الضفة المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: أثار تكرار حوادث السرقة والسطو المسلح، على صرافات الية وبنوك، في مناطق مختلفة بالضفة الغربية المحتلة، مخاوف الفلسطينيين وعدة تساؤلات، في الوقت ذاته، حول أسباب تزايد هذه الحوادث، ومن يقف خلفها، وكيف يمكن مواجهتها.
يُشار إلى أن بيت ساحور، وكفر نعمة غرب رام الله، وبلدة عتيل شمال طولكرم، ومدينة قلقيلية، ومنطقة العوجا قرب أريحا، شهدت سرقات لصرافات الية، خلال الأسابيع الماضية، فيما قام مسلحون مجهولون، اليوم، بسطو مسلح على فرعٍ لبنك في دار صلاح ببيت لحم.
من يقف خلفها؟
الباحث والكاتب السياسي ساري عرابي، يرى أن "أساس الحديث حول حوادث السرقة، يجب أن ينطلق من معرفة خلفيات الفاعلين، وهل نحن أمام جهة منظمة تدفع الجناة للقيام بهذه الأعمال، أم أن القضية تتعلق بسخط على البنوك، لذلك فإن نتائج التحقيقات مهمة".
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور نصر عبد الكريم "لقُدس الإخبارية"، أن "الخطورة هو أن تتحول هذه الحوادث لظاهرة منظمة، تنخرط فيها مجموعات على الأرض، وتستغل الحالة الأمنية المواتية لذلك، خاصة أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية، لا تسيطر على مناطق كبيرة في الضفة".
وأضاف: "ويجب أن يكون هناك جهود ومتابعة من الأجهزة الأمنية، لمواجهة هذه الحوادث ومعاقبة من يقف خلفها، ومعرفة أسبابها ومنع تكرارها".
من جانبه يؤكد الناطق باسم الشرطة لؤي ارزيقات، أن "الأجهزة الأمنية تجري عمليات بحث وتحقيق للوصول إلى الجناة، وقد تمكنت من اعتقال منفذي عملية سطو على صراف الي في رام الله، قبل أيام، من خلال فحص الأدلة الجنائية التي توفرت في مكان الجريمة".
وأضاف: "لا يمكن لنا الان أن نحدد دوافع الجناة وهل تقف خلفهم جهات، إلا بعد انتهاء التحقيقات والاستماع لأقوالهم".
وقال ارزيقات "نحن بحاجة لقوانين رادعة بشكل أكبر، لمواجهة مختلف الجرائم وليس فقط السرقة والسطو المسلح".
وحول تحليل هذه الحوادث اجتماعياً أو "سيسولوجياً"، يقول الباحث في العلوم الاجتماعية عبد العزيز الصالحي، "من الممكن القول أن ما يحصل هو بوادر لظاهرة جديدة على مستوى الجريمة، حيث أن تكرار حوادث سرقة الصرافات الآلية والبنوك منذ مطلع العام 2020، حتى اليوم لتصل لأربع حالات، يعكس بوادر نشوء نمط جديد من الجريمة في أقل من شهر، مما يعني أن الحدث قد يصبح ظاهرة إذا ما استمر".
وأوضح الصالحي، أن "الحوادث الاجتماعية لا يمكن وصفها بالظاهرة إلا إذا كانت تتكرر في المجتمع بفترات زمنية متقاربة وبتزايد واضح بأعداد الحادثة، وتكون لها عوامل سيسيولوجية ومداخل لحصولها".
"من المستبعد أن تكون أسباب هذه الحوادث من فعل مؤامرة ما، في النهاية البنوك تعمل على زيادة عدد العملاء لديها من خلال الحفاظ على سمعة جيدة لها، وشعور المشتركين بالأمن حول أموالهم، ولا يمكن تقديم أي تفسيرات أخرى غير تردي الحالة الاقتصادية"، يبين الصالحي.
وأضاف: "من المستعبد أيضاً أن تندرج هذه الحوادث تحت إطار الجريمة المنظمة، فهي تأتي في إطار هيكلي أوسع تكون له دلالات واضحة".
تردي الأوضاع الاقتصادية
يرى الدكتور نصر عبد الكريم، أن "تردي الأوضاع الاقتصادية، الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، يساهم وإن كان بشكل غير مباشر، في ازدياد هذه الحوادث، حيث يصبح لدى فئات في المجتمع نزوعاً نحو الكسب السريع، من خلال عمليات السرقة وغيرها".
ويضيف: "وفقاً للإحصاء المركزي الفلسطيني فإن نسبة البطالة في المجتمع الفلسطيني، تصل إلى 26%، وتتركز بين فئة الشباب وخريجي الجامعات".
