حصل الأمر حين ضرب البرق الصخرة، حين انشقت البذرة عن الوعي، فانكشف درب الرحلة.
كان الشقاقي يذرع الشارع الذي يتفرع منه شارع صلاح الدين، محاذياً لسور القدس ما بين باب الساهرة وباب العامود، قرب الصخور التي تحتضن كهف سليمان، ويناقش عمر القاسم ومصطفى العكاوي في معنى الوطن قبل أن يفترق كلا منهم ولو إلى حين.
عمر القاسم إلى العمل المسلح ومن ثم عسقلان المركزي فالقبر قرب السور الشرقي للقدس، مصطفى العكاوي إلى العمل السري ومن ثم الصعود نحو الشمس من كوة قبو التعذيب في سجن الخليل، وفتحي الشقاقي إلى السجن فالمنفى فالبندقية فالطريق الذي أضاءته ذكرى شبابه في القدس:
المدينة تحت الاحتلال والقبة تغتسل بماء المطر والنقابات تشتعل بالكلام المكهرب والجمهورية الإسلامية تنتصر وجريدة الشعب تكتب أحلام الفقراء الملغّزة بالخط الرقعي العريض الأحمر على صفحتها الأولى: انتصر المشروع في طهران.
كان الشقاقي قد ترك خطاه على الشارع ومضى نحو جامعة الزقازيق يبحث عن أثر ينبئ عمّا يمكن أن يكون قد أرشد تاليا جنديا مصريا اسمه خالد الاسلامبولي إلى الوجهة الصحيحة لبوز البندقية.
تعرقت نظاراته السميكة وهو يبحث عن فلسطين في أي الكتاب وفيما يشق الصخر من عشب وندى طازج وفي تفاعلات ملح البارود. تابع الشظايا كلها ورسم لها مستقبلا موحدا في المخيلة الواعية، بعيدا عن التكايا، تحت جبروت الشمس في المخيم وعلى تراب كله لاجئ فقير عصر في قلبه حجرا وسقى الحلوق العطشى.
بحث عن زرنوقة تحت الركام، فلم يجدها سوى على الجبهة.
المجد للشهيد الشاهد في ذكراه، الخلود له في قلوب المريدين وفي وصايا من تشبثوا بالدرب الفقيرة، الوصايا التي كتبوها ومضوا وخيط الدم ينسلّ من أكعاب أجسادهم الصاعدة من الصليب.
النصر حليف شعبه الحيّ الفدائي المقاتل