شبكة قدس الإخبارية

الأسير عروق .. "أنهكني المرض"

موفق عروق
فاطمة محمد أبو سبيتان

الداخل المحتل - خاص بقدس الإخبارية: دخلت نهى ووالدتها وشقيقها إلى قاعة الزيارة، وإذ به يلبس طاقية من الصوف وقد سقط شعر رأسه، غير قادر على التوازن ولا حتى على الوقوف، وكان جسده يرتعش،  لم تنبس نهى ببنت شفة رغم أن قلبها يعتصر ألماً. 

“كنت قد تعوّدت أن أراه يمشي بين الأسرى لا أن يسانده أحد خوفًا من وقوعه بسبب مرضه، ذلك المشهد لا أستطيع نسيانه، فكيف يتحوّل والدي من رجل صاحب الابتسامة الدائمة، إلى صاحب الوجه الحزين والجسد الهزيل المُتعب” تقول نهى ابنة الأسير المريض بالسرطان موفق عروق (77 عامًا).

وتُضيف في حديث لـ”قدس الإخبارية”: “عشتُ أنا وإخوتي وأخواتي أجمل سنيّ عمرنا مع والدي، لكن الاحتلال حرمنا إيّاها وحرم أحفاده من لقائه، وذلك عقب اعتقاله في الخامس من كانون ثاني/ يناير عام 2003، مُتّهماً إيّاه بنقل أحد الاستشهاديين لتنفيذ عملية في الداخل المحتل أدّت إلى مقتل وإصابة العشرات، ليتم الحكم عليه بالسجن لمدة 30 عاماً”.

عمِل الأسير عروق لنحو ثلاثين عاماً في محل لبيع وتصليح الحقائب بمدينة حيفا المحتلة، فكان يخرج يومياً منذ ساعات الصباح الباكرة وحتى الثامنة مساءً، فيكون شوق أبنائه له -ماهر، منى، نهى، وسيم، منار، ومراد - قد ازداد. ينتظرونه على العشاء فيجتمعون سويّاً ويتبادلون أطراف الحديث.

تقول نهى: “تربّينا على يد والدي، فقد كان طيّباً، مكافحًا، معطاءً، وصاحب الابتسامة التي لا تُغادر محيّاه، علّمنا من خلال اصطحابنا إلى محلّه كيف نتعامل مع الناس، ونكوّن علاقات اجتماعية طيّبة، تمّنينا لو أنه عاش معنا اليوم ورأى إلى أين وصل كلّ واحد فينا، وكيف أن زرْعَه أثْمَر”.

وتُشير إلى أن والدها تقاعد، فكان يملّ كثيراً من بقائه في المنزل دون عمل، لذلك كان يُشارك أبناءه في بعض المهمّات المتعلّقة في عملهم كمقاولين، من خلال توصيل العمال”، وتقول: “في مرّة من المرات أوصل شاباً لم يكن يعرفه ولا يعرف أي تفاصيل عنه، وبعدها حصلت العملية واتّهم الاحتلال والدي بالمشاركة فيها، حينها كان يبلغ من العمر نحو 58 عاماً”. 

اكتشاف مرضه

خلال شهر حزيران/ يونيو عام 2018 تعرّض الأسير عروق لحالة إغماء نُقل على إثرها لإجراء بعض الفحوصات الطبية، وخلال شهر آب/ أغسطس من العام ذاته تبيّن بأنه مصاب بمرض السرطان في المعدة، ومنذ ذلك اليوم وهو يعاني من أعراضه.

توضّح ابنته لـ”قدس” بأن التقارير الطبية التي وصلت من إدارة السجن ليست كاملة، فهي لا توضح ما إذا كان الورم خبيثًا أم حميداً، وموقعه بالتحديد، هل هو في  المعدة أم ما بين الكبد والمعدة، وتأثيره على صحته.

وتُشير إلى أن آخر ما وصلهم عن والدها هو أنه خضع لعملية جراحية في مشفى “برزلاي”، حيث حاول إخوتها الشبان زيارته إلّا أنهم مُنعوا بحجة عدم حصولهم على موافقة رسمية من قبل مصلحة السجون أو المحكمة، كما لم يبلّغوهم بأي معلومة قد تُطمئنهم عليه.    

هيئة شؤون الأسرى والمحررين، كانت أفادت مساء أمس الجمعة (14 شباط) بأن وضعه الصحي تدهور بشكل خطير، وما يزال محتجزًا في "برزلاي" منذ 12 يومًا، بعد خضوعه لعملية جراحية بداية الشهر الجاري، لاستئصال المعدة وورم سرطاني في الأمعاء، بعد استنفاد علاجه الكيماوي.

وبينت أن عروق في حالة خطرة وصعبة، وهو بحالة تخدير شبه دائمة ولا يتناول سوى قليل من المحاليل وفقد من وزنه الكثير.

الزيارة التي أعقبتْ مرَضه وكانت قبل إجراء العملية

في الزيارة الأخيرة للعائلة التي كانت في بداية شهر كانون ثاني/ يناير الماضي، ظهر الأسير عروق وعلى يمنيه أسير، وعلى يساره آخر، فبدا المشهد مؤلماً لزوجته وابنته نهى وابنه مراد. 

تتذكّر نهى ذلك المشهد وتقول باكية: “لا أستطيع نسيان شكل والدي في ذلك اليوم، كان يلبس طاقية من الصوف وقد سقط شعر رأسه -انقطع صوتها للحظات ثم عادت لتقول- غير قادر على التوازن ولا حتى على الوقوف، وكان جسده يرتعش، ويبدو على وجهه التعب الشديد..”.

“كان والدي يُحدّثنا في الزيارات عن حياته داخل الأسر، وكيف يقضي وقته ويسلّي نفسه، كيف يعدّون الطعام، وكيف يلعبون الشطرنج والشدّة سويّاً، لكنه اليوم يحدّثنا عن مرضه وتعبه ورحلة وصوله لعيادة السجن، وعلاجه الذي يسبب له التقيؤ دائماً” توضح نهى.

كان في الزيارات السابقة وحينما تقول له نهى “الفرج قريب يابا”، يردّ عليها “ان شاء الله، يا رب، رح أعيش في الجبل والخلا بس المهم بدون أبواب”، لكنه اليوم يقول: “أنا راضي، المهم أطلع من المرض، المرض أتعبني”.

وتُضيف لـ"قدس": “شعرتُ بأن والدي كان يُحارب من أجل الحريّة، لكنه اليوم يُحارب من أجل المرض والخلاص منه، نبرة صوته للحريّة قد تغيّرت، فقد أنهكه السّرطان”.