الحمدلله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، الحمدلله الذي بنعته تتم الصالحات، الحمدلله الذي وهبني نعمة حفظ كتابه العزيز.
اليوم هو مولدي الجديد الذي حلمت فيه من صغري، وكنت أراه حلماً طويلاً يصعب تحقيقه ليقارب المستحيل، كنت أغبط كل فتاة تسعى وتجاهد لحفظ جزء من القرآن، وأردد في نفسي يا لهنائها بكل آية تحفظها.
أتذكر في طفولتي عندما كنت أذهب لمركز تحفيظ القرآن لحفظ جزء "عم" الجزء ثلاثين، كنت أتخيل أن هذا الحفظ سيستمر طوال حياتي حتى أنجز الجزء فقط ولسوء حظي أنه تم توقيف التحفيظ في فترتها، صحيح أنّي لا أعلم السبب ولكنّي أتذكر شعوري بأن الوقت الذي كنت أستثمره في الحفظ والتسميع كان بمثابة كنز لديّ وأتذكر أني قلت لإحدى معلماتي المدرسية في ذلك في ذلك الوقت أني أحب أن أكون معلمة تربية إسلامية حتى أحفظ القرآن في الجامعة لأن مركز التحفيظ توقف.
ومع فترة المراهقة كنت الفتاة التي تحب الله كثيراً في قلبها وعقلها لكن الظاهر لا يوحي بذلك، فكلّما خطرت ببالي فكرة حفظ القرآن، استوقفتني أشياء كثيرة، إلى أن بدأت بتحسين هذا المظهر ليخرج هذا الحب الداخلي ويظهر على جوارحي، وهنا بدأت العمل جدّياً بحفظ أول جزء من كتاب الله، ولكن ما الذي يدريني إن كان حفظي صحيح أم لا؟ إن كنت أتقن القراءة كما أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟ ولعلّ الأهم إن كان نسياني لما أحفظه شيئاً عادياً أم لا؟
ثم بدأت بمرحلة التوجيهي التي باعدت بيني وبين حفظي كبعد المشرق للمغرب، وكنت خائفة جداً من هذا الأمر، فخوفي من تأجيل الحفظ للمرحلة الجامعية بكون التوجيهي من البديهي أن يكون أسهل فإذاً لن أقدم على الحفظ مرة أخرى وكان هذا بمثابة كابوس لديّ!
وهنا تبدأ الحكاية مع ملتقى القرآن الكريم جنّة جامعة النجاح ومشكاة الصباح، بداية مضحكة لكيفية تسجيلي داخل هذا الملتقى، لازلت أتذكر حين أقبلت فتاة تخبرنا عن فكرة وجود الملتقى داخل الجامعة والتسجيل والحفظ وغيره وما أن طرحت الفكرة فإذا بي أصرخ " إليي زمااان بدور علييك"، في عيونها الصدمة وكأنها تقول "ع مين بتدوري؟" ثم أكملت، هدفي من الجامعة أن أحفظ القرآن هل يمكن ذلك خلال أعوامي الأربعة؟ وإن كان يحتاح أكثر لا مانع من أبقى خمس سنوات أو أكثر، قلتها وأنا مصرة على ذلك.
ولحسن الحظ، حظيت بمشرفة للتسميع كانت هي ذات الفتاة التي قابلتها للتسجيل في حلقة الحفظ، وأتذكر حين أصفها لصديقاتي أقول "بحس بوجها نور القرآن كيف وليش بعرفش" ولأول مرة أقول هذا الكلام، مشرفتي غاليتي باارك الله فيك وبوقتك وجزاك الله كل خير، كنت خير أخت وصديقة قبل أن تكوني مشرفة تحفيظ، والكلام عنك يطول بالتأكيد.️
كل طالبات الملتقى حظين بمشرفة واحدة إلا أنا حظيت بمشرفتين وصديقتين، كانت الأخرى منافستي داخل حلقة الحفظ ومن الأمور التي لا أنساها أنني كنت أنافس فتاة لمدة عام دون أن أعرفها، نعم جمعنا القرآن داخل حلقة واحدة ثم أصبحت مشرفتي في كثير من الأجزاء والآن هي إحدى طالباتي المميزات وشعارنا دائماً "تعاهدنا على السير سويّاً".
أطلت كثيراً لكن الحديث حول أعظم إنجاز قدّمته في نظري لا بأس بإطالته، والآن بعد ما يقارب العامين ونصف على الحفظ والتثبيت أهدي والديّ هذه الفرحة التي تملأ قلبي، اللهم أدمهم بقربي بقدر ما أردت أن أرى فرحة عيونهم.
ففي إحدى مجالس العلم والدّين منذ ما يقارب العشر أعوام، قيل لي عن سبب حفظ القرآن، فقلت "يمكن بيوم قصرت بحق أبوي وبحق أمي وممكن بقصد وبغير قصد فمن واجبي عليهم أكرمهم بالآخرة بتاج الوقار لأعوض عن شوية من تقصيري معهم بالدنيا".
عامان ونصف، لا زلت أذكر كل سورة ومكانتها بقلبي، فبكل آية حكاية، تارة مع مشرفتي وأخرى مع صديقاتي وقت التسميع، والأجمل تكمن في الصعوبة فمع كل تثبيت لخمسة أجزاء أشعر وكأن نفسي تتشرب الآيات بحب، ولا أجمل من سماع آيات وأنت تردد معها بقلب ينبع حباً لله وللدين.
20.2.2020
"وآخر دعواهم أن الحمدلله رب العالمين".