غزة -خاص قدس الإخبارية: وضع الشاب محمود أبو غوش من مدينة غزة صورًا التقطت بواسطة الأشعة CT أو Ultrasound أو x-ray لمنطقة الصدر "الرئة تحديدًا"، وهي إحدى الصور التي وصلته بعد عناء من أطباء في 13 دولة بأنحاء متفرقة في العالم لمصابين بفايروس كورونا COVID19، على الخوارزمية التي طورها ليتم تشخيصها في برنامجه الذي أنشأه؛ ليكون بديلاً عن الآلية المتبعة في دول العالم عبر نظام الشرائح التي تحتاج 24 ساعة لظهور النتائج.
بعد إدخال تلك الصورة على البرنامج، ظهرت النتيجة أمام شاشة حاسوب أبو غوش خلال 38 ثانية، بأن الحالة مصابة، ففتح قائمة المعلومات المرفقة للحالة ذاتها المُشخصة مسبقًا بأنها مصابة بفايروس كورونا، لتكون المفاجئة بنسبة عالية من الدقة للتشخيص عبر نظام الشرائح. بحسب قوله.
واكتشف الفيروس في ديسمبر الماضي في مقاطعة خوبي في الصين، قبل أن ينتشر عبر الحدود ويصل إلى أكثر من 202 دولة، وأعلنت منظمة الصحة في 11 مارس الجاري، فيروس كورونا "وباء عالميًا"، قائلة إنها "قلقة للغاية" لسرعة تفشيه وعدم مكافحته بما يكفي.
وبلغ عدد الإصابات حول العالم بفيروس "كورونا" اليوم، 800 ألف شخص، فيما توفي نحو 40 ألف شخص بسبب المرض الناجم عن الفيروس.
فيما يجري التشخيص للحالات التي يشك بها الطبيب، ولكل من له عوارض التهاب رئوي بسبب جراثيم ويكشف عن عوارض ظاهرة مثل السعال والحمى أو صعوبة التنفس وكان له اتصال بشخص مصاب أو أنه أقام في منطقة خطر معنية، فإن ذلك يمثل حالة شك مبررة.
ويتم الاختبار بأخذ عينات (مسحات) من حلق المريض أو من أنفه، أو من مسالك التنفس العليا، أو من المجاري التنفسية العميقة مثل إفرازات الشعب الهوائية أو الرئة، كما يوصي معهد روبيرت كوخ.
فيما تخضع العينات لفحوصات على فيروس كورونا داخل مختبرات. وهذا النوع من الاختبارات يستمر لساعات طويلة، وهو من الأساليب التقليدية داخل المختبرات.
وفي حال وجود نتيجة إيجابية للفحص، فإنه إضافة إلى المريض تبلغ وزارة الصحة المعنية فورًا وبعدها يأتي الحجر الصحي بإجراءات العزل والحماية الضرورية. وفي حالات المرض السهلة بإمكان المرضى الخضوع للعزل داخل البيت ما داموا لا يعرضون آخرين للعدوى.
العزل ينتج فكرة
ثلثا سكان العالم الذين يعيشون الأن في حالة عزل ذاتي وإجباري لمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19)، ومثلهم التزم العشريني أبو غوش بيته مطلع شهر مارس، لذات الهدف، إلى أن قرر استثمار تلك الفترة بما فيها من ملل في خدمة البشرية، بدافع قوي داخله بأن يقدم شيئًا في إطار خبرته وما درسه في مجال تكنولوجيا المعلومات.
لم تكن الطريق أمام فكرته سهلة، كما يقول لـ "قدس الإخبارية"، فذهب إلى البحث عن تشخيص فيروس كورونا ليجد أنها تتم عن طريق العينات، كما وجد أن تلك الطريقة تواجه مشكلة لكونها تحتاج وقتًا طويلاً يصل لـ 24 ساعة للخروج بنتيجة الفحص، وتصل كلفة " slide testing kit " 5 آلاف دولار وتستوعب من 50-200 شخص، أما في غزة من 20- 30 حالة.
ذهب أبو غوش إلى التفكير في تطويع مجاله في معاجلة الصور الطبية للخدمة، لكن قلة المصادر التي تحدثت عن الفايروس شكلت عائقًا كبيرًا؛ لكون أن الوباء جديدًا، فوجد أن الصين تشخص عن طريق "أولترا ساوند – Ultrasound".
من هنا وكما يذكر لمراسل "قدس الإخبارية"، انطلقت أولى خطواته، في التواصل مع أصدقاء له في دول مختلفة، بضرورة توفير صور "أولترا ساوند" لمصابين بفيروس كورونا، وأثناء بحثه توصل إلى أن إيطاليا تستخدم تشخيص x-ray الأشعة السينية، ومن خلال تلك الصورة تُشخص بشكل مبدئي بالنظر إلى متغيرات الرئتين.
بدأ في تجميع المعلومات لتكوين رؤية، حتى توالت الصور المطلوبة لبحثه بشكل يومي، من 13 دولة حول العالم منها: الصين وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا ونيويورك والإمارات والكويت وماليزيا وتركيا، وباتت ترسل المستشفيات صور حقيقة لأشخاص تم تشخيصهم بالإصابة بفيروس كورونا، بعد رفعها على الانترنت، مصحوبة بتقرير كل حالة وتاريخ ميلادها وعمرها وجنسها.
