قطاع غزة- خاص قُدس الإخبارية: داخل مقر مستشفى "الصداقة" التركي بمحررة "نتساريم" جنوبي مدينة غزة، تتكوم أجهزة ومعدات طبية لم تحرك ساكنًا لمجرد الاختبار أو لتُعالج مريضًا يجري تجهيزها منذ 2015، وينفض عاملون غبار الزمن عنها كلّ صباح ومساء، لحمايتها من التلف.
وفي التفاصيل، فإن البداية كانت حين تكللت زيارة "وفد من الجامعة الإسلامية بغزة"، إلى تركيا خلال عام 2011، بتلقي دعم لإنشاء مستشفى "الصداقة" لطلبة كلية الطب، لكنه سرعان ما دخل في إطار التسويف والمناكفة، مع دخول حكومة الوفاق برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، مما تساؤلات على الساحة والرأي العام الفلسطيني، بحسب البروفيسور يوسف رزقة، والقيادي في حركة حماس.
كيف جاء؟
يشرح رزقة الذي شغل منصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء إسماعيل هنية قبل تسليم الحكومة، أنه في عام 2011 زار رئيس مجلس أمناء الجامعة الإسلامية، النائب جمال الخضري، ورئيس الجامعة كمالين شعث، تركيا، والتقوا برجب طيب أردوغان وكان يشغل حينها منصب رئيس الوزراء، وقدموا له شهادة الدكتوراة الفخرية على مواقفه المؤيدة لقطاع غزة واهتمامه بالحقوق الفلسطينية.
وقال رزقة لـ"قدس الإخبارية"، إن الخضري وشعث أطلعا أردوغان خلال الزيارة على كلية الطب التي أنشأتها الجامعة الإسلامية، وعلى حاجتها إلى مستشفى جامعي، فأوعز الأخير للجهات الرسمية بإجراء الرسومات اللازمة لإقامة المستشفى التركي في محررة "نتساريم" وخصصت الحكومة التي رأسها هنية -في حينه- قطعة الأرض.
لاحقًا، زار وفد تركي قطاع غزة والجامعة الإسلامية، وأشرف على الموقع ووضع حجر الأساس، وعينت الجامعة مهندسين من داخلها للإشراف على المبنى، كما عينت طبيبًا للإشراف على الجانب الطبي، وتم متابعة البناء حتى اكتمل بشكله النهائي في 2015- 2016.
في هذه الفترة، بدأ اتفاق لتسليم الحكومة بغزة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الحمدالله، وتواصل الأخير مع الأتراك والتقى الجانب التركي، وناقش معهم فكرة تشغيل المستشفى التركي في قطاع غزة، كما يذكر رزقة.
وأشار إلى أن مساعي الجامعة الإسلامية بدأت قبل حكومة الحمد الله لتشغيل المستشفى بالتعاون مع الأتراك على أن يقوموا بتشغيله بشكل مشترك بتوفر الأموال اللازمة لمدة من 3- 5 سنوات، ثم يؤول التشغيل إلى الجامعة بشكل كامل.
ويوضح، أن "هذه المباحثات المالية كانت تتطلب إجراءات قانونية في الموازنة التركية"، مشيرًا إلى أنها "لم تحدث"، مضيفًا: "حين دخل الحمد الله على خط المباحثات مع الحكومة التركية، رأت الجامعة أن تسلّم المستشفى إلى حكومة الوحدة في عام 2017، باعتبارها ممثلة غزة والضفة، بشرط أن تستفيد منه الجامعات وكليات الطب في الجانبين التعليمي والتدريبي".
واتهم خلال حديثه حكومة الوفاق برئاسة الحمدالله، بأنها "لم تصنع شيئًا؛ لأنها كانت تستكثر أن يكون هذا المبنى -بمساحته وأسرّته- في قطاع غزة"، وبعدها حكومة اشتيه كذلك، وفق قوله.
ورأى رزقة أن تصريح اشتيه حول المشفى التركي، بأنه "أقوال إعلامية فارغة"؛ لأن غزة تنتظر القرار المالي للأتراك، الذي سيدرس ربما في العام المقبل أو أكثر من عام، حتى تخصص التكلفة المالية، لأنها ربما ستتجاوز الـ 5 ملايين دولار سنويًا إذا ما تم افتتاح الأقسام المختلفة فيه"، كما يقول.
اتهامات
في 8 ديسمبر/كانون أول الجاري، دعت وزيرة الصحة الفلسطينية، مي الكيلة، إلى الإسراع بتشغيل مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني في قطاع غزة، وذلك خلال اجتماع، مع رئيس الوكالة التركية للتعاون الدولي "تيكا" أحمد رفيق شتنكايا، الذي توقع أن يصادق البرلمان التركي على الموازنة التشغيلية للمستشفى الذي يتسع لـ 180 سريرًا، خلال الشهر الجاري.
