فلسطين المحتلة- قُدس الإخبارية: رصدت مؤسسة الضمير على مدار العام 2019 العديد من حالات الاعتقال السياسي في الضفة، حيث وثقت وجود 100 حالة على الأقل من اعتقال واستدعاء لمواطنين من رام الله، والخليل ونابلس، وطوباس، وجنين، ومن خلال مشاهدات الضمير يمكن القول بأن الجزء الأكبر من هذه الاعتقالات والاستدعاءات –خلال هذا العام- تركزت بشكل أساسي على طلبة جامعيين وبالأخص طلبة من جامعة بيرزيت، وجامعة الخضوري، وجامعة البوليتيكنيك وجامعة الخليل. ولا يمكن القول بأن هذه سياسة جديدة على الواقع الفلسطيني.
حيث أصدرت مؤسسة Human Rights Watch عام 2018 تقريراً رصدت فيه ما يزيد عن 100 حالة اعتقال سياسي في الضفة وقطاع غزة، وتبين أن جزءاً من عمليات الاعتقال قد تركزت بحق طلبة جامعيين وعلى خلفية انتماءاتهم السياسية. وعليه تحاول هذه الورقة الوقوف على ظاهرة استهداف الطلبة الجامعيين وما لذلك من أثر، خاصة وأن هذه الفئة قادرة على خلق التغيير المجتمعي، وكيف أصبحت وتيرة هذه الاعتقالات تشكل عائقاً أمام الحياة التعليمية للعديد من الطلبة، وقمعاً لمظاهر الديموقراطية في الجامعات الفلسطينية.
في 2 نيسان 2014 قامت فلسطين بالانضمام إلى مجموعة من المواثيق الدولية والتي كان منها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة.
وقامت فيما بعد - بتاريخ 29 كانون الأول 2017- بالانضمام إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة، ومما تجدر الاشارة إليه أن انضمام فلسطين إلى هذه المواثيق كان دون إبداء أي تحفظ؛ الأمر الذي يضع على عاتقها مجموعة من الالتزامات خاصة في حال عدم التزام دولة فلسطين بهذه المواثيق، وهو ما سنقف عليه في هذه الورقة.
الاعتقال السياسي في المنظومة الدولية والقانون الفلسطيني
يتعارض الاعتقال السياسي في جوهره مع العديد من المواثيق الدولية، وبالأخص الشرعة الدولية لحقوق الانسان، والقوانين الفلسطينية التي كفلت التعددية السياسية والحزبية وحرية الرأي والتعبير والمعتقد والحرية الشخصية، ومثال عليها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة.
وحتى يومنا هذا لم يتم تقديم أي تقرير يوضح ماهية الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية، والتي من شأنها أن تحرز تقدماً فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية في فلسطين ومن ضمنها الحق في حرية الرأي والمعتقد السياسي، والحق في تشكيل الأحزاب والانتخابات. بل على العكس وبتاريخ 29 نيسان 2018 تم إصدار قرار بقانون رقم (10) لسنة 2018 بشأن الجرائم الالكتروني والذي تم استخدامه في الكثير من الحالات لغايات تضييق الخناق على الحريات العامة، وملاحقة الناشطين والصحفيين والكتاب، أضف إلى ذلك أن مرور ما يزيد عن 11 عاماً دون إجراء انتخابات يشكل انتهاكاً خطيراً لهذه الحقوق.
أما على الصعيد المحلي، فيتعارض الاعتقال السياسي مع القانون المحلي الفلسطيني، حيث أقرّ القانون الأساسي الفلسطيني، في المادة التاسعة عشر منه على أنه "لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون"، ونص في المادة الخامسة منه على أن نظام الحكم في فلسطين هو نظام ديموقراطي نيابي يعتمد على التعددية السياسية والحزبية، وأكمل في المادة التاسعة منه لينص على "الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة". على الرغم من كل هذه النصوص التي تكفل الحق في حرية الرأي والتعبير والحق في المعتقد السياسي، إلا أن المحامي فراس كراجة يشير في مقابلة أجريت معه إلى أن الاعتقال السياسي بوضعه الحالي في الضفة الغربية هو موجه ضد كافة النشاطات التي يقوم بها المواطن الفلسطيني، سواء بتجمعات سلمية، انتماءات حزبية، أو أعمال مقاومة ضد الاحتلال.