"بدأت بجمع البيانات والصور التي كانت أكبر عائق، إلى أن وصلني 60 ألف صورة، بعد التعاون".. كانت ترفع لي من عدة مستشفيات في الخارج على البريد الإلكتروني ومع تلك الصعوبة في الأعداد الكبيرة والآلية المرهقة على البريد الإلكتروني، وفرت لي شركة سيمنس الألمانية الدولية "SIEMENS" بنية تحتية كاملة بشكل مجاني وكنوع من المساهمة في مواجهة فيروس كورونا ولخدمة البشرية، سيرفرات سحابية (Cloud Servers) تستقبل ملفاتك على أكثر من جهاز حول العالم"، كما يقول.
بعد تجميع كل تلك المعلومات، عمل أبو غوش وكما يذكر، على نقل تجربة الانسان في التشخيص إلى الكمبيوتر باستخدام (خوارزميات- برامج) الشبكات "العصيبية" عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تفكر بنفس طريقة تفكير الانسان، ويوضح: "الطبيب لو سئل عن صورة الأشعة سيقول شكل ولون وكثافة الرئة يلعبون دورًا، وحجم الكتلة تلعب دورًا، لأشياء تكون ظاهرة خارج الصندوق، وكل تلك العوامل ننقلها للكمبيوتر.. وتبدأ الخوارزمية بالتفكير مثل الإنسان".
بداية التطوير
عمليًا، الأن بدأت مهمة محمود أبو غوش، في إنشاء البرنامج وبرمجته على لغة Python، وهي من اللغات المشهورة في عالم البرمجة والقابلة للتطوير، وينصب الجهد الأكبر في تركيز جزئية الخوارزمية على الألوان والتغييرات في إحدى صور الأشعة المرسلة له.
يوضح، أنه يدخل عدة قواعد على البرنامج بأنه إذا كان هناك لون أبيض على الرئتين، أو إذا كان هناك حجم في منطقة منها، بأن يخرج بقرار معين، وإذا كان عصب مع جزئية بأن يخرج بقرار، ثم تخرج النتيجة بناء على القواعد الموضوعة للخوارزمية لتوضح أن الشخص مصاب بفيروس كورونا أم لا، وتصل أقصى مدة لتشخيص الصورة الواحدة 38 ثانية، على عكس التشخيص العادي الذي تصل أقل مدة في إجراء فحص العينات 24 ساعة.
كما يوضح، أن تلك القواعد وضعت من خبرة أطباء على أرض الواقع، وعمل على نقلها كقواعد وشروط لتنفيذ الخوارزمية، وبمجرد تحميل صورة الأشعة على البرنامج يبدأ في تحليل الصورة ومقارنتها بصورة أخرى تمت برمجتها داخله لتوضح الإصابة من عدمها.
يقول أبو غوش، إن طموحه من هذا البرنامج بأن يساهم بالحد من انتشار فيروس كورونا في العالم، وأن تنتهي الازمة، مشيرًا إلى تواصل وزارة الصحة معه رسميًا من أجل بحث تعاون مشترك لتنفيذ الخوارزمية على أجهزة وزارة الصحة في فلسطين خلال وقت قريب.
أما على الصعيد الدولي، فيشير إلى بدء تعاون دولي غير مسبوق من قبل جهات رسمية وشركات بعد مشاهدتهم للنتائج التي يصفها بـ"الصادمة" في سرعة التشخيص ومدى الدقة وقرب نسبتها من التشخيص بالطريقة العادية.
وأفصح أنه يجهز لورقة بحثية مدعمة ينتهي من صياغتها خلال اسبوعين على أبعد تقدير، يطمح لأن تنشر في أفضل تصنيفات المجلات العلمية الأجنبية؛ حتى يستفيد العالم منها، بعد ضمان حقوق الملكية الفكرية.
تعقيب رسمي
من جهته، تعهد أسامة النجار عضو لجنة الطوارئ العليا لمواجهة كورونا في فلسطين ومدير عام المهن الطبية المساندة بوزارة الصحة برام الله، بربط الشاب أبو غوش بجهة مالية داعمة له في تطوير البرنامج.
وقال النجار لـ "قدس الاخبارية": "نحن مع كل الأفكار الشبابية، وتجربة أبو غوش تجربة رائعة ورائدة جدًا، وعملية سهلة وسريعة وتساهم بالكشف عن المصابين".
وأضاف: "نحن في هذه المرحلة الحالية أصبحت عملية التشخيص السريع الأهم بالنسبة لنا، في تحديد الأشخاص المصابين لعزلهم والحد من الإصابات الناتجة عن المخالطة، الذي نعاني منه بشكل كبير في الضفة".
وأوضح، "أن البرنامج -بعد تواصلنا مع الشاب-قد يسهم بإيجاد حل للتعامل السريع على المعابر، خاصة للعمال الـ 90 ألف الذين يعودون من الداخل، بعد تهريبها علينا بطريقة سيئة حتى يصاب شعبنا".
وتابع: بإدخال صورة الأشعة على البرنامج سيساهم في التحديد الفوري للإصابات، وفي فرز المصابين وغير المصابين، مما يساهم بشكل كبير جدًا ويساعد في إجراءاتنا".
من جانبه، دعا مدير عام الإدارة العامة للخدمات الطبية المساندة في غزة أيمن الحلبى، الشاب المبادر إلى التوجه للوزارة لبحث إمكانية التعاون، لافتًا إلى أن إجراء الفحص الجاري في قطاع غزة عن طريق مشحات pcr لعينات من الأنف أو الحلق.
وأوضح الحلبي لـ"قدس الإخبارية"، أن إمكانية اعتماد آليات جديدة للفحص يجب أن تخص للاختبارات والبحوث، لأن الأمر "ليس سهلًا وبحاجة لاعتماد وتدقيق"، مثمنًا كل المبادرات الشبابية في التطوير والابتكار.