القدس المحتلة - خاص بقدس الإخبارية : صندوق صغير من الكرتون، تجرّه من خلال قطعة قماش بكامل قوّتها من خارج أسوار البلدة القديمة في القدس باتجاه المكان الذي تجده مناسبًا لتبيع بضاعتها من الخضراوات أو المجففات في أسواق البلدة، تسلّم على هذا وذاك، وتردّ السلام على من أفشى السلام، فمن لا يعرف تلك الفلاحة الفلسطينية؟
لم يحزن عليها أهل المدينة وحسب، بل حزنت عليها القدس وشوارعها وأزقتها، فكل شبرٍ في المدينة يشهد على كفاحها وتعبها وتضحيتها، حتى أتانا نبأ الوفاة الصادم والمحزن.
“أم حسين” هي المرأة الفلسطينية الحديدية التي لا تعرف طقسًا حاراً ولا باردًا، ولا تعلم ما هو التعب والإجهاد والمرض، كانت تخرج كل يوم من منزلها في السواحرة الشرقية متوجهة نحو مدينة القدس، وبالتحديد في “باب العامود” لتبيع الملبن والزبيب وورق الدوالي والكثير من خيرات البلاد.
منذ عام 1967 وهذه السبعينية تحمل بضاعتها، تنقلها عبر وسائل النقل المختلفة حتى تصل القدس وهناك تبيعها. كانت تُعيل “أم حسين” عائلتها، فزوجها لم يكن يعمل بسبب وضعه الصحي وتوفّي قبل نحو عشرين عامًا، وكان لا بدّ من إيجاد حلّ يوفّر لها دخلًا يوميًا.
نعيمة حاتم حمدان عبيدات المعروفة بـ“أم حسين” تعرّضت لحادث دهس يوم الإثنين الـ16 من شهر كانون أول/ ديسمبر الجاري، وعلى إثره تعرّضت لعدّة كسور في جسدها ونزيف في الدّماغ بحسب ما قاله أحد أقربائها سليم عبيدات لـ”قدس الإخبارية”.
كانت تُعيل ستة أبناء، خمسة ذكور وأنثى، حتى تزوّجوا جميعًا وأصبح لديهم أبناء، وبقيت تعيش مع ابنها علي وزوجته وأولاده، فـ”علي” واثنان من أبنائه من ذوي الاحتياجات الذين يرتادون مدارس خاصّة للصم والبكم في مدينة بيت لحم.
جلّ اهتمام “أم حسين” أن توفّر اللازم من أجل إعالة تلك العائلة، حتى يوم الحادث كانت قد وضعت حاجيّاتها في أحد المحال التجارية تُريد أن تقطع الشارع، لشراء حلويات وسكاكر لأحفادها، وما إن وضعت رجلها على الشارع حتى جاءت سيارة مسرعة فأوقعتها أرضًا وأصابتها بشكل بالغ.
نُقلت عبر سيارة الإسعاف لأحد المراكز الطبية في أبو ديس، تمت الفحوصات اللازمة لها، لكنّ وضعها استدعى نقلها إلى إحدى مشافي مدينة رام الله، وفي اليوم التالي أُعلن عن وفاتها.
بحسب المسعف الذي قدّم العلاج الأولي لها، قال إنه رغم حدّة إصابتها إلّا أنها لم تكن تعاني من أي مرض، ولم تحصل على أدوية بشكل مستمرّ بسبب مشكلة صحية معيّنة.
رحلت إحدى معالم العاصمة المحتلة “أم حسين” عن القدس ورثاها من رثاها من أبناء المدينة التي عرفوها، وحفظوا انحناءة ظهرها، وتجاعيد وجهها، وملامحها الحنونة والطيّبة فكانت أمّهم وأختهم وجارتهم، كانوا يفقدونها وقت المرض، ويسألون عن أحوالها وقت الشدّة، رحلت .. وتركت مكانها خاليًا.