الخليل- خاص قُدس الإخبارية: يقع السوق في منطقة السهلة في قلب البلدة القديمة، وكانت تباع فيه مختلف أنواع الخضار والفواكه بالجملة، لذلك سمي بـ"سوق الخضار المركزي"، وصادق وزير الحرب بحكومة الاحتلال "نفتالي بينت"، الأحد الماضي، على مصادرته والبدء بالتخطيط لبناء حي استيطاني يهودي في قلب مدينة الخليل، جنوب الضفة المحتلة.
القناة "13" العبرية، قالت إن الحي الاستيطاني سيقام فيما يعرف بسوق "الخضار/الجملة" بالخليل، استجابة لعريضة قدمها آلاف المستوطنين في أغسطس/آب الماضي، تطالب حكومتهم بالموافقة على بناء مستوطنة جديدة في موقع السوق.
كما ذكرت وسائل إعلام الاحتلال، أنه "سيتم هدم مباني السوق المملوكة للفلسطينيين، وعددها نحو 50 متجرًا، وسيتم بناء متاجر جديدة مكانها، مع الحفاظ على الحقوق الفلسطينية في الطوابق الأرضية، دون مزيدٍ من التوضيح".
في المقابل، نفى رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة "ادّعاءات المستوطنين"، بقوله "إن السوق ملك لبلدية الخليل، وتملك كل الأوراق الخاصة بذلك".
وأشار في تصريحات له، إلى أن البلدية "ربحت قضايا رفعتها على سلطة الاحتلال بشأن السوق".
تجدر الإشارة إلى أن الاتفاقيات الموقعة بين السلطة والاحتلال، تنص على وجوب الاتفاق بين الطرفين لإجراء أي إصلاحات في المنطقة، في الوقت الذي يتجاهل الاحتلال أي بنود، ويعلن عزمه التنفيذ من طرفٍ واحد في حال رفضت البلدية.
الأهالي والتجار: الخليل تضيع
شخصيات في عائلة العويوي، إحدى أبرز العائلات بالبلدة القديمة، أشارت إلى خشية العائلات من استيلاء الاحتلال على بيوتهم خاصة قرب الإبراهيمي وبمحيط السوق، وإجبارهم على إخلائها بالقوة أو هدمها، لخدمة المشاريع الاستيطانية.
وأوضحت عائلة العويوي، لـ"قدس الإخبارية"، أنهم يتعرضون لكثير من المضايقات والاستفزاز من جيرانهم المستوطنين لترك منازلهم، في الوقت الذي تتواصل فيه العروض المالية بشكل كبير وبمبالغ ضخمة مقابل ترك المنازل، وهذا ما رفضته العائلة بقوة.
وذكرت العائلة، الضغوط التي يفرضها الاحتلال على المنازل المحيطة بالسوق، حيث يواجه المكان الغرق كلّ شتاء، وتتسبب المياه بإغراق المحلات، بسبب عدم وجود أي مصرف لصرف هذه المياه، ومنعهم من قبل الاحتلال من إجراء أي تصليحات أو تركيب مصارف جديدة لمنع التسريب.
كما قال التاجر "أبو يامن العويوي"، "حياتنا أخذتها إسرائيل، الخليل بتضيع، أرزاقنا بتروح، الأرض بتتصادر والاشي الوحيد اللي بيزيد هو الاستيطان".
ولفت في حديثه لـ"قدس الإخبارية"، إلى أنه يجب إحياء البلدة القديمة بشكلٍ يومي، عبر فعاليات خلال ساعات النهار من قبل الفلسطينيين، حتى يمنعوا من توافد المستوطنين وقوات الاحتلال، إلى البلدة، خاصة أنهم يستغلون عدم وجود الفلسطينيين في المنطقة فيزيدون من زياراتهم وتحديدًا يوم السبت.
ماذا نعرف عن "سوق الخضار"؟
سوق الجملة، الذي يُسمى أيضًا "الحسبة" و"سوق الخضار"، أحد أهم أسواق مدينة الخليل في البلدة القديمة، حيث كانت الأسواق العتيقة في البلدة القديمة تعجّ بالمتسوّقين. ويعود تاريخها إلى تاريخ بناء حارات البلدة العتيقة، في الفترة الصّلاحيّة والمملوكيّة من بعدها.
