بعدما سعى جاهدًا لإعادة انتخابات الكنيست لأول مرة في مرتيّن متتاليتيّن خلال العام 2019، بات بنيامين نتنياهو يتخوف من مصيره، بعد خسارته لمنصبه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، التي شكَّلت حِكرًا سياسيًا له منذ عام 2009 بشكلٍ متواصل، ولعلَّ ما قدَّمه رئيس وزراء الاحتلال، أعطاه واعزًا في مواصلة تنفيذ خططه المتعددة، لحماية المشروع الصهيوني، الذي يشكل رأس هرمه، خاصةً وأن اليمين الإسرائيلي يندفع نحو السيطرة على الأرض الفلسطينية وتطبيق السيادة الإسرائيلية، والوصول لمفهوم القومية اليهودية من خلال محاولاته لطرح قانون القومية عام 2018، الذي يفتح المجال لنتنياهو أن يسير كما أقرانه السابقين.
لكن، هل بات مصيرُ بنيامين نتنياهو في الحلبةِ السياسية الإسرائيلية واضح المعالم؟
لقد فشل نتنياهو في تشكيل حكومته خلال 50 يومًا، بعد حصول كتلته على غالبية الأصوات في انتخابات الكنيست في نيسان المنصرم لعام 2019، بالتحالف مع الأحزاب اليمينة ذات الطابع الصهيوني من الدرجة الأولى، وذلك بعد احتدام المنافسة مع غانتس الذي يترأس حزب أزرق أبيض الحاصل على 33 مقعدًا، والمنافس الأول لحزب الليكود بزعامة نتنياهو؛ وذلك لأن ليبرمان كان لديه اشتراطاته المتعددة أبرزها ما يتعلق في الشأن الداخلي، وهي إجبار الحريديم على الخدمة في الجيش، وهذا يعتبر من المسائل الحساسة بالنسبة للمتدينين اليهود، ولنتنياهو كذلك.
عمل نتنياهو على بناء قاعدة انتخابية خلال فترة الإعداد لانتخابات الكنيست مبكرًا، ليحسم الصراع على رئاسة الحكومة بالتحالف مع الأحزاب اليمينة واليمينة المتطرفة وحصولها على 61 مقعدًا، بخلاف ليبرمان وحزبه "إسرائيل بيتنا"، إلا أنه وبعد فرز أصوات الانتخابات بنسبة 99.8%، تراجع نتنياهو في مقاعده من 60-55 مقعدًا، مما يدلل على أن نتنياهو يواجه خسارة فادحة وفرص ضعيفة في تشكيل الحكومة المقبلة، مما يعني اقتراب مصيره من السجن بتهم عدّة حول ثلاث ملفات فساد تُنهي عَقدٌ من الزمن نحو السجن، وانتهاء مشواره السياسي.
ارتفاع نسبة التصويت في الانتخابات زادت من احتمالية عزله سياسيًا:
استغل نتنياهو حملته الانتخابية في حشد الإعلام الإسرائيلي لتوجيه العنصرية ضد الناخبين العرب الفلسطينيين، الذين يشكلون نحو 900 ألف، إذ قاد نتنياهو هذا التحريض بشكلٍ شخصي، إذ أنه خلال شهر سبتمبر حاول تمرير قانون وضع كاميرات مراقبة في مراكز الاقتراع للناخبين العرب؛ خوفًا من التزوير كما ادعى، لكنّه فشل بذلك، مما دعا إلى رفع نسبة التصويت مقارنة في انتخابات نيسان إلى 60% بدلًا من 50%، وكانت نسبة الاقتراع وصلت إلى 69%، ولم تأت نسبة التصويت لصالح نتنياهو بقدر أنها رفعت نسبة الناخبين العرب للقائمة العربية المشتركة، وسعي الأحزاب اليسارية والوسط إلى هزيمة نتنياهو سياسيًا، بما يعرف ذلك بـ "اليمين العلماني"، بقيادة غانتس، الذي يسعى لتشكيل إتلافٍ حكوميٍّ يضم الجميع برئاسته، والذي لم يسلم هو الآخر من التراجع في المقاعد التي حصل عليها في نيسان المنصرم بـ 33 مقعدًا بدلًا من 35 مقعد، ومع محاولات عزل نتنياهو، يبقى ليبرمان ينادي بتشكيل الإتلاف الحكومي بين الأحزاب الثلاثة "الليكود، أزرق أبيض، إسرائيل بيتنا"، واستثناء الأحزاب الدينية اليهودية، وهذا ما يعارضه نتنياهو، إذ أن مسألة الدين والأحزاب الدينية من المسائل الحساسة في إسرائيل، ولا يمتلك الجرأة للقبول بعرض ليبرمان.
وتلاعب نتنياهو من خلال فرض أجندته في أساسيات الدعاية الانتخابية، المتمثلة في قضايا الأمن والاستيطان وموضع العرب في إسرائيل، وكذلك القانون، ليكسب ودَّ المستوطنين المتطرفين في دعمه سياسيًا، أو الوعودات التي قطعها قبيل الانتخابات بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة المحتلة، والأغوار، وشمال بحر الميت، وتنفيذ عملية عسكرية على قطاع غزة، وحزب الله؛ إلا أن الضربات التي تلقاها من حزب الله والمقاومة الفلسطينية وفشله في ردعها، زادت من هاجس غانتس في ألا يجلس في حكومةٍ يترأسها نتنياهو، أو يتناوبا عليها معًا.
وباتت فرص نتنياهو ضئيلة في تشكيل حكومته، إذ أنه من المتوقع أن يتم توجيه ملفات الفساد ضده خلال الأشهر القليلة القادمة، وهذا ما ينزع عنه الحصانة في حال كان وزيرًا في الحكومة الجديدة، كذلك غانتس لن يستطيع تشكيل الحكومة إذا ما أجبره نتنياهو على تشكيل الحكومة بالتناوب فيما بينهما على رئاستها، إذ أن أهداف غانتس الرئيسية، تتجلى في تحييد نتنياهو عن الحياة السياسية في الدرجة الأولى، وعدم قبوله في البقاء في حكومةٍ فيها نتنياهو، أما في حال لم تصل الأمور إلى مرحلة الحسم، فإن النظام السياسي الإسرائيلي، على موعد مع انتخاباتٍ ثالثة بعد 84 يومًا كما حدد القانون، ولربما يكون عنوانها خلال هذه الفترة، فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة الخامسة والثلاثين، وطرده من حزب الليكود، إذ بات على شفا حفرةٍ من السجن بتهم الفساد الثلاث.