لم يشكل قرار محكمة الصلح برام الله صدمة كثيراً على الأقل بالنسبة للأشخاص المطلعين على واقع الحريات في فلسطين وتحديداً في الضفة المحتلة وغزة في ضوء الملاحقة المتواصلة للصحافيين ووسائل الإعلام المعارضة للسلطة.
وشهدت الآونة الأخيرة اعتقالات طالت عديد الصحافيين المحسوبين على وسائل إعلامية لا تتبع للسلطة الفلسطينية أو حركة فتح، فيما كانت توجه الأجهزة الأمنية تهم تلقي تمويل من الخارج أو حيازة السلاح في أحيان أخرى من أجل التصدي للأصوات المعارضة لعمليات الاعتقال، بالرغم من أن هذه التهم باطلة من الأساس.
أما غزة هي الأخرى فلم تخلو من الاعتقالات والملاحقات للصحافين وإن كانت بنسبة أقل عن الضفة، إلا أن السمة الموجودة لدى الأمن الفلسطيني هي الاعتقال على خلفية المنشورات التي يقوم الصحافيين أو النشطاء بكتابتها تعبيراً عن رفض الواقع الذي يعيشونه والمرتبط بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ولا يعتبر قرار الحجب الصادر عن محكمة صلح رام الله بتاريخ 21 تشرين أول/ أكتوبر 2019 هو الأول إذ سبقه قرار مشابه عام 2017 طال عدد من المواقع الإخبارية ذات الطابع المعارض للسلطة الفلسطينية.
ومع تتبع الكثير من الحالات الخاصة باعتقال الزملاء الصحافيين نكتشف أن عمليات الاعتقال وتوجيه تهم التمويل لا تتعلق إلا برواتبهم التي يتلقها بعضهم من مؤسساتهم فأين المانع أن يتقاضي صحافياً راتبه من وسيلته الإعلامية.
أما عن حيثيات قرار حجب 59 موقعاً، فيبدو أن النائب العام أو حتى القاضي لم يكن مطلعاً كثيراً ليعلم أن نحو 32% من أسماء المؤسسات أو الصفحات الوارد ذكرها في القائمة لا تمتلك مواقع إلكترونية من الأساس وأنها مجرد صفحات فيسبوك، فهل ستقدم السلطة الفلسطينية على حظر الفيسبوك في فلسطين.
وبالإشارة إلى ما سبق فإنه لا توجد تقنية معينة يمكن من خلالها حظر صفحات الفيسبوك بعينها ومنع متابعة الفلسطينيين لها، فعلى أي أساس اتخذت المحكمة قرارها وهي لا تمتلك الإطلاع الفني على طبيعة القائمة الواردة أم أنه مجرد قرار يراد من خلالها تكميم الأفواه وفقط دون أي دراية بطبيعة التطور التكنولوجي الحاصل.
وفي زمان أضحت التكنولوجيا تجتاز الحدود والسدود ومع تطور وسائل كسر الحظر هل سيكون القرار قائماً سيما وأن الكثير من هذه الوسائل تمتلك متابعين بمئات الآلاف وبعضها بالملايين.
أما عن القرار ذاته فإنه يخالف نصوص القانون الأساسي الفلسطيني، حيث أن المادة 19 من القانون تنص على أنه لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون.
وقرار القاضي، قد جاء استنادا إلى مادة، شرّعت حجب المواقع الالكترونية بمبررات فضفاضة، مثل النظام العام، والأمن القومي، وهي عبارات واسعة غيّر معرفة تعريفا دقيقا، وهذا التوسيع في اعتبار كل ما يمثل نقدا للسلطة الوطنية الفلسطينية من قبيل انتهاك النظام العام والأمن القومي، يمثل انتهاكا للحق في التعبير عن الرأي.
ينص القانون الأساسي في المادة 26 على أن حرية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وحرية الطباعة والنشر والتوزيع والبث، وحرية العاملين فيها، مكفولة وفقاً لهذا القانون الأساسي والقوانين ذات العلاقة.
كما تحظر الرقابة على وسائل الإعلام، ولا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقاً للقانون وبموجب حكم قضائي.
ومن هنا فإن القرار لا يحمل في طياته إلا جملة وحيدة "نحجبكم ونقطع ألسنتكم"