فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية : “لم أفكّر في أي شيء سوى الرضيعين الذين لم يتجاوزا عامهما الأول، حينما حاول أحد الجنود الإسرائيليين فتح قنبلة الغاز المسيل للدموع، وإطلاقها داخل المنزل، حينها تداركت الأمر، توجّهت نحوه ودفعت يده، فأصبحت القنبلة على الباب ثم للخارج”.
الدكتورة وداد البرغوثي لم تكن فقط شاهدة على “انتفاضة الحجارة” عام 1987 بل كانت إحدى المُقاومات والمُدافعات عن حقّهن وبيتهنّ وأولادهنّ، وكانت من بين نساء فلسطين اللواتي شاركن الرجال بالعمل النضالي المُقاوم في الميدان.
النساء في حينها لم يقتصر دورهنّ على العمل في منازلهن وحقولهنّ فقط، بل تعدّى ذلك إلى المشاركة في الميدان من خلال رشق الحجارة وتجميعها للشبان، ونقل الجرحى والمُصابين إلى المراكز الطبية والمشافي، بل كنّ أيضاً يُداوين بخبرتهنّ بعض الإصابات لحين وصول الطواقم الطبية.
وهاي هي الدكتورة البرغوثي، تستذكر حادثةً حصلت معها حينما كان زوجها مُطارداً، حيث اقتحم جنديان إسرائيليان منزلها في بلدة كوبر شمالي رام الله، بحجة البحث عن زوجها، وبعدما فتّشاه، حاولا إجبارها على إزالة شعارات وطنية تتعلّق بمجزرة “صبرا وشاتيلا” عن جدار منزلها بنفسها.
رفضت البرغوثي ذلك مراراً، خرجا من المنزل، كانا جنديين فأصبحا أربعة، حيث كانوا يحملون معهم حجارة، فسألوها: “بدك تمسحي اللي عالجدار وإلا نشتغل شغلنا”، قالت لهم: “اشتغلوا شغلكم”.
فبدأ الجنود بإلقاء الحجارة باتجاه نوافذ المنزل الزجاجية من الداخل وتكسيرها، ويسألون نفس السؤال، وأُجيب بذات الإجابة - تروي البرغوثي- حتى أخرج أحدهم قنبلة غازية سامّة وكاد أن يفتحها، لولا أنني تداركت الأمر، وتذكرت بأن في منزلي أم زوجي وهي كبيرة في السن ومريضة، وطفلي الذي لم يتجاوز الثلاثة شهور، ورضيع آخر (ابن أخ زوجي)، مسكت يد الجندي وأبعدت القنبلة ودفعته باتجاه الباب.
وتُضيف لـ”قدس الإخبارية”: “وقعت القنبلة عند الباب ثم تدحرجت للخارج، فانهال علي الجنود بالضرب بأعقاب البنادق، وكنتُ أقام وأدفعهم بيدي، لكنّ أحدهم خلع خوذته وضربني إياها مرة، ثم أخرى، ففقدت الوعي”.
أُصيبت البرغوثي التي استطاعت أن تُنقذ عائلتها من خطر حقيقي بنزيف وكسر في الجمجمة وشلل مؤقت في نصف الوجه (استمر لمدة شهرين) بسبب اعتداء الاحتلال عليها، وكادت أيضًا أن تفقد الذاكرة لولا سترُ الله.
وتقول الأكاديمية والمحاضرة في جامعة بيرزيت “إن نساء فلسطين كنّ خلال الانتفاضة شريكات الرجال في العمل المُقاوم بالتساوي ولربّما أكثر، ففي الوقت الذي كان فيه الرجل في معتقلات الاحتلال، كانت هي التي تواجهه في الميدان، وتزرع الأرض وتنتج الغذاء منها (الإنتاج المنزلي) بالتزامن مع مقاطعة المنتجات الإسرئيلية”.
ومن ضمن المشاهد التي لا تغيب عن ذاكرتها، حينما اقتحمت العشرات من آليات الاحتلال قرية كوبر، وبدأ الجيش باقتحام المنازل واعتقال 65 فلسطينياً دفعة واحدة عقب اقتحام منازلهم وتفتيشها، ثم حلّقت طائرة عسكرية ونزلت في أرض تقع أمام منزلها ونقلت عدداً من المعتقلين وآخرين نُقلوا عبر الآليات.
أمّا الكاتب والأديب إبراهيم جوهر يقول لـ”قدس الإخبارية” إن المرأة أذهلت المحليين في فلسطين قبل العرب والغرب، حيث أثبتت أنها أصيلة كما كانت وما زالت وستظل على ذلك.
ويُضيف أن المرأة الفلسطينية ظهرت إلى جانب الرجل في العمل المقاوم من خلال رشق الحجارة، وفي نقل الجرحى للمشافي، وعلاج المُصابين بالاختناق بالغاز من خلال حملها البصل من أرضها ومنزلها.
ويوضح أنها كانت تتصدّى لمحاولات اعتقال الأطفال من قبل جنود الاحتلال، وكانت تحميهم وتقول بأنها أمهم رغم أنه لم تكن تربطها أي صلة قرابة بهم، لكن أولاد فلسطين كافة هم أبناؤها، حيث قامت بما هو مطلوب منها وأكثر.
كما يبينّ الكاتب جوهر أن النساء من كافة شرائح المجتمع شاركن في العمل المُقاوم، الأم والطالبة والجدة، جميعهنّ شاركن في انتفاضة الحجارة، حيث رأيت ذلك في معظم البلدات والقرى المقدسيّة.
كما كان لها الدور الكبير أيضاً في التخفيف عن أهالي المعتقلين، وإسناد أهالي الشهداء ومشاركتهم في تشييع جثامين أبنائهم والتخفيف عنهم.
ومثلما تأثّر الأدب الفلسطيني تأثراً كبيراً بتلك الانتفاضة وبمصطلحاتها كالحجر، الكوفيّة، الملثّم، الجريح والشهيد، تغنّى الأدباء كذلك بعمل تلك المرأة الفلسطينية المُناضِلة والمُقاوِمة حتى قال عنها محمود درويش “حارسة نارنا المقدّسة”.