مع استمرار التوتر الأمني على حدود غزة، تواجه التقديرات الإسرائيلية فرضيتين في غزة: إما توسيع دائرة التفاهمات الإنسانية، وإما التحضير لعملية عسكرية واسعة، وإلا فإنها ستبقى تواجه ما تشنه حماس ما تسميه "إسرائيل" بسياسة "المعركة بين الحروب" التي تضع العديد من الصعوبات على "إسرائيل" لحسم خياراتها تجاه غزة.
تعيش "إسرائيل" واقعا غريبا في قطاع غزة في الشهر الأخير عقب زيادة وتكثيف إطلاق البالونات الحارقة من القطاع باتجاه المستوطنات الجنوبية، مما يجعل هذا الواقع الحدودي غير محتمل، ويتطلب بحث آلية اتخاذ القرارات لدى دوائر صنع القرار في "إسرائيل" ، بشقيها الأمني والسياسي.
التصعيد الحالي يشير إلى أن هناك أحدًا معني بهذا التصعيد، الحديث لا يدور فقط عن القدرة، وإنما الإرادة، واليوم لا يبدو أن الفصائل تريد وقف هذا التصعيد، فالوضع في غزة يشير لوجود فجوات حقيقية بين الجانبين.
"إسرائيل" تعمل على إدخال تسهيلات معيشية في القطاع بالقطارة، جرعة جرعة، في حين تسعى الفصائل من خلال البالونات الحارقة لتحصيل المزيد من هذه التسهيلات، دفعة واحدة، بحيث يشعر بها الفلسطينيون في القطاع.
فجوة أخرى بين الجانبين تتمثل بين ما تعده إسرائيل "تهدئة"، التي تعني هدوء أمنيا كاملا، وبين ما تعتبره حماس بأن التهدئة تعني عدم خوض أيام قتال دامية، أو جولات تصعيد، أو عملية عسكرية واسعة النطاق.
الواقع القائم في غزة يجعل أي حديث إسرائيلي عن الهدوء فيها كلاما فارغا، ليس له رصيد، وفاقدا للمصداقية، لأننا في هذه المرحلة لا نجد أنفسنا أمام مرحلة هدوء، ولأننا نعيش عشية انتخابات إسرائيلية قادمة، فقد نكون في مرحلة تحضير التوصل إلى تفاهمات أوسع في مرحلة قادمة، أو العكس.
على المستوى الاستراتيجي، من الأهمية بمكان إشراك الجمهور الإسرائيلي بحوار مهم بشأن التعامل المستقبلي مع غزة، لأنها مشكلة تبدو من دون حلول، على الأقل في المدى المنظور للعين، صحيح أن المسألة الظاهرة للعيان تتمثل بإدخال بعض التحسينات الإنسانية في القطاع، لكن هناك مشاكل أساسية في القطاع تواصل التنامي والتعاظم مع مرور الوقت، وتترك تأثيرها على الواقع الأمني.
تفصلنا عن يوم الانتخابات الإسرائيلية أقل من شهر، ولا يبدو أن "إسرائيل" تستطيع اتخاذ قرار واضح بشأن الخيارين الأساسيين، سواء الذهاب لتسوية إنسانية معيشية تشمل تغييرا استراتيجيا تجاه التعامل مع غزة، أو تنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد حماس في القطاع، وتمهد الطريق لتسوية بعيدة المدى في غزة.
يبدو السيناريو الثاني أكثر ترجيحا من التهدئة، مما يتطلب من الحكومة الإسرائيلية المقبلة اتخاذ قرار فور إقامتها بشأن السياسة الاستراتيجية تجاه قطاع غزة، رغم أن مثل هذا النقاش جرى في السنوات الأخيرة، لكنه لم يصل إلى حسم نهائي داخل "إسرائيل" .