وفي اليوم التالي لهذا اللقاء، أعلن رئيس الحكومة الفلسطينية الدكتور محمد إشتية، في مستهل جلسة مجلس الوزراء يوم الإثنين 9 ديسمبر الجاري، عن بدء تشغيل المستشفى التركي في غزة ردًا على المستشفى الميداني الأمريكي شمال القطاع.
وأشار إلى أن الحكومة في المراحل الأخيرة للاتفاق مع الأصدقاء الأتراك لتغطية المصاريف التشغيلية لهذا المستشفى، الذي هو جاهز للعمل فورًا، بحسب اشتيه في اجتماعه.
وعقبت حركة حماس على تصريح إشتية حول المستشفى التركي، قائلةً "إن هذا التصريح يؤكد ما ذهبت إليه حماس دائمًا، من أن السلطة هي الجهة المعطلة لافتتاح المستشفى التركي بعد استلامه عام 2017، كجزء من خطتها لحصار غزة صحيًّا، الأمر الذي تسبب بتفاقم الوضع الصحي، وموت العديد من المرضى الذين حُرموا من حقهم في العلاج".
وأضافت حماس في تصريح على لسان الناطق باسمها فوزي برهوم، أن "المستشفى الميداني الدولي جاء نتاجًا لمقترح الوسطاء في إطار بحث البدائل للتخفيف من معاناة المرضى الناتجة عن الحصار الظالم، والعقوبات الانتقامية التي مارستها السلطة والاحتلال الصهيوني على أهلنا في قطاع غزة".
الإسلامية: لا تعليق
وقدمت العلاقات العامة بالجامعة الإسلامية، اعتذار إدارة الجامعة عن التعليق على ملف المستشفى التركي بشكلٍ رسمي، فيما أفاد مصدر خاص من إدارة الجامعة الإسلامية -طلب عدم ذكر اسمه-، بأن السبب وراء رفض الحديث الآن، أنها "تنأى حاليًا بنفسها عن المناكفات السياسية؛ فحينما تتحدث عما حصل خلال السنوات الماضية من مماطلة وإهمال وتسويف، ستدخل في إطار المناكفات"، لافتًا إلى أنها تنتظر أن تُثمر الجهود الحالية لتتحدث بكل شيء عبر الإعلام.
وكشف المصدر لـ"قدس الإخبارية"، أن المستشفى سيتحول بموجب الاتفاق الحكومي من مستشفى أكاديمي تعليمي تدريبي إلى "أهلي"، مؤكدًا موافقة الجامعة على ذلك، ونقلها تدريب الطلاب لمجمع الشفاء والمستشفى الأوروبي.
رام الله توضح
وأكد المتحدث باسم وزارة الصحة في رام الله أسامة النجار، ما تطرق إليه يوسف رزقة بأن تشغيل المستشفى مرهون بالقرار التركي.
وأكد النجار لـ"قدس الإخبارية"، أنه سيتم تشغيل المستشفى بعد أخذ موافقة البرلمان التركي، منوهًا إلى أن تشغيله مرهون بـ"الإجراءات لدى الأتراك".
ولم يرد النجار على الاتهامات التي أطلقتها حماس، بأنهم المعطلين له منذ تسليمه في العام 2017، أو ما إذا كان رئيس الوزراء إشتية قد أوعز للصحة بمتابعة ملف المستشفى.
الحكومة تؤكد حاجته
وبشأن اتهامات حماس للسلطة بإعاقته، أكد المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية، إبراهيم ملحم، عدم رغبة الحكومة بالدخول في سجالات أو اتهامات مع أي جهة، مشددًا على أنهم يولون الاهتمام والجهد من أجل عمل المستشفى.
وقال ملحم لـ"قدس الإخبارية"، إن الحكومة تؤكد أن المستشفى سيعمل وأن اتصالاتها مع الأتراك لم تتوقف، مشيرًا إلى أنها تنتظر فقط توفير المصاريف التشغيلية.
وجدد حرص الحكومة على تشغيل المستشفى التركي بإدارة وزارة الصحة، مضيفًا: "ننتظر قيام الأصدقاء الأتراك بتقديم تعهدهم بشأن المصاريف التشغيلية للمستشفى، وهذا سبب تأخير عمل المستشفى، وباللحظة التي سيدفعون المبالغ التشغيلية، ستباشر وزارة الصحة فورًا إدارة المستشفى".
وردًا على ما يقال إن المحاولات بدأت متأخرة بعد المستشفى الأمريكي الميداني، أكد ملحم أن المحاولات لم تتوقف طوال السنوات الماضية وكانت جادة منذ اليوم الأول للإعلان عن المستشفى التركي، وليس الأن فقط.
