يافا المحتلة - خاص بقدس الإخبارية: لم تجد بلدية تل أبيب التابعة للاحتلال مكاناً للمشرّدين سوى أرض مقبرة “الإسعاف” التاريخية القديمة بمدينة يافا المحتلة، وإقامة مشاريعها فيها.
عام 2018 جرت أول عملية تجريف “حديثة” للمقبرة من قبل طواقم بلدية تل أبيب، التي كانت في حينها تحفر من أجل إقامة مبنى للمشرّدين من ثلاثة طوابق؛ الأول تجاري، والطابقان الأخريان عبارة عن عدّة مساكن لهم.
هذا الاعتداء لم يمرّ مرور الكرام على أهل يافا، الذين هبّوا للتّصدي لما تقوم به البلدية، إضافة لتواجد عناصر من سلطة الآثار والتي نقلت هياكل عظمية، نتيجة جرف القبور، ونقلتها لجهة مجهولة.
تاريخياً
قديماً، كانت الحياة في مدينة يافا داخل أسوار البلدة القديمة، وما يُحيط بتلك الأسوار كان عبارة عن “بريّة”، حيث كان أهل يافا يستغلّون تلك المساحة الكبيرة لدفن موتاهم.
ويعود سبب تسمية المقبرة بهذا الاسم نسبة إلى أحد شوارع مدينة يافا “الإسعاف”.
جرت أول عملية تجريف للمقبرة في العهد البريطاني، الذي تذرّع حينها بأن التجريف جاء لأسباب “صحية”، ولتوسعة الخطط الهيكلية للمدينة آنذاك.
كانت مساحة المقبرة -والتي تقع شمالي البلدة القديمة ليافا- أكبر بكثير من المساحة الحالية المتنازع عليها ما بين بلدية تل أبيب وأهالي يافا.
التجريف الثاني للمقبرة
خلال عام 2018، بدأت مطامع بلدية تل أبيب تلتف حول “مقبرة الإسعاف”، وتم التنفيذ بشكل عملي في مارس/ أبريل حيث أقدمت البلدية على إقامة مشروع للمشردين مكوّن من ثلاثة طوابق، يحتوي على طابق أول تجاري، وطابقين لسكن المشرّدين.
من خلال عمليات الحفر لوضع أساسات المبنى والبنى التحتية، على مساحة 700 متر مربع، ومع تدخل سلطة الآثار تم إيجاد عشرات القبور التي تم تحديد عددها بحسب التقارير الرسمية الإسرائيلية، نحو 60 قبراً، والتي أظهرت أيضاً أن طريقة الدفن “إسلامية”.
الهيئة الإسلامية كانت خلف الجماهير اليافاوية حيث استنفرت وحضرت لأرض المقبرة، وصدت استمرار عمليات الحفر فيها، ونُقلت العظام إلى مكان مجهول من قبل سلطة الآثار ومندوبي بلدية تل أبيب.
كان موقف الهيئة الإسلامية واضحاً بأن المقبرة جزء من المقدسات ولا يمكن التفريط فيها واستخدامها لأي هدف آخر. وعملياً بدأت المشارورات ما بينها وبين البلدية دون تدخل قضائي.
التماس عاجل لـ”العليا” الإسرائيلية
يقول المحامي رمزي كتيلات لـ”قدس الإخبارية”: “مجدّداً، وبعد نحو عام (آذار 2019)، استكملت البلدية عملها في تجريف المقبرة في محاولة لتمرير مشروعها، حيث تقدّمنا بالتماس عاجل للمحكمة “العليا” الإسرائيلية التي أصدرت قرارها في اليوم ذاته، بوقف العمل الفوري”.
ويُضيف أنه تم تداول القضية خلال شهر حزيران/ يونيو في المحكمة “العليا”، حيث أبقت على قرار منع العمل الاحترازي، لكنها قررت نقل مداولة القضية في المحكمة “المركزية” لأن الصلاحية الأساسية تعود لها.
قدّم المحامون الالتماس المطلوب باسم الهيئة الإسلامية للمحكمة “المركزية”، حيث تم عقد جلسة لمناقشته في شهر أيلول/ سبتمبر من العام الماضي 2019، ومع نهاية العام تم إصدار القرار المُفاجئ والذي لم يرض به أي فلسطيني في المدينة.
يقول كتيلات: “تم إصدار قرار يسمح للبلدية باستكمال العمل في المقبرة وتنفيذ مشروعها مستندة إلى قرار المحكمة العليا فيما يخص مقبرة مأمن الله التاريخية في القدس”.
ولمن لا يعرف مقبرة مأمن الله، فهي المقبرة الواقعة غربي مدينة القدس على مساحة نحو 200 دونم. عمل الاحتلال فيها لسنوات عديدة منتهكاً حرمة الأموات، فحطم الشواهد وجرف القبور، وأقام على أرض المقبرة عدّة مشاريع استيطانية من بينها؛ حديقة الاستقلال، متحف التسامح، المدرسة الدينية، وفنادق ومواقف سيارات ومتنزّهات ومحال لبيع الخمر.
ويوجد على أرض المقبرة التي أصبحت ذات طابع يهودي، قبّة كبيرة، شاهدة على أن كل المساحة التي أُقيمت عليها المشاريع الاستيطانية مؤخراً (70 بالمائة من المساحية الكلية) هي تابعة لأرض المقبرة الإسلامية.
ويُضيف المحامي لـ”قدس الإخبارية” أن “المركزية” استغلت هذا القرار لشرعنة نبش القبور وانتهاك حرمة المقبرة، لكن الهيئة الإسلامية بصدد اتخاذ خطواتها سواء القضائية أو الجماهيرية للرد على هذا القرار الذي رفضته، وتم تقديم استئناف عليه.
بلدية تل أبيب الأغنى في الداخل لم تجد بديلاً سوى المقبرة
ضمن الالتماسات المقدّمة، قالت الهيئة الإسلامية إن بإمكان البلدية - وهي الأغنى من بين بلديات الداخل المحتل وتمتلك العديد من العقارات- إيجاد عشرات البدائل لإيواء المشرّدين، لكن ليس على حساب أرض المقبرة.
وبحسب كتيلات، فإن البلدية وبادّعاءات باطلة اختارت المكان لـ”إطلالته”، فهي ستؤوي المشرّدين وستحسّن من نفسياتهم كون المبنى هذا سيُطلّ على البحر، وقال: “كانت ادّعاءاتهم غريبة ومستهجنة”.
ويؤكد أنه في الوقت الذي يعيش فيه أهالي يافا أزمة كبيرة في السكن ولا تجد لهم أية حلول، تقوم البلدية بعمل كل ما بوسعها بشكل صامت وهادئ لإيواء المشردين.
ويبين أن الهيئة ليست لديها أية مشاكل مع المشردين، فعي تتعامل معهم بشكل “إنساني”، لكن ليس على حساب المقدسات وعلى حساب أهالي يافا الشرعيين والأصليين.
لمن تعود أرض المقبرة ؟
يؤكد كتيلات لـ”قدس” أنه بالعودة إلى سجّلات “الطابو”، لم نجد سوى جملة واحدة أن ملكية الأرض تعود لبلدية تل أبيب، حيث تم إخفاء الملكيات السابقة للأرض، وحال هذه المقبرة كحال العديد من الأملاك التي تم من خلال قانون “أملاك الغائبين” الاستيلاء عليها ونقل ملكياتها للمؤسسة الإسرائيلية.