ومن أهم أسواق الخليل القديمة: "سوق حارة القزّزين، وعين العسكر، والشّلّالتين، وسوق الخضار، وباب الخان، والسّهلة، والكراجات"، وكانت هذه الأسواق عامرة بالمتسوّقين، من طلوع الفجر وحتّى أذان المغرب.
أمّا صبيحة أيام الجمعة وشهر رمضان وقبل الأعياد بأيّام قليلة، فكانت تلك الأسواق مكتظّة بالمارة على الدوام. وكان أهل البادية والقرى يجلبون منتجاتهم الزّراعيّة والحيوانيّة إلى التّجار في منطقة السّهلة ومحيط بركة السّلطان وباب الخان وسوق الخضار المركزيّ، وكانت هذه الأسواق بمثابة الأوردة التي تدبّ الحياة في محافظة الخليل لأنّها تضم مجموعة من تجّار الجملة والمفرّق. أمّا بقية الأسواق، فكانت لتجارة البضائع بالتّجزئة على الزّبائن (المفرّق).
وأغلقت "إسرائيل" السوق أمام الفلسطينيين لمدة ستة أشهر في البداية، عقب مجزرة الإبراهيمي التي نفذها المستوطن "باروخ غولدشتاين" (25 فبراير/شباط 1994، 15 رمضان 1414هـ)، وأسفرت عن استشهاد 29 مصلياً فلسطينيًا وإصابة 125 على الأقل.
من جهته، قال دكتور التاريخ عدنان أبو تبانة، إن تاريخ بناء السوق يعود لفترة الحكم الأردني في الضفة، وكان قبل ذلك عبارة عن أرض مليئة بشجر الزيتون.
وأوضح لـ"قدس الإخبارية"، أن (شارع السّهلة) المنوي مصادرته أيضًا ضمن السوق، كان يفصل (بركة السّلطان) عن حارة بني دار، عدى عن ذلك أنّه كان يوصل بين المسجد الإبراهيميّ وكافّة أرجاء المدينة.
تاريخ من التضييقات
منذ سنوات، يضع الاحتلال بوّابات حديديّة لإغلاق السوق، ومنع المتسوّقين من الدّخول أو الخروج منه وإليه. إضافة إلى ملاحقات بحق الشبان واعتقالات لدفعهم إلى العدول عن التفكير في زيارة السوق مرّة أخرى.
ومع الأيّام أصبحت أوضاع التّجّار في البلدة القديمة بأسواقها كافّة، تنهار تدريجيّا إلى أن حصلت مجزرة المسجد الإبراهيميّ، وحينها أغلق الاحتلال البلدة القديمة في الخليل لعدّة شهور متتالية، وبعدها ضيّقوا الخناق على التّجّار، وكانوا يرغمونهم على إغلاق محالّهم أغلب أيّام السّنة إلى أن أجبروهم على الفرار بتجارتهم التي تلفت أو كسدت بسبب طول المدّة الزّمنيّة لهذه الإغلاقات المستمرة، وانتقل التّجّار إلى منطقة باب الزّاوية ووادي التّفّاح وما حولهما، وإلى باقي أحياء المدينة.
سياسة الاحتلال أدت إلى خمول السوق، الفلسطينيون ممنوعون من الاستفادة من متاجرهم بالسوق منذ عام 1994 عندما تم إغلاقه بقرار عسكري، وإجراءات مقيِّدة.
ووفقًا لوزارة الإعلام الفلسطينيّة، فإنّ البلدة القديمة تعاني بشكلٍ دائم ومستمر من إجراءات الاحتلال وتعديات المستوطنين. حيث وصلت أيام منع التجول خلال الأعوام (2000-2002) إلى أكثر من (583) يومًا. وأضافت أنّه تم احتلال (512) محلا تجاريّا بأوامر عسكرية من أصل (1829)، إضافة إلى إجبار (1141) محلّا على الإغلاق بشكل دائم. ولا زالت مغلقة إلى يومنا هذا.
ويهدف الاحتلال- بحسب إعلامه- من إقامة هذه المستوطنة الجديدة، إلى "تشكيل تواصل استيطاني جغرافي بين المسجد الإبراهيمي وحي "أبراهام أفينو" الاستيطاني القريب، وبالتالي مضاعفة عدد المستوطنين في المدينة.
وتقع البلدة القديمة من الخليل تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، منذ عام 1967، ويسكن فيها نحو 400 مستوطن يحرسهم نحو 1500 جندي إسرائيلي.
* ساعدت في إعداد هذه المادة: الباحثة آلاء المناصرة