فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية : كان يوثّق الأحداث والمواجهات، ويحتمي منهم خوفاً من غدرِهم، إلّا أن رصاصةً غادرة أصابت عينه ليهبّ زملاؤه لنجدته فكانت “فداءً للوطن”.
معاذ عمارنة (31 عاماً) الصحفي الفلسطيني الذي ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر إصابته أمس، خلال توثيقه لمواجهات بلدة صوريف غربي مدينة الخليل، أصابت رصاصة “التوتو” عينه لتُدخله عدة مشافٍ فلسطينية، انتهاءً بمشفى “هداسا عين كارم” الإسرائيلي ليخضع لعملية جراحية لاستئصال الشظايا.
لم يبلّغني بخطورة إصابته
“قالوا لي إنه أُصيب برصاصة مطاطية بجانب عينه كي يخفّفوا من روْعي” تقول ولاء عمارنة زوجته لـ”قُدس الإخبارية”، وتُضيف أنها لم تتوقّع أبداً أن تكون الإصابة بشكل مباشر في العين.
تبلّغت عمارنة بإصابة زوجها من قبل شقيقها وتوقّعت أن تكون ككل المرات السابقة، فهذه ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها “معاذ” للإصابة من قبل الاحتلال، فعادة ما كان يتعرّض للحروق بسبب القنابل، أو الاختناق من الغاز السام، أو رصاصة مطاطية لتتسبّب له بجروح بسيطة، لكنّ هذه المرة الأولى التي يُصاب فيها بالرصاص الحي.
“اتّصلتُ على معاذ للاطمئنان عليه، فردّ عليّ وأبلغني بأنه داخل سيارة الإسعاف، وأن إصابته طفيفة، وخبّأ علي أن إصابته كانت خطرة وأن عينه تضرّرت بشكل كبير”، هذا ما قالته “ولاء”.
وتؤكد أنها ذهبت إلى المشفى لترى زوجها، فتفاجأت به، وأردفت أنّ عزيمته ومعنوياته كانت أقوى من إصابته، حيث كان يمزح مع زملائه الذين رافقوه منذ لحظة إصابته حتى نقله إلى مشفى هداسا ويقول: “عيني راحت فداء للوطن”.
ميس الريم لم ترَ والدها ..
معاذ عمارنة لديه طفلة اسمها ميس الريم وتبلغ من العمر ثماني سنوات، وطفل اسم إبراهيم 4 سنوات. ميس الريم متعلّقة جداً بأبيها- بحسب والدتها- وحينما علمتْ بما جرى له أرادت الذّهاب لتراه، لكن.. لم يتسنّ لها ذلك رأفة بحالها.
تقول عمارنة إن ميس الريم تأثّرت بشكل كبير بإصابة والدها، وهي للآن تُريد الذهاب إليه في “هداسا عين كارم” لتراه وتطمئن عليه.
وتُلفت إلى أنهم لم يستطيعوا تقديم أوراقهم للحصول على تصاريح دخول من قبل الاحتلال لرؤية “معاذ” كون اليوم هو السبت، لكنهم سيقومون بكافة الإجراءات للحصول على تصريح زيارة يوم غد الأحد.
دائماً ما كان الخوف يُرافق قلب “ولاء” عندما يخرج “معاذ” لتصوير المواجهات في الأراضي الفلسطينية، فتتوقّع أسوأ الأمور، لكنّها كانت دائماً على يقين بأن “الله هو الحامي”، كما تقول لـ”قُدس الإخبارية”.
عملية جراحية في مشفى “هداسا”
يخضع الصحفي عمارنة لعملية جراحية تستغرق ما بين أربع إلى خمس ساعات في مشفى “هداسا” بعدما تم التنسيق لخروجه من مشفى الجمعية العربية في بيت جالا (بيت لحم).
ووفقاً للأطباء فإن عين عمارنة قد تضررت بشكل كبير، وسيتم خلال العملية استخراج الشظايا مع المحافظة على توازن النظر للعين السليمة، وسط تواجد أربعة أطباء متخصصون في العيون والدّماغ.
وخلال عام يُمكن لعمارنة أن يخضع لعملية زراعة عين تجميلية لكنّ هذا الأمر سابق لأوانه، حيث ستكون عائلة الصحفي وزملاؤه بانتظار نتائج العملية أولاً.
استهداف متعمّد للصحفيين لعدم نقل الوقائع
يقول الصحفي رائد الشريف إن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الصحفيين بشكل عام في كافة أماكن تواجدهم، لكن في الخليل على وجه الخصوص الاستهداف أكبر، مشيراً إلى أنه منذ أحداث مخيم العروب الأخيرة التي استُشهد فيها فلسطيني والاحتلال يستهدف الصحفيين بشكل غير مسبوق.
ويُلفت لـ”قُدس الإخبارية” إلى أن عمارنة هو أحد الصحفيين الذين وثّقوا جريمة الاحتلال في إعدام الشهيد عمر البدوي في العرّوب.
ويُشير إلى أن أحد أسباب استهداف الصحفيين بشكل متزايد هو توثيقهم للأحداث وفضح الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين خلال السنوات الأخيرة، قائلاً: “إن قريبي الذي صوّر قتْل جندي إسرائيلي للشهيد عبد الفتاح الشريف قبل نحو ثلاث سنوات، ما زال لليوم يتعرّض للانتهاكات الإسرائيلية بسبب توثيقه لما حدث”.
وفي حادثة عمارنة يقول: “كان يحتمي من رصاص الاحتلال، لكنّ الرصاصة أصابته، سمعنا آهات من بعيد، لنتفاجأ أنا والزملاء بإصابته بشكل مباشر في العين”.
واستغرب من تعامل الاحتلال مع الأحداث في صوريف أمس، حيث أن الجنود قمعوا الشبان قبل ساعة من إصابة عمارنة، ولحظة إصابته لم يُطلق الجيش نهائياً أي قنبلة صوتية أو غازية أو أي رصاصة مطاطية.
ويؤكد أن أحد الجنود أطلق رصاصة “توتو” واحدة لتُصيب عين عمارنة بشكل مباغت، وسرعان ما قمنا بنقله من الموقع إلى الإسعاف ثم إلى إحدى مشافي الخليل.
من جهتها، أكدت وزارة الإعلام أن ما تعرض له عمارنة لن يطفئ عين الحقيقة، ويستدعي تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي (2222) الخاص بحماية الصحافيين والصادر قبل أربع سنوات، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، وهو النداء الذي سبق أن وجهته الوزارة إلى رؤساء المجلس المتعاقبين.
ودعت في بيان لها، الاتحادين الدولي والعربي للصحفيين للتحرك وفعل كل ما هو ممكن لحماية الإعلاميين، ومحاسبة دولة الاحتلال عن جرائمها التي لا تسقط بالتقادم.