هناك "تريند أو موضة" تفسيرية تهيمن على التحليلات المتعلقة بما يسمى "الشأن الإسرائيلي"، وهي إحالة أي حدث أو فعل سياسي كبير من جانب العدوّ إلى ارتباطاته بالسياق السياسي والحزبي والتنافس الانتخابي الداخلي في "إسرائيل".
فإذا صادق الاحتلال على مشاريع استيطانية بالجُملة، نقول: "يسعى نتنياهو لكسب جمهور المستوطنين لصالح وضعه السياسي وحملته الانتخابية". واذا شنّ الاحتلال عدواناً على غزة فقتل واغتال وأجرم، نقول: "جاءت العملية في هذا التوقيت لصالح نتنياهو الذي يحاول أن ينقذ مستقبله السياسي كونه يلاحق بقضايا الفساد".
واليوم تعلن الإدارة الأمريكية شرعية المستوطنات بالضفة، فيستخدم بعض المحللين الورقة التحليلية ذاتها ليقولوا: إن "الإعلان الأمريكي جاء لإنقاذ الحالة السياسية المأزومة في "إسرائيل" ولخدمة نتنياهو الذي تعثر في تشكيل الحكومة 3 مرات".
رجاءً، يكفي، هذا التوجه نحو قراءة كل حدث سياسي بربطه مباشرة بشخص نتنياهو ونواياه ومستقبله السياسي وحساباته وقضاياه وفساده وزوجته وتمشيطة شعره...إلخ، يليق بخطاب "القائمة المشتركة" التي جعلت لبّ مشروعها السياسي إسقاط نتنياهو، باعتباره الشيطان الوحيد في "إسرائيل"، ولم تجد حرجاً بالتوصية على المجرم "غانتس".
لا أحد ينكر وزن التجاذبات السياسية الداخلية في تحريك العملية السياسية ككل، لكن لا يُعقل أن نتعامل معها بوصفها العامل الأساسي في أي حدث دائماً وأبداً.
هذا مشروع متكامل! يعني بكل أسف، رغم هشاشة الكيان الصهيوني واحتوائه على أسباب زواله، إلّا أن قادته وداعميه لديهم مشروع ماضٍ نحو التحقق والاكتمال ما لم تتم مواجهته بمشروع مضاد يوازي قوته وجديّته. نقطة وسطر جديد.
نعم، إعلان الإدارة الأمريكية في هذا التوقيت مرتبط بحقارة ووقاحة ترامب ووجود كوشنر ورجالاته الصهاينة، ومرتبط كذلك بطبيعة العلاقات الأمريكية مع "اليمين الصهيوني" في الفترة الراهنة. لكنّ الإعلان الأمريكي بشرعية المستوطنات "الذي هو تطبيق فعلي لصفقة القرن مثل حدث نقل السفارة وسحب الدعم عن الأونروا..الخ" نتيجة طبيعية لما جرى لحظة توقيع اتفاق أوسلو. "هذا الاتفاق المشؤوم الذي وقعه القائد الرمز بالمناسبة".
كما أن جرأة أمريكا في طرح الموضوع على هذا النحو مردّها بالأساس وجود سلطة فلسطينية عاجزة عن الردّ بما هو أبعد من القول: "الإدارة الأمريكية فقدت المصداقية".