض أن يبقى معهم مدّة سبعة أيام، لكن بعد مرور خمسة أيام سلّم جوني الوفد لسائق آخر ضمن خطط شركة السياحة التي اتُّبعت في ذلك الوقت بسبب الضغط”.
ويضيف أن جوني تسلّم سياحًا آخرين (ألمانيون) وحينها كان مريضًا، وتظهر عليه أعراض انفلونزا، لكنه أكمل معهم مدة أسبوع، واعتقد بأن الأعراض التي تظهر عليه ستزول “انفلونزا وبتعدّي”، لكنه ما إن انتهى من هذه الجولة حتى كان وضعه صعبًا جداً، وحينما ذهب إلى المطار ليتسلّم وفداً إسبانيًا جديدًا شعر بالتعب بشكل كبير، حيث تم نقله عبر تكسي خاص من المكان إلى مشفى بوريا في طبريا.
اكتشاف الفيروس
أُدخل جوني المشفى في الرابع من شهر آذار/ مارس الماضي وبعد خضوعه لعدّة فحوصات طبيّة من بينها أخذ عينة لفحص فيروس كورونا، تبيّنت إصابته به ليدخل بعدها مرحلة الخطر الشديد والحالة النفسية السيئة.
يبين قواسمي لـ"قدس" بأن صحة جوني كانت ممتازة ما قبل إصابته بالفيروس وهذا ما ساعده على مقاومته، لكنّ الأخبار التي كانت تصلنا عن كورونا جداً سلبية، فربط حالته بالموت، لذلك حالته النفسية ساءت بشكل كبير، ولذلك وضعه الصحي أيضًا كان يزداد سوءاً في كل ساعة.
قواسمي وجميع أعضاء الاتحاد كانوا يتابعون يوميًا حالة زميلهم جوني من خلال الاتصالات الهاتفية معه، أو من عائلته أو من معارفهم في المشفى، وبعد ثلاثة أيام قرّر الأطباء إخضاعه للتنويم ووضعه على جهاز التنفس لمدة أربعة أيام، معتبرين بأنه وصل إلى أخطر مستويات الحالة، وهنا بدأت الشائعات تصل بأن “جوني مات”.
حاول زملاء جوني الوصول إلى الحقيقة من معارفهم الذين أكدوا بعد اتصالات عديدة بعدة مصادر في المشفى أنه ما زال على قيد الحياة. يقول قواسمي: “زرناه لأول مرّة في المشفى، لم نستطع بالطبع الدخول إليه، رأيناه عبر الكاميرا التي تربطه مع الطاقم الطبي (جهاز خاص)، وكان صعب علينا جداً رؤية زميل لنا بهذا الشكل”.
هروب الناس من حولنا
شعلة الفيروس في البلاد كانت من الوفد اليوناني، وجوني كان الضحيّة، كما يقول قواسمي، ويضيف: “ما كنّا نسمع عنه حول العالم، أصابنا بشكل مفاجئ في أعز الناس لدينا، وهو زميلنا”.
ويُشير إلى أن نظرة الناس لهم تغيّرت في تلك الفترة، حيث أصبحوا يرون حافلة السياحة وكأنها “آلة قتل”، وهناك مناطق سياحية في البلاد سواء في الداخل المحتل أو الضفة المحتلة، وهي مناطق كانوا يرتادونها في العادة، بات أصحابها لا يتقبّلون وجود السائقين فيها.
ويبين أنهم كسائقين تعرّضوا لعدة مشاكل في بداية انتشار فيروس كورونا في بيت لحم، ويؤكد أنه يعمل في مهنته منذ 25 عامًا، وعاش أسبوعين (في بداية الأزمة) لم يعشها طوال حياته، وبسبب كثرة الهواجس بدأت التخوّفات تظهر بشكل أكبر لدينا وأن هناك احتمالات لانتقال العدوى لنا أو ننقلها لأولادنا -لا سمح الله- ونحن لا ندري، كما أن العديد منهم خضعوا للحجر المنزلي بسبب نقل السياح حفاظًا على أنفسهم وعائلاتهم.
انتصار جوني على الفيروس
بعد أيام، زال الخطر عن جوني عقب إعطائه عدّة أدوية في محاولة لطرد الفيروس وتجاوب معها بشكل جيد، وكأنه “دخل القبر وخرج منه” حسب وصف قواسمي.
بعد نحو 26 يومًا، وبالتحديد في الثلاثين من شهر آذار/ مارس الماضي خرج جوني من مشفى بوريا إلى منزله في بلدة بيت حنينا شمالي مدينة القدس المحتلة، وهو يمضي اليوم وقته مع عائلته وأولاده الأطفال الثلاثة.
تعليمات طبية وقائية بعدم احتكاك جوني بأي أحد حتى مع أطفاله، حفاظاً على سلامته وسلامتهم، صحيح أن الفيروس خرج من جسده، لكن الاحتياط واجب، إلى جانب الراحة والغذاء الصحي.
اطمأنّ قواسمي على وضع جوني الصحي أمس، وقال إنه رغم أن الفيروس خرج من جسده إلّا أنه ما زال متعبًا، ويشعر بضيق في التنفس ويحتاج للراحة.