ويوضح: "الخطير في قضية ارتفاع نسبة البطالة، هي أنها بين فئة الشباب، الذين تغلق أمامهم فرص الحياة الأمر الذي يدفعهم للإحباط، عدا عن أنهم يتحولون لعالة على عائلاتهم، التي صرفت مبالغ على تعليمهم، من أجل الاستثمار فيهم".
من جانبه يؤكد ساري عرابي، أن "الاقتصاد الفلسطيني في حالة تدهور مستمرة، تنعكس بشكل مباشر على حياة الناس، في ظل عدم توفر فرص عمل مناسبة لفئات واسعة من المجتمع، عدا عن الغلاء الفاحش الذي نعيشه، وكلها عوامل تقف خلفها سياسات تريد تحويل الضفة المحتلة، إلى بيئة طاردة لأهلها".
وأضاف: "كما جرى تحطيم الحركة الوطنية، في الوقت الذي تم فيه إغراق الفلسطينيين في نمط استهلاكي، لإشغالهم عن الاهتمام بالمجال العام، الأمر الذي يبعد الخطر عن الاحتلال ومن يضع هذه السياسات".
استقطاب طبقي
طالب الدراسات العليا في جامعة بيرزيت عبد الجواد حمايل، يشير إلى أن "التوجه نحو البنوك كهدف للسرقة ينبع من العلاقة المضطربة ما بين المجتمع الفلسطيني والبنك، لعدة أسباب يكمن أهمها بما تولد من علاقات، مع قلة تحصل الفائدة وتربح من منظومة القروض، وطبقة وسطى تسعى للحصول على القروض الاستهلاكية لأجل تحقيق مستوى معيشي يتمثل في البيت والسيارة".
وأضاف: "هناك طبقة أخرى خارج حسابات القروض والبنوك، والتي بأغلب الحالات تأتي فئة اللصوص منها، أي أنها لا تستطيع تحصيلها".
ويقول حمايل: "هذه العلاقة خلقت استقطاباً طبقياً جديداً في مجتمعنا، ما بين من يحصل على الفائدة ومن يدفعها، وكذلك ما بين من يستطيع أخذ القرض ومن لا يملك ما يكفي لتحصيله".
"بتعابير أخرى، فإن السطو على البنك هو ضرب للرمز الاساسي لسياسات السلطة، ويعبر عن التوتر مع منظومة المالية بما تمثله من سياسات، وإن كانت الأهداف المباشرة للفعل ترتبط بالسرقة والإغناء لدى فئة اللصوص"، يوضح حمايل.
يقول حمايل: " تعبر عن انتشار فكرة الاغتناء السريع، فمن خلال السياسات التي روجت لها السلطة التي تتمثل بإعلاء التنافس داخل السوق كالقيمة الإنسانية الوحيدة الممكنة، وبما تمثله السلطة من فساد مالي وأخلاقي وسياسي، يتشرب المجتمع القيم الانتهازية، فتصبح السرقة من ناحية انعكاس للقيم السائدة وتمرداً عليها".
وهو ما يؤكد الدكتور عبد الكريم على جانبٍ منه، حيث أن "الأولويات الوطنية تراجعت لدى طيف واسع من الشباب الفلسطيني، وأصبح نرى نزوعاً نحو قيم الخلاص الفردي، خاصة بعد تراجع الحركة الوطنية".
أما الصالحي، فيرى أن "تردي الوضع الاقتصادي في فلسطين والازدياد الهائل في نسب البطالة تدفع الأفراد لليأس، ولا بد من الالتفات لعدة ظواهر سبقت حوادث السرقة، فمنذ سنوات بدأت ظاهرة الانتحار بين صفوف الشباب والشابات بالتحديد بالانتشار في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن يعتقد أن هذا الحالات كانت مؤشرات لأبعاد فردية فهو مخطئ بالتقدير".
وأضاف: "حالات القتل تزداد داخل المجتمع الفلسطيني، قتل الإناث بالتحديد، مما يعكس تشري ظاهرة عنيفة، تكون بنيوياً لها علاقة بأبعاد اجتماعية أخرى، بالإضافة لانتشار تعاطي المخدرات بين صفوف الشباب والشابات، مما يعني أن العوامل الاقتصادية والاجتماعية تؤثر على بروز ظواهر جديدة في المجتمع".
تراجع الحالة النضالية
فيما يؤكد ساري عرابي، أن "الحالة النضالية التي كان يعيشها المجتمع الفلسطيني، طوال سنوات، كانت تساهم بتهذيبه وجعله أكثر قرباً من بعضه وتراحماً".
