القدس المحتلة - خاص بقدس الإخبارية: كانت عدسته تلتقط كلّ زاوية من زوايا مدينة القدس، هو من صوّر ذاك العجوز الفلسطيني الذي كان يحمل في يده “شعر البنات”، وصوّر أيضًا الفلاحات الفلسطينيات بين جنود الاحتلال، وفي شوارع القدس وهنّ يبِعن النعنع والفقوس والميرمية، والكثير الكثير من جمال القدس وسمائها وتاريخها ومقاومة أهلها وشبابها للمحتل.
مصطفى خاروف (32 عاماً) ذاك الشاب الذي حاولت سلطات الاحتلال ترحيله للأردن، لكنّه رفض ذلك واختار السّجن على أن يتم ترحيله لأي مكان بعيداً عن القدس، فحتى لو لم يولد فيها، فهو ترعرع بين شوارعها وأزقّتها، فأحبّته المدينة كما أحبّها ولم تقبل برحيله فقد احتضنته نحو عشرين عاماً من طفولته وشبابه، لكنّ الاحتلال يُصر على إبعاده عنها.
ولنعود قليلاً بالذاكرة، اعتقلت شرطة الاحتلال المصور خاروف في 22 كانون ثاني/ يناير 2019، وبقي رهن الاعتقال في سجن "غفعون" المخصص لترحيل العمال الأجانب غير القانونيين بالنسبة لسلطات الاحتلال، حتى تم الإفراج عنه في الرابع والعشرين من شهر تشرين أول/ أكتوبر الماضي.
وخلال اعتقاله، تم تقديمه لعدّة جلسات في المحاكم حيث طالبت نيابة الاحتلال بإبعاده عن القدس لأنه مولود في الجزائر، رغم كونه وكافة أفراد عائلته من سكان القدس، كما أنه متزوج ولديه طفلة “آسيا”.
وبعد أن قرّرت سلطات الاحتلال ترحيله للأردن، ورغم رفضه ذلك، رفضت الحكومة الأردنية استقباله بعدما انتشرت حملة إلكترونية تضامنية على مواقع التواصل الاجتماعي مع خاروف تحت وسم “لا لترحيل مصطفى” وطالب فيها الرواد والنشطاء، الأردن، برفض ترحيل خاروف إليها.
تلك كانت الحكاية، واعتقدنا بأنها انتهت، لكنّ خاروف ما زال اليوم مهدد بالترحيل عن القدس، حيث تُحاول “إسرائيل” أن تُثبت بأنه جزائري بكافة الطرق، لكنه لا يمتلك أي وثيقة تُثبت ذلك، ولا مكان له سوى القدس.
وفي حديث لـ”قدس الإخبارية” مع المصور خاروف يقول إنه خرج من السجن بعد دفع كفالة مالية بقيمة 12 ألف شيقل، والتوقيع على أخرى بقيمة 15 ألف شيقل، إلى جانب كفالة طرف ثالث بقيمة 10 آلاف شيقل.
ويُضيف أن شروط الإفراج لم تتوقف على الكفالات وحسب، بل جاء ضمن الشروط أنه يُمنع من الخروج من منزله في بلدة بيت حنينا شمالي القدس من الساعة العاشرة مساءً وحتى الخامسة فجراً، كما أُعطيَ مهلة لمدة 21 يومًا لإجاد حل، إما أن يغادر البلاد بنفسه أو يحصل على إقامة.
ويُشير إلى أن المهلة قد انتهت، من خلال محاميه تم تمديدها لمدة ثلاثة شهور، وهو بالتالي يرفض الخيار الأول أما الخيار الثاني فالاحتلال يرفضه.
تدّعي وزارة الداخلية التابعة للاحتلال بأن خاروف مقيم غير شرعي في مدينة القدس، التي يسكن فيها منذ عام 1999 بعد أن عاد مع عائلته من الجزائر التي ولد فيها، وبدأت من حينها محاولاته لاستصدار هوية للم شمله مع عائلته، لكن دون جدوى.
ويوضح لـ”قدس الإخبارية” أنه عندما خرج وعائلته من الجزائر لم يكن هناك أي قرار يسمح للأم بمنح أبنائها الجنسية، لافتاً إلى أن هذا القرار صدر عام 2004 أي بعد سنوات من خروجه من الجزائر.
معاناة مصطفى لم تتوقف، حيث يقوم أسبوعياً باستصدار “فيزا” جديدة للسماح له بالإقامة في مدينة القدس، ولا يأخذها بسهولة أبداً، ويقول: “أحتاج وقتاً طويلاً وأنا أجلس للموظف في مكتب دائرة الهجرة في “ريشون لتسيون/ قرب تل أبيب” كي يجدّد لي الفيزا، وأحصل عليها بالفعل لكن بعد مشادات كلامية ونقاش طويل عقيم”.
ويؤكد أن شرط إعطائه "الفيزا" وتجديدها له أسبوعياً، منعه من العمل نهائياً مع أي مؤسسة أو وكالة كانت، مع العلم بأنه كان مصور لوكالة الأناضول التركية في الأراضي الفلسطينية قبل اعتقاله.