توضح ممارسات الأجهزة الأمنية الفلسطينية عدم احترامها لنصوص القانون الأساسي الفلسطيني، ومثال عليها ما أشار إليه الطالب (أ.ش) الذي يقول بأنه فور بدء التحقيق معه تم سؤاله عن انتمائه السياسي، وبعدما نفى انتماءه إلى أي تنظيم تم ضربه على الوجه والرأس، ويكمل (أ.ش) قائلاً بأنه تعرض للسؤال بشكل دائم حول أي صلة له بحركة حماس وعندما أنكر ذلك قال له أحد المحققين: "يجب أن تشبحه أولاً ثم تحضره لتحقق معه"، ويروي قائلاً: "بعد ذلك قاموا بربط يدي إلى الخلف بكلبشات حديد وربطوا الكلبشات بحبل وقاموا بربط الحبل بحماية الشباك العالية بحيث أصبح رأسي يتدلى إلى الأمام وأنا أقف على رؤوس أصابعي، وبقيت مشبوحاً على هذا الحال من الساعة التاسعة ليلاً وحتى الساعة الثانية فجراً، وفي ظل تعدد شهادات الطلبة الجامعيين التي تشير إلى أن الملاحقات والتحقيقات التي تعرضوا لها كانت بشكل أساسي على خلفية انتمائهم السياسي أو عملهم النقابي الجامعي -حيث تم سؤالهم عن طبيعة عملهم النقابي في الجامعة والأنشطة التي يشاركون بها، وتم سؤالهم عن طلبة آخرين واتصالهم معهم وفي بعض الحالات طلب منهم التوقيع على مستندات تنص على عدم مشاركتهم في أي أنشطة نقابية بعد اليوم- يتجلى عدم احترام نصوص القانون الأساسي الفلسطيني وكذلك مبادئ الشرعة الدولية لحقوق الانسان التي تكفل الحق في حرية الرأي وحرية المعتقد السياسي.
التعذيب وسوء المعاملة
أشار عدد كبير من الطلبة - في إفادتهم التي قدمت إلى مؤسسة الضمير- إلى تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة، حيث شمل ذلك –دون الاقتصار على- التعرض للضرب، والشبح لساعات طويلة، والتهديد بالاعتقال إلى حين انتهاء الفصل الدراسي الجامعي، أو التهديد بأنه فور الإفراج عنهم سيتم اعتقالهم من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وعزل المعتقل لعدة أيام، والتعرض للشتم، هذا بالإضافة إلى ما أشار إليه أحد المعتقلين من تعرضه للحجز في خزانة حديد ضيقة جداً لساعات طويلة، وتتعارض هذه الممارسات مع الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة وما وضعته الاتفاقية من تعريف للتعذيب.
كما تتناقض هذه الممارسات مع ما أشارت إليه الاتفاقية آنفة الذكر من عدم استثناء دور ومسؤولية الدولة عن عمليات التعذيب التي تتم في إقليمها، حيث تنصّ في المادة الثانية منها على أن "تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي اقليم يخضع لاختصاصها القضائي"، وتنص الاتفاقية كذلك في المادة الرابعة منها على أن تضمن كل دولة طرف في هذه المعاهدة "أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأية محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامه بأي عمل آخر يشكل تواطؤ ومشاركة في التعذيب".
بالمقابل، وبالنظر إلى نصوص قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 – الساري في الضفة الغربية- نجد أنه لم يتم تعريف التعذيب وفقاً لهذا القانون، على الرغم من أن نص المادة 13 من القانون الأساسي الفلسطيني يوضح عدم جواز إخضاع أي شخص إلى الإكراه أو التعذيب، وتنص على أن يتم معاملة المتهمين أو المحرومين من حرياتهم معاملة لائقة، وبالتالي وفي ظل عدم وجود نص قانوني فلسطيني يجرّم التعذيب ويحدد له عقوبة، يمكن القول أن هذا يشكل مخالفة صريحة لنصّ المادة 4 من اتفاقية مناهضة التعذيب آنفة الذكر، وتجدر الإشارة إلى أنه وحتى اللحظة لم تقم السلطة بمواءمة القوانين المحلية مع الاتفاقيات الدولية التي قامت بالتوقيع عليها.