ويضيف: "خلال الانتفاضة الثانية عملت عدة أطراف على خلق الفلتان الأمني وسلاح الخاوات، الأمر الذي انعكس سلباً على المجتمع، بالإضافة إلى أننا فقدنا خلال السنوات الأخيرة، المنابر التي كانت يجري من خلالها توعية الناس وحل مشاكلهم الاجتماعية وتأطيرهم سياسياً".
وحول دور المجتمع في مواجهة تزايد الجرائم، قال عرابي: "جرت العادة أن يكون في المجتمع فئة طليعية تواجه الأزمات، وتنظم الناس، لكن الإشكالية الكبرى أن الوضع الفلسطيني محاصر من جهات عديدة، تحاول منع أي فرصة لتشيكل سياسي واجتماعي يواجه هذه الأزمات".
ويرى حمايل، أن "ازدياد الجرائم في المجتمع لا يمكن فصلها عن وجود الاستعمار، فالسلطة ووجودها وارتباطها مع المستعمر وسياستها المالية والهندسة الاجتماعية هي التي تجعل كل هذا ممكناً".
وأضاف: "المفارقة إن هذه السرقات تعزز الشعور إننا بحاجة للسلطة لحمايتنا مما صنعت وأنتجت من قيم وثقافة، بل تستغلها لتقول للمجتمع الفلسطيني إنها الحامي الأخلاقي والسياسي مما تسميه بالفوضى".
يقول الباحث الصالحي، إن "الاحتلال يعمل على زيادة صعوبة واقع حياة الفلسطينيين، مما يؤدي لبروز ظواهر اجتماعية تستنزف المجتمع وتنهكه في محاولة لتشتيته عن قضيته الأساسية، لكن هذا لا يعفي صانع القرار الفلسطيني من المسؤولية أيضاً، حيث يغيب دور الضبط ويغيب التركيز على سد الثغرات والفجوات التي قد تؤدي لبروز هذه الأزمات، كتشغيل الشباب وتحسين الأوضاع المعيشية للأفراد وغيرها".
علاج جذري
يؤكد الدكتور نصر عبدالكريم أن "المهمة الأساسية في معالجة الظواهر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي تساهم في ازدياد الجرائم داخل المجتمع، تقع على عاتق السلطة".
وأضاف: "يجب أن يكون هناك شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، لوضع خطط ورؤى، للخروج من الوضع الاقتصادي المتردي وما ينعكس عنه من اثار على الشعب الفلسطيني".
وأوضح: "مطلوب من الحكومة والقطاع الخاص، وضع برامج تشغيل مؤقتة مشتركة، تحاول استيعاب ما يقارب 80 ألف، يدخلون إلى سوق العمل سنوياً، ولا يحصل سوى الاف منهم على وظائف في القطاع الحكومي أو الخاص، ويتسرب الاف اخرون للعمل في الداخل المحتل، أو يتجهون للهجرة".
وقال إن "الحكومة تعمل الان على الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، ولا نتوقع منها نتائج فورية للتخفيف من الأزمة القائمة، لكن إن تم صياغتها وتنفيذها بشكل مناسب، ستساهم بحل جزء من الإشكاليات".
"انتشار العنف في المجتمع، لا يتعلق فقط بالنواحي الاقتصادية، بل لها أسباب سياسية واجتماعية، يجب أن يتم علاجها مع العائلات وفي المدارس والجامعات، ووضع خطط إصلاح شاملة لها"، يبين عبد الكريم.
ويوضح الصالحي، "المسؤولية المباشرة لا تقع على الأفراد الممارسين لهذا السلوك وحدهم، حيث لا يوجد بيئة اقتصادية جيدة وبيئة أمنية جيدة للأفراد في الضفة الغربية ولا قطاع غزة للتوجه نحو خيارات طبيعية للحصول على المال".
ويضيف: "على الحكومة الاستثمار أكثر في سياسات التشغيل والبرامج الاقتصادية الاجتماعية، والتي تعالج المشاكل من جذورها، لا التي تحمل بطابعها حلول شكلية قد تزيد الفجوة بين الفقراء والميسورين في المجتمع".
"الحالة العامة جميعها بحالة لعلاج بنيوي، كما في الحالات المرضية البيولوجية، من الممكن أن تعطي المريض مسكناً للآلام لكن هذا لا يعالج المرض، نحن بحاجة لعلاج جذري في المجتمع يكون من خلال سد الفجوات الاجتماعية بين الأفراد والحد من ظاهرة الفقر وقلة الاقتدار، ولا بد من التركيز على مسألة محاربة الفساد، فالفساد يدفع الأفراد للنظر للحيز العام على أنه مستباح"، يؤكد الصالحي.