وأضاف، "أن الحاجة باتت ملحة أكثر الأن لوجود خدمات طبية متطورة، الأمر الذي دفع الحكومة إلى أن تطلب من الأصدقاء الأتراك التسريع في عملية دفع الرسوم التشغيلية، وليس فقط ردًا على المستشفى الأمريكي"، لافتًا إلى أن الجدية موجودة كانت ولا زالت ومستمرة في التعامل مع تقديم كل ما من شأنه أن يوفر خدمة طبية عالية لأهلنا في غزة".
تركيا.. لا تعطيل
وكشف مصدر خاص من إحدى المؤسسات التركية المطلعة على تنفيذ المستشفى بقطاع غزة، تفاصيل ما تم التوصل إليه.
وقال المصدر لـ"قدس الإخبارية"، إن هناك اتفاقية لتشغيل المستشفى وقعت بين وزارة الصحة التركية ونظيرتها الفلسطينية منذ عامين في عهد وزير الصحة الفلسطينية السابق جواد عواد، ومن بنودها إدارة مشتركة للمستشفى لمدة 3 أعوام.
ووفقًا للاتفاقية تلتزم تركيا بدفع 43 مليون دولار، لتغطية المصاريف التشغيلية خلال الـ 3 أعوام، قائلاً إن مبلغ كهذا ليس بميزانية "تيكا" المشرفة على تنفيذ المشروع، ويحتاج إلى مصادقة البرلمان التركي.
ويتوقع، أن يصادق عليه البرلمان -بحسب متابعته للقرارات التي وصل إليها البرلمان- خلال جلسته المقبلة أو قبل نهاية العام الجاري.
وعن اتهام السلطة بـ"المماطلة" وصفها بـ"أنها إشاعات وردود أفعال"، موضحًا أن الجهود بدأت منذ 3 أعوام، ووزيرة الصحة مي كيلة تضغط بشكلٍ مستمر، من أجل تشغيليه "بانتظار مصادقة البرلمان على موازنته".
كما أكد مصدر مطلع خاص من الحكومة التركية أيضًا، على المشاريع التي تنفذها بلاده في قطاع غزة، ما ذهب إليه مصدرنا السابق بعدم وجود تعطيل من قبل أي جهة.
واستغرب المصدر تصريحات رزقة التي قال فيها إن الجامعة الإسلامية سلمت المستشفى لحكومة الوفاق، لافتًا إلى أن الجامعة لم تستلمه من مؤسسة تيكا المشرفة على تنفيذه، حتى تسلمه لحكومة الوفاق.
وعلّل المصدر الحكومي التركي خلال حديثه لـ"قدس الإخبارية"، أن أحدًا لم يعطل المستشفى؛ لأنه انتهى من التجهيز خلال شهر 10/2019، من ناحية المباني والأجهزة والتمديدات الكهربائية.
وقال: إنه تم الانتهاء من بناء المستشفى "فقط" بين عامي 2011 و2016، فيما انتهى تجهيز المباني من عام 2017 وحتى 2018، مشيرًا إلى أنه بدأ بعد ذلك تمديد شبكة الكهرباء للمستشفى من شهر 11/2018 وحتى شهر 5/2019.
وأوضح، أن ملف خبراء تقييم الموازنة للمستشفى، دخل البرلمان التركي وأخذ دورًا خلال الشهر ذاته، متوقعًا أن يناقشها خلال الشهر الجاري 12/2019 واعتماد موازنته ضمن الموازنة العامة للحكومة التركية، وأن يحدد البرلمان المبلغ حسب تقييم الخبراء وتوصياتهم.
وأشار إلى أن المستشفى أقيم على أرض حكومية "تخصيص"، وبلغت تكلفته 50 مليون دولار، مؤكدًا أن المستشفى أصبح "حكوميًا" حسب البروتوكول مع وزارة الصحة الفلسطينية الموقع في عهد الوزير عواد، وسيتبع لوزارة الصحة الفلسطينية لمدة 3 سنوات وسيعمل بلجنة مشتركة بين وزارة الصحة التركية ونظيرتها الفلسطينية.
وعن تفاصيل مستشفى الصداقة، أوضح المصدر الحكومي، أن المساحة الإجمالية للمباني 33.5 دونمًا.
ويضم المستشفى 182 سريرًا، ويتكون من 8 مبني بين جناحيها: "الإدارة، العيادات الخارجية، والأشعة، والمختبرات، والطوارئ، وبنك الدم، والنساء والولادة، والعمليات، والطب الشرعي، والمناظير، والصيدلية، وجناح المبيت، والمطبخ، ومغسلة، وبدروم "فيه تأسيسات ميكانيكية وكراج سيارات".
ومن أقسام المستشفى: الكلى وتفتيت الحصى، والحضانة، والعناية المركزة، والعناية الممتدة.