غزة- خاص قُدس الإخبارية: في غرفةٍ صغيرة داخل منزلها كانت تجلس والدة رهف ذات الرداء الأسود، تنعى ما تبقى من ذكرياتٍ تواسي حزنها على فقيدتها، تقلّب في حقيبتها وبين كراساتها المدرسية، وشهاداتها المدرسية المتفوقة، محتضنة زيها المدرسي التي لا تزال رائحتها عالقة فيه.
29 يناير الماضي، تمام التاسعة و45 دقيقة صباحًا، رنّ هاتف والدة الفقيدة لتجيب على مكالمة هاتفية أخبرتها بالتوجه لمشفى الشفاء الطبي بغزة؛ لرؤية ابنتها رهف التي تعرضت لحادثة إغماء وفق ما أخبروها، لكن عند وصولها المشفى صدمت بمكوث ابنتها بالعناية المكثفة بعد إقدامها على الانتحار، فظّلت 12 يومّا، ثم لقت حتفها.
والدتها تروي لـ"قدس الإخبارية"، تفاصيل الواقعة، قائلة "إن ابنتها خرجت في ذلك اليوم للمدرسة كالمعتاد، ولم تكن تعاني من أي أعراض صحية أو نفسية، كما لم تخبرهم سابقًا عن وجود أي مشاكل معها في المدرسة، فكانت تهتم بواجباتها وتحضّر مع صديقاتها لرحلة مدرسية".
تضيف: "عاشت رهف بيننا كباقي أشقائها، فكانت المدللة ولم تعاني قط من أي عنف ضدها، وهي شديدة التعلق بمدرستها، كونها من المتميزات في الفصل طيلة حياتها الدراسية، لكننا صُدمنا عندما علمنا بعد وفاتها من إحدى صديقاتها أنه قبل الحادثة بأيام، حدث خلاف بينها وبين إحدى معلماتها على إثر نعت رهف إحداهن بلقب "الزعرة" أي قصيرة القامة عن دون قصد، فوجّهت لها المدرسة إنذارًا كعقابٍ تأديبي أدّى لانهيارها".
ووفقًا لوالدة رهف، فإن "العائلة توجهت إلى مديرة المدرسة بعد الحادثة، لمعرفة التفاصيل، لكنها لم تخبرهم بأي تفاصيل، كما لم يقم أي من طاقم المدرسة أو التعليم بزيارة رهف طيلة مكوثها في المشفى، ولم يأت أحد منهم للقيام بواجب العزاء أيضًا"، مضيفة: "كأن شيء لم يكن، حتى وقت الحادثة، اتصلوا بنا بعد ساعات".
الغموض والتكتم من قبل الهيئة التدريسية كان سيد الموقف، ووفق ما جاء على لسان مسؤول العلاقات العامة في وزارة التربية والتعليم معتصم الميناوي، أن القضية بين يدي النائب العام وله الفصل في القضية، فيما رفضت مديرة المدرسة الحديث مع أي جهة إعلامية.
شاهد: رأيتها تسقط نفسها
أحد الشهود "عبد الرحمن حسونة" ( 16عامًا) يسكن بالمنزل المقابل للمدرسة، قال: "في يوم آخر يناير كان الجو ماطرًا، لم أذهب حينها للمدرسة وأردت التوجه لسطح المنزل لرؤية أقفاص الحمام، التي أقوم بتربيتها، وحينها لفتني أمر أني شاهدت فتاة في المدرسة التي أمامنا ذات تحركات غريبة، بدـأت بمراقبتها عن كثب، كانت تمشي في الممر بين الفصول تارةـ، وتارة أخرة تنظر من الشرفة، كأنها تراقب نظرات المدرستين اللواتي كانت أمامها في المقصف المدرسي، وحينما تأكدت من دخولهن المقصف، أقدمت وأمسكت بالسلم الحديدي أمام الفصل وصعدت إليه، بدأت أصرخ عليها علّها تتراجع لكنها فورًا ألقت بنفسها من علو".
يضيف لـ"قدس الإخبارية": "صُدمت وركضت متوجهًا للمدرسة، فمازال صوت سقوطها على الأرض يدوي في رأسي، بعد أقلّ من نصف ساعة جاء الإسعاف، ونقلت الفتاة التي كانت غارقة في دمها للمشفى، ثم قمنا بمسح آثار الدماء وإزالتها وجاءت بعدها الشرطة".
ماذا جاء بجواب التعليم؟
لم يصمت أهل رهف إزاء ما حدث لابنتهم فتوجهوا بشكوى لمركز الميزان، مخاطبين التعليم الذي رد عليهم بجواب جاء فيه: "بعد الاجتماع مع الإرشاد التربوي للمدرسة، تبين لنا أن الطفلة رهف كانت تعاني من سرحان وانطواءٍ وحزنٍ شديد، وظروف أسرية صعبة، وذلك منذ العام 2018م، ما أدى لانتباه المعلمات، وقد تم تحويلها للمرشدة التربوية في المدرسة، التي حوّلتها بدورها إلى دراسة حالة، فكانت الطالبة تعاني من قسوة أهلها، وتشديد أبيها، حتى أنها قالت يومًا للمرشدة أنا أكره العودة إلى المنزل، أنا فش عندي أهل، وبكرَه أبويا وأمي.