سياسة الاعتقالات والاستدعاءات المتكررة والممنهجة وأثرها على الحياة التعليمية للطلبة
تترك هذه الاعتقالات الممنهجة العديد من الآثار على الطلبة وأهمها شلّ الحياة التعليمية، حيث تتم الاعتقالات في كثير من الأحيان في مواعيد الامتحانات؛ الأمر الذي أصبح يمثل إشكالية حقيقية في حياة الطلبة الجامعيين. منهم حالة المعتقل (م،ن)، الذي تم اعتقاله من قبل جهاز الأمن الوقائي وبعد ما يقارب أسبوعين تم اعتقاله مجدداً من قبل جهاز المخابرات الفلسطينية، يوضح (م،ن) أن التحقيق معه خلال فترة الاعتقال كان يتمحور حول نشاطه الطلابي في الجامعة، ويقول بأن اعتقاله لدى الأجهزة الأمنية تسبب بتغيبه عن امتحانات الجامعة حيث تزامن الاعتقال الأول مع الامتحانات الأولى للفصل الدراسي، وتزامن الاعتقال الثاني مع الامتحانات الثانية، الأمر الذي أدى إلى تغيبه عن عدة امتحانات، وهو حالياً مهدد بتعذّر استكماله للفصل الدراسي، وقد يتأخر تخرجه من الجامعة فصلاً دراسياً كاملاً نتيجة لهذا الاعتقال. وكذلك الحال بالنسبة للمعتقل (ث،ح)، الذي يشير إلى أنه قد تعرض للتهديد أثناء التحقيق وشمل هذا التهديد بعدم الافراج عنه إلا بعد انتهاء فترة الامتحانات وانتهاء الفصل الدراسي.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فمن الممكن القول بأن هناك سياسة واضحة وممنهجة في استهداف طلبة الجامعات، وذلك من خلال تكرار عمليات الاعتقال والاستدعاءات المتكررة، حيث أصبحت هذه الملاحقات تشكل عائقاً أمام استكمال الطلبة تعليمهم، ومثالها حالة الطالب (ت.أع) الذي لم يتمكن حتى يومنا هذا من التخرج من الجامعة فهو طالب في السنة السابعة تخصص محاسبة، وتعرض للاعتقال لما يزيد عن أربع مرات لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، الأمر الذي دفعه في نهاية المطاف إلى الاعتصام في الحرم الجامعي خوفاً من تعرضه للاعتقال. يقول (ت.أع) في إفادته "أريد أن أبقى معتصماً حتى انتهاء الامتحانات الجامعية لأنني طالب جامعي منذ سبع سنوات وكل عام في وقت الامتحانات يتم اعتقالي، مما يضطرني إلى إعادة الفصل الدراسي". وعلى الرغم من محاولات هذا الطالب وطالبين اثنين آخرين الاحتماء في الحرم الجامعي، إلا أن قوات الاحتلال الخاصة اقتحمت الحرم الجامعي واعتقلت ثلاثتهم. ليست هذه الحالة الوحيدة التي قام فيها طلبة جامعات بالاعتصام في الحرم الجامعي خوفاً من التعرض للاعتقال السياسي، حيث قام طالبين بالاعتصام في جامعة بيرزيت وفيما بعد تضامن معهم مجموعة من الطلبة واستمر اعتصامهم ما يقارب 46 يوم.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس هنالك اكتراث حقيقي من قبل جهاز النيابة العامة والجهاز القضائي الفلسطيني للانتهاكات التي تحدث، حيث أشار العديد من الطلبة إلى ما حصل معهم من محاولة توثيق تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة أمام جهاز النيابة أو أمام القضاة أثناء جلسات تمديد التحقيق، إلا أنهم لم يجدوا أي تجاوب؛ فلم يتم توثيق أي مما قالوه في المحاضر. ويظهر هذا وجود خلل حقيقي في متابعة ما تقوم به الأجهزة الأمنية الفلسطينية من انتهاكات بحق المعتقلين والذي يتعارض بشكل صريح مع نص المادة (96) من قانون الاجراءات الجزائية الفلسطيني رقم (3) لسنة 2001، والتي تنص في الفقرة الثانية منه على أنه "يجب إثبات أقوال المتهم في محضر الاستجواب" وكذلك نص المادة (99) والتي تنص على أنه "على وكيل النيابة قبل استجواب المتهم أن يعاين جسمه ويثبت كل ما يشاهده من إصابات ظاهرة وسبب حدوثها".
