توقفت مسيرات العودة في الأسابيع الأخيرة، أو وتراجعت، ويبدو أن الخيار الآن في غزة التصعيد عبر الأدوات الشعبية، مثل البالونات الحارقة.
منذ أيام تنطلق البالونات الحارقة من شرق قطاع غزة، تجاه مستوطنات ومواقع الاحتلال الإسرائيلي القريبة من القطاع.
البالونات الحارقة تكتيك ميداني شعبي، ابتدعه الفلسطينيون كوسيلة لتنغيص حياة المستوطنين الإسرائيليين المحيطين بالقطاع، وتحوي البالونات معها مفرقعات نارية تُصدر أصواتاً شديدة نسبياً عند انفجارها؛ ما يسبّب قلقاً لجنود الاحتلال ومستوطنيه، كما تسبّبت البالونات في إحراق محاصيل الاحتلال الزراعية في تلك المستوطنات.
وحسب القناة العبرية الثالثة عشرة، تسبّبت أيضاً في تشجيع جزء من سكان مستوطنات «غلاف غزة» على الرحيل.
يرفع مُطلقو البالونات مطالب متعلقة بالحصار، وضرورة رفعه عن القطاع، ويقولون إنهم يريدون لتلك المستوطنات أن تشعر بجزء من المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع نتيجة الحصار المستمر منذ حوالي 14 عاماً.
إلا أن اللافت هو عودة هذا التكتيك بعد أشهُر طويلة من توقّفه، على ما يبدو نتيجة تفاهمات بين الفصائل بالقطاع مع الاحتلال بوساطات إقليمية ودولية، وعودتها تعني تنكّر الاحتلال للتفاهمات وتراجُعه عن تحقيق وعوده بشأن الأوضاع الإنسانية المأساوية في القطاع.
فشل الاحتلال في إيجاد حلول تقنية أو فنية تمنع أو تحدّ من وصول البالونات إلى المستوطنات، رغم بساطتها وبساطة فكرتها؛ إلا أنها تؤرّق الاحتلال الذي يحاول تثبيت قواعد ميدانية عنيفة في تعامله مع البالونات الحارقة، ومن ذلك قصفه بالطائرات الحربية مواقع المقاومة خلال الأيام الماضية، ومحاولته استهداف شبان بالرصاص الحي عند حدود القطاع؛ الأمر الذي قد يجلب في حال تصاعده رداً من المقاومة.
في مقابل ذلك، أعلنت الهيئة العليا لـ «مسيرات العودة وكسر الحصار» تأجيل المسيرات حتى تاريخ «يوم الأرض»، في نهاية شهر مارس المقبل؛ فمن الواضح أنها تريد تخفيف المظاهرات لصالح أدوات أكثر خشونة، خصوصاً أن الاحتلال لا يتورّع عن سفك دماء المتظاهرين دون أن يضع في حسابه أي اعتبار للمحاسبة، وهو ما كان يتطلبّ وقوفاً عنده على المستويات كافة. تأتي هذه التطورات في ظل واقع إقليمي معقّد وصراعات ومداولات في أكثر من اتجاه، وبوادر أزمات جديدة في منطقة شرق المتوسط، يمثل الاحتلال جزءاً منها ومن تداخلاتها المتعلقة بأنابيب الغاز. وهنا مفارقة أخرى، فالاحتلال يسرق غاز الفلسطينيين ويبيعه بمليارات الدولارات لإخوانهم العرب والمسلمين، بينما الفلسطينيون يبحثون عن رمق الحياة!
على ما يبدو أننا سنكون أمام جولة تصعيد جديدة، قد تكون أعنف من سابقاتها إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الاحتلال قد يُقدم على تنفيذ عمليات اغتيال أخرى داخل القطاع، وأظن أن الأمر مطروح عنده على الطاولة، إذا ما افترضنا أنه استأنف فعلياً مسلسل الاغتيالات المباشرة حين اغتال بهاء أبو العطا، وحاول اغتيال أكرم عجوري، وأظنه ينتظر توافر الظروف الأمثل، وربما يفاضل بين شخص أو آخر والحذر مطلوب على كل.