وحسب ما هو مرفق في دراسة الحالة، بتاريخ 30-4-2018، وخلال متابعة المرشدة للطفلة رهف، تبين أنها تحسنت بنسبة 75%، بل وأصبحت أكثر اهتماماً بنفسها، واندمجت مع زميلاتها، كما تحسن مستواها الدراسي.
ووفق التقرير الذي جاء في جواب التعليم كذلك، أن رهف كانت متعلقةً تعلقًا مرضيًا بمعلمة اللغة العربية، وكانت تهدد بالانتحار إذا انتقلت هذه المعلمة من المدرسة يومًا ما، وقد تم التواصل آنذاك مع والدتها التي قالت لهم: "رهف بتتدلل إلها يومين، ما بتاكل، وحاولت تؤذي حالها بشفرة وربنا ستر".
وبناءً على المعلومات التي أوردتها الأم آنذاك، طلبت منها المرشدة إرسالها إلى الوحدة الإرشادية الأكثر تخصصًا لكن الأم رفضت.
الأهل ينفون الجواب
وفي تعقيب لها على الجواب، ردّت والدة رهف نافية ما ورد في البيان من أحداث على لسانها وأكدت أن رهف لم تعاني من أي اضطرابات نفسية، أو أي مشاكل أسرية، واستنكر أهلها ما تتعرض له ابنتهم من إشاعات هدفها وضع اللوم على أهلها وإخلاء المدرسة من أي مسؤولية وعقاب.
وأكد والدها أن التعليم يريد إقفال الملف لتظل التساؤلات قائمة حول "دم رهف". وتابع مستنكرا كيف لفتاة تعاني من اضطرابات نفسية تحصل درجات مدرسية بدرجة التفوق، ولماذا تحتضنها المدرسة ولم تخبرنا بهذا من قبل؟".
صديقتها: ألقت بنفسها وبيدها الإنذار
صديقة رهف المقربة روت لشبكة قدس ما حدث مع رهف والمدرسات قائلة: "في 27 يناير، أي قبل وقوع الحادثة بثلاث أيام كانت رهف في حالة طبيعية ولم نلحظ عليها أي أعراض اكتئاب سوى أنها كانت متخوفة جدا من العقاب الذي هددتها به المدرسة وهو فصلها من المدرسة بحجة أسلوبها الفظ مع المدرسات".
وتضيف أنه بعدما نعتت رهف المدرسة بقصر قامتها شعرت بتأنيب الضمير وتوجهت بعدها للاعتذار منها فقابلتها بمسامحتها، لكن مُدرسة أخرى رفضت المسامحة وقالت لرهف "لن تفلتي من العقاب".
لثلاثة أيام، كانت تحاول رهف الهروب من المدرسة خوفًا من العقاب، لكن المعلمة أمسكت بها يوم الحادثة صباحًا، وأصرت على إعطائها الإنذار التأديبي، هذا ما أربك رهف كثيرًا وجعلها تشعر بالخوف والقلق لو عرف والدها بالأمر، وحاولت التوسل للمعلمة علّها تتراجع عن قرارها لكنها رفضت بشدة، تقول صديقتها.
وتكمل صديقتها التي فضلت عدم ذكر اسمها: "في الحصة الثانية خرجت رهف من الفصل، وقالت إنها تشعر بضيق وبحاجة لتنفس الهواء الطلق بالخارج، تركت مع صديقتها ساعة يد مكتوب عليها اسمها، وحينها كانت قد جاءت مدرسة التربية الدينية أخبرتها بالدخول للفصل، لكنها رهف أصرت البقاء خارجا وفي منتصف الحصة حدثت الفاجعة وخرجن الطالبات على حادثة إلقاء رهف لنفسها من الطابق الثاني أمام الفصل أرضًا وكانت تمسك بيدها الإنذار".
التباين في الروايات بين التعليم وأهل رهف، دفع شبكة قدس للعودة للماضي والحديث مع السيدة روضة الصواف، مديرة مدرسة فاطمة الزهراء الشرعية، التي درست بها رهف من صف أول ابتدائي حتى السادس والتي بدورها كانت مذهولة من هول الصدمة، وصرحت أنها لم تشاهد طيلة فترة مكوث رهف بين المقاعد الدراسية طيلة ست سنوات أي تصرف غير لائق، أو معاناتها من أي اكتئاب أو اضطراب نفسي، بل وأكدت على أنها كانت من الطالبات المهذبات والمتفوقات في دراستهن.
الجذير ذكره أن التحقيقات مازالت قائمة في قضية حادثة رهف التي وقعت بين أسوار مدرسة فهد الأحمد الصباح بحي التفاح شرق غزة مثيرة عدة تساؤلات: من المذنب بحق رهف؟