تشير الممارسات على أرض الواقع إلى وجود مخالفة واضحة لنصوص هذه المواد، ومثال على ذلك ما رواه الطالب (م،ن)، إذ يقول أنه خلال التحقيق دخل أحد المحققين عليه وهو يحمل مسطرة حديد وقام بتقريبها من رقبته بعد أن وضع أصابعه على رقبته وضغط باتجاه الرقبة، كما قام بعد ذلك بضربه على الصدر أكثر من مرة باستخدام المسطرة، وبعد ذلك استخدم المحقق المسطرة كسيف؛ حيث مررها على رقبة المعتقل مما ترك علامة خط أحمر عليها، في اليوم التالي وأثناء عرضه على المستشار القانوني سأله الأخير عن سبب العلامة على الرقبة، وشرح المعتقل للمستشار السبب، إلا أنه لم يتجاوب معه بشكل حقيقي واكتفى بابلاغه أنه ستتم زيارته من قبل الصليب الأحمر والهيئة المستقلة لحقوق الانسان.
وتشير الإفادات التي قامت مؤسسة الضمير بجمعها من طلبة تم اعتقالهم على خلفية انتمائهم السياسي، إلى أن هناك سياسة شبه ممنهجة تتضمن الافراط في استخدام القوة أثناء عمليات الاعتقال. روى الطالب (ع.ع) والطالب (م،ح) في افادتيهما كيف تمت عملية اعتقالهما، حيث تضمنت ملاحقة بالمركبة التي كانا فيها وسمعا خلال عملية الملاحقة إطلاق نار، وتعرضا للضرب المبرح أثناء الاعتقال. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل تضمنت عمليات الاعتقال أيضاً ابتزاز الطلبة بالاحتياجات الخاصة كالطالب (ط.خ) وهو طالب جامعي مصاب بداء السكري. حيث يروي في إفادته قائلاً أن أحد المحققين قام بابتزازه بموضوع الدواء وتم تهديده بأن يتم تسليمه إلى سلطات الاحتلال، وبعد أيام من الإفراج عنه من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطنية تم استدعاء (ط.خ) من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي.
حالة تفصيلية: اعتقال الطالب (ب،ف)
- تم تمديدي للتحقيق ولكني بقيت في الزنزانة دون سؤال! حالة الطالب (ب.ف)
تم اعتقال (ب.ف) بتاريخ 17/8/2019، وذلك أثناء توجهه إلى رام الله في إحدى مركبات النقل العامة، حيث تم اعتراض المركبة التي يركبها وتوقيفها في وسط الشارع من قبل مركبتين، ترجل ثلاثة أشخاص وفتحوا باب المركبة التي كان يركبها وطلبوا منه الخروج مباشرة، وبعدما سأل (ب.ف) عن شخصيتهم أجابوا أنهم من الأمن الوقائي، وتم اقتياده إلى مركبة مدنية بعد وضع قيود حديدية على يديه.
نُقل (ب.ف) إلى مقرّ الأمن الوقائي حيث تعرض في اليوم الأول إلى جلستين من التحقيق تركزت احداهما على طبيعة العمل النقابي له في الجامعة حيث تم سؤاله حول اعتقالاته السابقة وطبيعة مشاركته في الأنشطة الجامعية. وفي اليوم التالي عُرض (ب.ف) على المحكمة لغايات تمديده للتحقيق حيث أشارت النيابة العامة في هذه الجلسة إلى أن التحقيق مع (ب.ف) هو على خلفية قضايا ذات صلة بأسلحة وأموال، الأمر الذي دفع المحكمة إلى الموافقة على طلب النيابة العامة فمددت المعتقل (ب.ف) 48 ساعة لغايات التحقيق. ويروي المعتقل قائلاً أنه في ذات الليلة تعرض إلى جلسة تحقيق وكانت الاسئلة تتمحور حول عمله النقابي الجامعي فقط ولم يتم سؤاله حول أي من القضايا التي وجهت له في المحكمة كقضايا ذات صلة بالأسلحة.
ويكمل (ب.ف) الحديث عن الإجراءات التي مر بها فيقول بأنه –بعد انتهاء مدة 48 ساعة- عرض على القاضي مجدداً حيث طلبت النيابة تمديد التوقيف 15 يوماً، الأمر الذي دفع محامي (ب.ف) إلى توضيح أن التحقيق معه فعلياً انتهى وأنه لا يوجد ضرورة لهذه المدة الطويلة، فوافقت المحكمة على التمديد ليوم واحد، وفي اليوم التالي تكررت محاولة النيابة لتمديده 15 يوماً، ووافقت المحكمة على خمسة أيام لغايات التحقيق. ويروي (ب.ف) قائلاً: "تم إعادتي إلى المقر ولم يتم التحقيق معي نهائياً، بقيت داخل الزنزانة الانفرادية الخمس أيام بدون أي سؤال وبدون مقابلة أي شخص حتى انتهت مدة التمديد، وعدت إلى المحكمة مرة أخرى وعدت إلى نفس القاضي وطلبت النيابة تمديدي 15 يوم وهنا القاضي وافق على طلب النيابة وتم تمديدي 15 يوم".
