طولكرم المحتلة- قدس الإخبارية: كانت تصلّي الفجر، وتخرج لساعات تعتني بورودها وأشجارها التي تُحيط منزلها وحديقتها التي أقامتها قبل سنوات عديدة وزرعت فيها الورود والنباتات والأعشاب. اليوم اختفت معالم تلك الحديقة بعدما هُدم المنزل وغابت عنه من كانت تُنير جنباتِه.
الأسيرة وفاء مهداوي/ نعالوة البالغة من العمر (55 عاماً) هي الأم التي تلقّت نبأ استشهاد نجلها أشرف وهي في سجون الاحتلال، صرخت، بكت، تألّمت، وما زاد من وجعها أن لا أحد من أبنائها حولها، وكانت تحت رحمة الله الذي ألقى عليها السكينة بعدها.
بدأت قصة اعتقال الأسيرة مهداوي بعدما نفّذ نجلها الشهيد أشرف نعالوة (23 عامًا) عملية إطلاق نار في مستوطنة (بركان) المقامة على أراضي شمالي سلفيت، في السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2018، والتي أسفرت عن مقتل مستوطنيْن وإصابة ثالث، مُنسحباً من المكان.
وبعدما فشلت قوات الاحتلال في العثور عليه لأكثر من شهرين من المُطاردة، وعقب اشتباك مسلح مع قوات خاصة وأخرى من جهاز “الشاباك” استُشهد نعالوة في منزل بمخيم عسكر الجديد شرقي نابلس في الـ13 من شهر كانون أول/ ديسمبر 2018.
خلال فترة مطاردته، تم اعتقال والده وليد، ووالدته وفاء، وجميع أشقائه وشقيقاته الذين تناوب على استجوابهم محققو الاحتلال، جميعهم احتُجزوا في زنازين انفرادية ثم أُفرج عنهم لاحقًا، باستثناء والدي الشهيد وشقيقه أمجد.
الجبّارة
تقول الدكتورة فيروز ابنة الأسير مهداوي إن والدتها حقاً “جبّارة” فكيف لهذه السيّدة أن تصمد في وجه هذا الاحتلال، وما قام به بحق عائلتها، تتلقى نبأ استشهاد نجلها واعتقال أبنائها وبناتها والتحقيق معهم، وهدم منزلهم المبني منذ 25 عاماً، وهي داخل الأسر، لا يوجد من يُساندها من عائلتها.
وتُضيف لـ”قدس الإخبارية”: “لا تحب والدتي العُزلة، كانت اجتماعية وعلاقاتها عديدة، تجلس مع الجيران، وتحب الجميع وتسأل عن أحوال كلّ من تعرفه”. وتتساءل “لا أعلم كيف كان وضعها لأكثر من أربعين يوماً في الزنازين؟!”.
رغم أن مهداوي تزوجت صغيرة، ولم تُكمل تعليمها إلّا أن ذلك لم يُثنها عن تشجيع أبنائها على الدراسة، فجميعهم حاصلون على شهادات جامعية، فكما تقول فيروز: “كان طموحها أن ترى بأولادها ما لم تقم به في حياتها”.
وتبيّن أنها امرأة مكافحة فهي ووالدها تعبوا كثيراً من أجل بناء بيت العائلة الذي هدمه الاحتلال وهدم معه ذكرياتهم، “هذا المنزل هو بعمر أخي أشرف .. ليس أغلى منه.. لكنّ قيمته عندنا كبيرة، تعبت أمي به وشقيت، كانت تقوم بعد صلاة الفجر تتنقل في المنزل، وتخرج لساعات في الحديقة والأرض، تسقي الأشجار وتعتني بالورود”.
اليوم، قتل الاحتلال كل ذكرى جميلة ودمّر زهرات مهداوي، ففي الـ17 من شهر كانون أول/ ديسمبر (بعد أيام من استشهاد أشرف) تم هدم المنزل (مكون من ثلاثة طوابق).
محتجزة في سجن الدامون
تلك السيّدة الخمسينية عانت كغيرها من الأسيرات، فما قبل اعتقالها كانت تعاني من أوجاع في المفاصل بحكم السنّ، لكن نتيجة التحقيق والاحتجاز في الزنازين والتنقل في ”البوسطة”، تفاقم وضعها الصحي بشكل لافت.
تقول فيروز إن تورّماً وكسلاً حصل للغدّة الدرقية لديها، إلى جانب زيادة آلام المفاصل والديسك، والتهاب الأذنين الذي أفقدها عن الوعي عدّة مرّات، وهذا كله يُقابل في سجن “الدامون” بالإهمال الطبي وعدم تقديم العلاج.
أمّا عن عينيها، فقد تعبتا أيضاً من كثرة البكاء وفقد الأحبّة فقد حُرمت من زيارة عائلتها وأبنائها وبناتها لمدة 15 شهراً.
ولكن سُمح فقط لابنتها الصغيرة (في العشرينيات من العمر) بزيارتها الشهر الماضي، وهنا يكمن الوجع، فبعد شهور طويلة لا تُريد لحاجز زجاجي أن يحجب عنها ابنتها. الاثنتان تُريدان احتضان بعضهما والبكاء بشدّة على ما ألمّ بهم من “نكبة”.
تبيّن فيروز أن العائلة واجهت “نكبة شعب” خلال الشهور الماضي منذ لحظة تنفيذ أشرف للعملية وحتى اليوم، من قتل وتنكيل واعتداء واعتقال وهدم وتشريد وتفكيك أسرة واحتجاز في ظروف مأساوية وصعبة، وأحكام بالسجن لسنوات، وفرض غرامات مالية لقتلى الاحتلال، كلّ ذلك واجهته والدتي “الجبّارة”، تقول ابنتها.
حكم بالسجن والغرامة ..
تم الحكم على مهداوي بالسجن لـ18 شهراً ودفع غرامة مالية بقيم 45 ألف شيقل، عقب أكثر من ثلاثين جلسة، بعدما أصرّ الاحتلال على علمها بنية تنفيذ نجلها عملية فداية، واتهامها بعدم التبليغ عنه.
تم الاستئناف على حكمها وتم تحديد جلسة لها في محكمة “عوفر” العسكرية في الـ26 من الشهر الجاري، بحسب ابنتها.
أمّا زوجها وليد فما زال يُحاكم، وابنهما أمجد تم الحكم عليه بالسجن لمدة عام بعد اتهامه بعلمه بوجود سلاح مع شقيقه أشرف، وعقب انتهاء المدّة تم تمديد اعتقاله والحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة 24 شهراً، ودفع غرامة بقيمة سبعين ألف شيقل، بضغط من عائلات القتلى الإسرائيليين.