نشرت منظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية التي تعنى بمراقبة ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية تقريرها الشهري وتناولت فيه النشاط الاستيطاني في مناطق (C) والذي جاء بعنوان (Acting the Landlord "تفعل ما تشاء")، بمناسبة مرور 46 على احتلال الضفة الغربية.
ويؤكد تقرير "بيتسيلم" أنّ ما يسمى بالإدارة المدنية في جيش الاحتلال، وهي الجهة المسؤولة عن تطبيق سياسات الحكومة الإسرائيلية في منطقة C في الضفة الغربية، تسيء استخدام منصبها في إدارة المنطقة لصالح السكان الفلسطينيين، وتطبق سياسة مناقضة تماما، محورها تفضيل المصالح الإسرائيلية والاستيطانية على مصالح السكان الفلسطينيين، بشكل منهجيّ.
وجاء في التقرير، أنه تُعرَّف قرابة 60% من أراضي الضفة الغربية على أنها منطقة C، حيث تسيطر إسرائيل عليها بشكل حصريّ، ويعيش في هذه المنطقة وفق التقديرات قرابة 180,000 فلسطينيّ، ويوجد فيها احتياطيّ الأراضي المركزيّ لأغراض التسكين والتطوير لجميع بلدات الضفة الغربية. وفي قرابة 70% من أراضي منطقة C يُمنع الفلسطينيون من أية إمكانية للبناء والتطوير بمسوغات مختلفة، كأن يُقال إنها "أراضي دولة" أو "مناطق عسكرية مغلقة".
وقال التقرير "إن سياسة التخطيط والبناء التي وضعتها السلطات على مرّ السنين تتجاهل بشكل شبه كليّ احتياجات السكان، فهي ترفض الاعتراف بغالبية القرى في هذه المنطقة ووضع مخططات لها، وتحول دون توسّعها وتطويرها، وهي تهدم البيوت فيها وتمنع وصلها بالبنى التحتية". مضيفة أنه "إلى جانب الآلاف الذين يعيشون في بيوت تحت خطر الهدم، فإنّ الآلاف الآخرين يعيشون تحت خطر دائم بطردهم من أماكن سكناهم، بدعوى أنهم يسكنون مناطق عسكرية مغلقة أو في نقاط سكن بدوية "غير قانونية".
وجاء في التقرير، الذي يشمل 111 صفحة كتبته "نوغا كدمان"، بناء على بحث أجراه ثمانية من الفلسطينيين: "في ظاهر الأمر، تسيطر إسرائيل بشكل تامّ على منطقة C فقط؛ ولكنّ السياسة الإسرائيلية في منطقة C تمسّ مجمل السكان الفلسطينيين في جميع أرجاء الضفة الغربية، مسا كبيرا".
ويوضح "ففي منطقة C الواسعة ثمة 165 "جزيرة" من مناطق A و-B، التي تحوي التجمعات السكنية الفلسطينية في الضفة. كما أنّ احتياطي الأراضي الذي يحيط بالمناطق المبنية في بلدات الضفة وقراها تم الإعلان عنها في حالات كثيرة كمنطقة C، حيث يُمنع فيها البناء والتطوير لصالح الفلسطينيين، أو أن البناء والتطوير مقيَّدان جدا".
وهكذا تخنق الحكومة الإسرائيلية بلدات كثيرة في مناطق A و-B ولا تسمح بتطويرها. في أعقاب هذا، ثمة نقص في الأراضي المخصصة للبناء، وهذا أدّى إلى ارتفاع أسعار الأراضي القليلة الشاغرة، وإلى قلة المناطق المفتوحة وإلى غياب أماكن ملائمة لمنشآت بنى تحتية ومناطق صناعية، حيث يقوم السكان في هذه المناطق – مُضطرين - بالبناء غير المرخص للبيوت أو للمنشآت الحيوية للعيش في أراضيهم المجاورة التي عُرّفت كمنطقة C - وهم يعيشون في ظلّ تهديد متواصل بهدم هذه البيوت والمنشآت.
وبرغم تقديم عشرات الالتماسات إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد نيّة الإدارة المدنية القيام بعمليات هدم ورفضها تخطيط قرى فلسطينية في منطقة C، إلا أنّ المحكمة العليا لم تتدخّل في اعتبارات الإدارة المدنية، وهكذا فإنها سمحت بمواصلة السياسة المؤذية.
في الوقت ذاته، وخلافا للقانون الدوليّ، تشجّع سلطات الاحتلال على سكن مواطنيها في الضفة الغربية. وهي تخصص للمستوطنات مساحات شاسعة ومصادر مياه سخيّة، وتقوم بإجراء أعمال التخطيط المفصل لصالحها، بحيث تأخذ هذه المخططات بعين الاعتبار جميع احتياجاتها ونموّها المستقبليّ، وتتجاهل المخالفات بقوانين التخطيط والبناء، فيما تقوم بشرعنة وتأهيل "بؤر استيطانية" بخطوات رُجوعيّة، وهي مستوطنات عرّفتها حتى حكومة إسرائيل نفسها بأنها مستوطنات غير قانونية.
ويبين التقرير أنّ سلطات تعمل بشكل مستمرّ ومثابر من أجل تحصين سيطرتها على المنطقة C، وتضييق الخناق على الوجود الفلسطيني فيها، واستغلال مواردها لصالح سكانها، إلى جانب خلق واقع دائم فيها مفاده المستوطنات المزدهرة وأقلّ ما يمكن من الوجود الفلسطينيّ الضعيف. وبهذا، تقوم بعملية ضمّ فعلية وخلق ظروف تُسهّل عليها تكريس هذا الضمّ على المدى البعيد والتأثير على الوضعية الدائمة لهذه المنطقة.
وتقول بتسيلم في استنتاجات التقرير إنه "ما دامت إسرائيل تسيطر على المنطقة C، فإنّ عليها الوفاء بالتزاماتها انطلاقا من القانون الدوليّ وقوانين حقوق الإنسان، في أفعالها ونشاطاتها هناك، وعلى السلطات إلغاء تخصيص الأراضي التي أعلنت "أراضيَ دولة" لصالح المجالس المحلية والإقليمية الخاصة بالمستوطنات - التي يشكل مجرد بنائها أمرا غير قانونيّ - وإلغاء الإعلان عن مناطق عسكرية مغلقة. يجب تخصيص أراضٍ للفلسطينيين لأغراض البناء السكنيّ والبنى التحتية والمناطق الصناعية في كل مناطق C، وعليها تسيير إجراء تخطيطيّ مهني يضع نصب عينيه احتياجات السكان الفلسطينيين، ويشارك فيه ممثلون عنهم".