توضح سياسة الأجهزة الأمنية في هذه الحالة مدى ارتكاز عملية الاعتقال على العمل الطلابي النقابي في الجامعات، حيث أن غالبية –إن لم يكن كافة- الاسئلة التي وجهت للطالب (ب.ف) كانت حول طبيعة عمله النقابي الجامعي ومشاركته في الأنشطة، في حين أن الادعاءات التي تم الاستناد إليها في المحكمة لغايات لتمديد توقيفه للتحقيق كانت حول تهم جنائية. ومن جهة أخرى يمكن القول بأن هناك اشكالية في السياسة المتبعة في طلب تمديد المعتقل لأقصى مدة (15 يوماً –قابلة للتجديد ثلاث مرات حيث أن هذا التمديد لا يعني بالضرورة التحقيق. حيث أشار (ب.ف) وغيره من المعتقلين إلى أنهم قد تركوا في زنازين لأيام دون التحقيق معهم، الأمر الذي يدفع للقول بأن هذه التمديدات في الحقيقة تسعى إلى عرقلة الحياة التعليمية للطلبة، وحرمانهم من استكمال تعليميهم.
الخاتمة والتوصيات
خلاصة القول أن الاعتقال السياسي ليس بالسياسة الجديدة على الأجهزة الأمنية الفلسطينية، إلا أن وتيرة استخدامه في العامين الماضيين كانت مرتفعة، وتركزت بحق فئة معينة وهي الطلبة الجامعيين حيث كانت غالبية هذه الاعتقالات والاستدعاءات على خلفية انتماءات الطلبة السياسية أو طبيعة نشاطهم النقابي داخل الجامعات الفلسطينية وبالأخص جامعة بيرزيت، والخضوري والبوليتيكنيك والخليل، وتعرض العديد من الطلبة إلى الاستدعاء أو الاعتقال بشكل متكرر بحيث أصبح من الصعب عليهم استكمال حياتهم التعليمية بشكل طبيعي، وبناء على ذلك تخلص هذه الورقة إلى مجموعة من النتائج والتوصيات على الشكل التالي:
النتائج:
- يشكل الاعتقال السياسي مخالفة صريحة للقوانين الفلسطينية بدءاً، وللمعاهدات الدولية التي قامت فلسطين بالانضمام إليها.
- يتعرض قسم كبير من المعتقلين السياسيين إلى التعذيب و/أو سوء المعاملة، ويشمل ذلك التعرض للضرب أو التهديد، أو الشبح، أو غيرها من الأساليب.
- استهدفت عمليات الاعتقال والاستدعاءات المتكررة في الآونة الأخيرة الطلبة الجامعيين، وذلك بناء على طبيعة انتماءاتهم السياسية وطبيعة عملهم النقابي الجامعي، بحيث أصبح من الصعب على الطلبة ممارسة حياتهم التعليمية بشكل طبيعي.
- على الرغم من انضمام فلسطين إلى العديد من الاتفاقيات الدولية التي تحمي في ثناياها حرية الرأي والتعبير للمواطنين، وتحمي الحق في الحصول على حياة سياسية حرة، وتجرم التعذيب، إلا أن ممارسات الأجهزة الأمنية تظهر أنها لا زالت تنتهك هذه الحقوق.
التوصيات
- توصي مؤسسة الضمير بضرورة انهاء الاعتقال السياسي التعسفي الممارس في المناطق الفلسطينية، وانهاء ممارسات التعذيب وسوء المعاملة بشكل فوري ودون أي مبرات، خاصة وأن الاتفاقيات الدولية المختلفة قد حظرت التعذيب بشكل صريح ومنعت استخدامه تحت أي ذريعة أو مبرر، حتى أنها منعت التذرع بوجود حالة حرب أو طوارئ أو غيرها من الأسباب لاستخدام التعذيب.
- توصي مؤسسة الضمير بضرورة تحرك المشرّع الفلسطيني لغايات مواءمة التشريعات المحلية مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي قامت السلطة الفلسطينية بالتوقيع عليها.
- توصي مؤسسة الضمير بضرورة وجود ملاحقة قانونية لمرتكبي جرائم التعذيب وعقوبات رادعة لمن يرتكبها، وكذلك وجود نظام تعويضات مادية ومعنوية للضحايا.