فلسطين المحتلة - خاص بقدس الإخبارية: “بعد ما شاب ودّوه عالكتّاب” دائماً ما كنّا نسمع هذا المثل عندما يكبر أحد ما ثم يفكّر في إتمام دراسته، لكنّ الفلسطينية وفيقة ذياب من الداخل الفلسطيني المحتل لم تُعر ذلك اهتمامًا وإنّما أحيَت حُلماً بداخلها، وكبُر عاماً بعد آخر حتى آن أوانه ليُصبح حقيقة وواقعًا عاشته وستعيشه في ستينيّات عمرها.
بالطموح والمُثابرة والعزيمة، نستطيع تحقيق ما كنّا نتمناه في صغرنا حتى لو مرّ على هذه الأمنية سنوات عديدة، هكذا قالت ذياب في حديث مع “قدس الإخبارية” وهي أم لثلاثة أبناء، وقالت أنا من أنصار المقولة "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".
الحياة العملية بعد الثانوية
أنهت ذياب البالغة من العمر (65 عاماً) الثانوية العامة عام 1972، وكان حصول الفتاة على هذه الشهادة في ذلك الوقت إنجازاً عظيمًا، ثم حصلت على وظيفة في البنك العربي ببلدتها طمرة وعملت فيه لمدة ست سنوات. في تلك الفترة تزوّجت وأنجبت طفلتها البكر.
لم يكن العمل في البنك مناسبًا جداً لحياتها في ظل وجود مسؤوليات منزلية وواجبات، خاصة أنها كانت تعمل ستة أيام من بينها ثلاثة في دوامٍ مسائي، فقرّرت أن تعمل كـ”سكرتيرة” في إحدى المدارس وذلك منذ عام 1979 وحتى 2012، هنا انتهى عمل ذياب بسبب إحالتها للتقاعد.
حلم دراسة المحاماة
طوال تلك السنوات لم تغب دراسة “المحاماة” عن تفكيرها أبداً، حتى قرّرت أن تخوض التجربة وتبدأ بالدراسة بشكل فعلي، لكن سبق ذلك بعض المشاورات العائلية، كما تقول ذياب لـ”قدس”، وتضيف: “حظيتُ بتشجيع كبير من زوجي وأبنائي، لكن بقي السؤال هل تستطيعين في هذا العمر أن تدرسي وتحفظي وتحلّلي وتناقشي وأشياء أخرى كثيرة، فمهنة المحاماة ليست سهلة أبداً، وبفضل الله سجّلت في “مركز أكاديمي كرميل” بمدينة حيفا وهو عبارة عن كليّة”.
فعلياً، بدأت ذياب الدراسة في شهر شباط/ فبراير 2013 فكان عامًا مليئاً بالنجاح وتخطّي الصعاب والعقبات، دراسة مسائية من الرابعة وحتى العاشرة، تصل منزلها لتحضّر لليوم التالي وقد تنتهي مع ساعات الفجر، ورغم ذلك كانت وعائلتها أيضًا سعيدة بهذا الإنجاز، لكن جاء ما لم يكن في الحُسبان.
إصابتها بالسرطان
“أُصبتُ بسرطان الثدي في السنة الثانية من التعليم، وصدقاً كانت الصّدمة آنيّةً فقط، أثارتني وأعادتني لرشدي في اللحظة والثانية، وقلت لنفسي.. ماذا .. هل سأقف هنا.. هل سأتنازل عن تحقيق حلمي وإتمام دراستي بعدما صعدت الدرجات الأولى في السلّم.. أبداً لن يحصل ذلك”.. بتلك الكلمات التي تحمل عزيمة قويّة قالت ذياب.
كانت تذهب خلال ساعات النهار وتأخذ علاجها الكيماوي وبعد جلسة العلاج على الفور تحمل نفسها للدراسة، رغم أن الأطباء حذّروها من الجُهد والتّعب وأن مناعتها ضيعفة كما أن الوقت كان في فصل الشتاء والأمراض منتشرة، وأوضحت: “قدرة ربّانية كانت تمدّني بالقوّة وعدم الانهزام للمرض”.
وتُضيف: “كان تحصيلي في السنة الثانية أفضل بكثير من السنة الأولى، حتى وصلت إلى السنة الأخيرة عام 2016 وتخرّجت فكان عيداً بالنسبة لي ولزوجي وعائلتي، فكل ما كنت أتمنّاه قد تحقّق، وبقي شيء واحد ترخيص مزاولة المهنة”.
تخطّت ذياب امتحان مزاولة المهنة في الثاني عشر من شهر كانون أول/ ديسمبر الماضي 2019 بنجاح، وفي الـ30 من الشهر الجاري ستحصل على العضويّة في نقابة المحامين الإسرائيلية وبذلك تكون قد أنهت مرحلتها العلمية لتبدأ العمليّة.
في رسالتها عبر “قدس الإخبارية” قالت المحامية وفيقة ذياب: “الحمد لله، أنا أشجّع كل امرأة كانت تتمنى أن تكون شيئاً ما في حياتها، وأن ترى بأن الحدود هي السماء، لا عمر ولا مرض ولا أي شيء يمكن أن يحول بينها وبين تحقيق طموحها، وذلك بالاجتهاد والإصرار والمثابرة، فتلك غذاء للروح والنفس.