تكررت مؤخراً في ساحات الجامعات الفلسطينية رقصة "الهارليم شيك"، التي يؤديها بعضُ الطلاب ويصورونها ومن ثم ينشرونها على وسائل الإعلام الاجتماعي. فقد انتشرت على الفيسبوك مؤخراً
أفلام قصيرة لهذه الرقصة من جامعة النجاح في نابلس، وجامعة بيت لحم.
رقصة "الهارليم شيك"، رقصة ابتكرها استرالي في ثمانينات القرن الماضي، ولكنها لم تأخذ صداها آنذاك، حتى شباط من العام الجاري حين قامت مجموعة من الشباب الأمريكي بأدائها وتصويرها في مقطع فيديو لا تتجاوز مدته 31 ثانية، حصل خلال أربعة أسابيع على 19 مليون مشاهدة. وقد انتشرت الرقصة في أوروبا وأمريكا وبعض الدّول العربية كمصر وتونس.
وتعتبر "الهارليم شيك" امتداداً لرقصات "الراب" و"الهيب هوب"، ويجتمع مؤدوها في مكان ما، يضعون أحياناً أقنعة على وجوههم، ويقومون بحركات عشوائية أشبه بالهلوانية، وقد ينزعون بعض ملابسهم فيما يسمونه "عبّر عن نفسك بالرقص". والمُشاهد لهذه الرقصة وحركاتها يشعر أن لا معنى وراءها سوى تفريغ طاقة أو تفريغ نفسي أو محاولة للفت الأنظار على أصوات موسيقى صاخبة. وبينما يعتبر البعض هذه الرقصة "موضة" مؤقتة سرعان ما تختفي، إلا أن آخرين يظنون أنها قد تتطور ويتسع نطاقها بشكل سلبي، خاصة أن الرقصة يشترك بها الذكور والإناث وتصاحب رقصهم الهستيري إيحاءات جنسية خادشة للحياء العام.
وقد عبر بعض الطلبة لـ"شبكة قدس" عن استنكارهم لما أسموها "الظواهر الدخيلة على ثقافتهم وقيم مجتمعهم". وقد طالبوا باتجاذ الإجراء المناسب اتجاه من يؤدي هذه الرقصة دون "أدنى احترام لحرمة الحرم الجامعة" على حد تعبيرهم. بينما أبدى آخرون استهزاءهم بالرقصة معتبرين أداءها مجرد "وسيلة للفت النظر لا أكثر ولا أقل". وعلق أحد الطلاب: "وجود هذه القلة في الجامعات لا يُعبر عن بقية الطلاب". أما إدارة الجامعات فلم تهتم بالموضوع ولم يُسجل لها موقف بارز اتجاه الأمر.
الرقصة لم تنتشر بين قطاع الشباب فقط بل كان للأطفال نصيبٌ منها، حيث ظهر أفراد عائلة "سامبسون" – المسلسل الكرتوني الأمريكي الشهير – وهم يؤدون هذه الرقصة. للسياسة نصيب من الرقصة أيضاً، إذ بات الشباب يستخدمونها في تعبيرهم ضد الأنظمة في الوطن العربي. على سبيل المثال قامت مجموعة من الشباب المصري بتأدية الرقصة أمام مكتب الإرشاد الخاص بجماعة الإخوان المسلمين للإحتجاج على سياسات الإخوان بمصر وفي السياق نفسه استخدمها بعض شباب الإخوان؛ للسخرية من جبهة الإنقاذ المصرية، وفي تونس استخدمت للإحتجاج ضد السلفيين.
وقد قامت مجموعة من الشباب التونسي بالردّ على رقصة "الهارليم شيك" بفيديو انتشر على موقع اليوتيوب بعنوان
"رقصة الهارليم شيك: رقص على مآسي الأمة" حيث يظهر بالفيديو طلبة يرتدون رموزاً تعبر عن المآسي المتجلية على البلاد من صراعات وتناحرات وقضية سوريا وفلسطين ويأتي فجأة شخص يرتدي رموزاً أجنبية يتراقص بين ألمهم غير مبالٍ بدموع الحزن وهمومهم.
السرعة والأمركة والبعد عن هموم الأمة
يبدو أن عصر السرعة الذي يفضل فيه الشباب كل ما هو سريع الإيقاع كان أحد أسباب انتشار الرقصة بينهم. إضافة إلى مسار "العولمة المأمركة" التي تُصدر عبرها كل انتاجات أمريكا إلى العالم أجمع، مساهمة في تشكيل شعور اللاوعي لدى البشر. عدا عن ذلك، قد تكون الضغوطات التي يتعرض لها الطلبة في ظل الواقع المركب من ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية صعبة تدفعهم للهروب منها بأي طريقة مللاً أو يأساً في مواجهتها.
الواقع العربي والفلسطيني المركب المتراقص على الهارليم شيك
في ظل المجريات والتحديات التي تعيشها الأمة العربية عامة والشعب الفلسطيني خاصة، من مشاكل إجهاض الثورات، والإنقسام، وصيحات مخاض سوريا قبل ولادتها العسيرة و زيارة أوباما المرتقبة في 20 آذار المقبل وغيرها الكثير مما أصاب جسد وطننا النحيل، نجد الشباب يتخذون لأنفسهم مواقع مختلفة فمنهم من اختار أن يستعرض رقصة كهذه في حرم جامعته ومنهم من فضّل أن يتخذ موقعاً آخر مختلف تماماً فتلثم بالكوفية الفلسطينية منطلقاً اتجاه حواجز الاحتلال، مدركاً دوره و واجبه المنوط به في بناء المستقبل.
ولعل اللوم يقع على الوعي العام الذي يجب أن تقوم بممارسته الجامعات في ربط الطلبة بواقعهم وهمومه والإحاطة بمجرياته ليبقوا على اطلاع له يدركون دورهم والموقع الذي يجب أن يبرزوا فيه. كما أن لمؤسسات المجتمع المدني المختلفة دوراً في مساندة الجامعات؛ لخلق حالة من الوعي بدل التغييب الملحوظ على الشارع الفلسطيني. ختاماً، فإن السبل ليعبر الإنسان عن مشاعره وأفكاره كثيرة، سبل تليق بفطرته الإنسانية على الأقل وتليق بثقافته وإرثه الديني والعربي.