لا يمكن حصر سياسيات فيسبوك اتجاه المحتوى الفلسطيني، أنها فقط ملاحقة الفلسطينيين في حيز إلكتروني عام ودولي، بتواطئ شركة رأسمالية تلتقي - كالعادة- مع سياسات الاستعمار الصهيوني، تروج لها، تدعمها، وتعززها. إنما جزء من العمليات الحداثية الساعية بشكل مباشر وغير مباشر إلى إعادة صياغة وتشكيل الهوية الفلسطينية التي تعرضت وما زالت، لعلميات التذويب والصهر والتشكيل بما يحقق طمس القضية الفلسطينية وتغييبها.
إذ يقوم فيسبوك بتفريغ منصته من المحتوى الفلسطيني ضمن عمليات متتالية وتصاعدية. ليبدأ يحدد سماحه وعدم سماحه للمنشورات تحت إدعاء "سياسات فيسبوك"، السياسات المنحازة تماماً للاحتلال والمتواطئة مع ممارساته. لا تعمل فقط على حجب المحتوى الفلسطيني عن الجماهير، أو ملاحقة الفلسطينيين بأدواتها العقابية من خلال الحذف والحظر، وإنما سياسات ممنهجة تعيد صياغة هوية وثقافة فلسطينية جديدة، لا مكان فيها لصور الشهداء أو عمليات المقاومة كما لا مكان فيها لكلمات مثل: "المقاومة" أو "المقاوم" أو "الفدائي" وما يضاف لهذه الكلمات من جمل مركبة، أو حتى أسماء الأحزاب الفلسطينية "حماس"، "الجهاد"، "الجبهة"، وغيرها من الكلمات والتي قد تصل قريباً إلى حظر استخدام كلمة "فلسطين" أو "استعمار" أو "احتلال" وغيرها ربما الكثير.
ما يطرح السؤال اليوم: ما هي الهوية الفلسطينية دون وجود لكلمة مقاومة، على سبيل المثال؟ وماذا يعني إعادة تشكيل ثقافة فلسطينية لا وجود فيها لصور الشهداء أو لفصائل المقاومة أو لأي نص مكتوب يعزز المقاومة يمجدها ويتغني بها؟... إذاً فيسبوك الذي استخدمه الفلسطينيون يوماً كمنصة بديلة للحديث عن فلسطين ومقاومتها، أصبح أداة حداثية جديدة بيد العدو، يعد من خلالها تشكيل هوية مفرغة من مبادئنا الأساسية، أداة يلاحقنا بها، ويستخدمها كأداة ردع وعقاب إلكترونياً، قبل أن تتحول تهمة نلاحق عليها واقعياً بالسجن لدى الاحتلال أو السلطة الفلسطينية.
فيسبوك استخدمناه يوماً كمنصة بديلة ليس فقط لنشر وتوثيق ممارسات الاحتلال وجرائمه، وإنما تعزيز ثقافة مقاومة الاحتلال والتصدي له، وتمجيد عمليات المقاومة، والمساهمة في عمليات التعبئة الثقافية والوطنية في ظل ما تشهده خطابات الصحافة الفلسطينية إلى جانبها المثقفين والأحزاب، من تراجع وانحدار مستمر. ما يحملهم كلهم اليوم المسؤولية الكاملة على ضرورة إعادة بناء خطاباتهم الإعلامية والسياسة والأدبية بما يخدم فلسطين وقضيتها، وما يعزز المقاومة ويمجدها، واستعادة دورهم كمنصات أساسية للخطاب الفلسطيني المقاوم، محلياً ودولياً. وكما يقول المثقف المقاوم مهدي عامل: "من لا ينتصر للثورة في كل آن، مثقف مزيف وثقافته مخادعة مرائية، إذا تكلم على الثورة في شعره أو نثره فعلى الثورة بالمجرد يتكلم من خارج كل زمان ومكان لا عليها في حركة التاريخ الفعلية وشروطها الملموسة (..)".