"منذ سبعة أعوام أبحث عن عروس؛ لكن للأسف .. دون قبول، حتى بلغت 31 عاما واعتقدت أن الزواج أغلق أمامي".. هذا ما كان يعانيه الشاب رامي "ر" من مدينة غزة، هو يحاول في كل مرة دخول "القفص الذهبي" الذي أوصدت أبوابه أمامه في كثير من الأحيان ووقفت الكثير من العقبات حائلا دون أن يسمع التهنئة المنتظرة :"مبارك يا عريس" أولها تكلفة المهر والسكن، لكن تلك المعاناة تبددت بعد أن عقد قرانه أمس، وأزاح العقبتين السابقتين، وطوال أمس وهو يتلقى باقة من تهاني المحبين والأقارب.
ما أن سمع رامي عن مبادرة "زواج البركة" التي انطلقت مؤخرا بغزة وتتضمن أن يكون مهر العروس ألف دينار أو دولار، وأن توافق العروس على مبدأ العيش بغرفة في بيت عائلة.
فاقتنع بالفكرة كما اقتنعت خطيبته بها، وكل منهما استفسر من صاحب المبادرة حتى وفق بينهما وعقدا قرانهما كأول حالة ارتباط من هذه المبادرة التي بدأت بالتطور فبعد أن كان الشباب يستفسرون عن طبيعة المبادرة من صاحب فكرتها محمود كلخ من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، الآن باستطاعتهم تعبئة بياناتهم عبر استمارة الكترونية لتسهيل التوفيق بين العروسين.
أخيرًا بعد انتظار
بعد أن التقط أنفاسه في مستهل الحديث محاولًا كتمان فرحته؛ "لا أستطيع وصف سعادتي" بدا رامي "ر" الذي فضل عدم الكشف عن اسم عائلته في حديثه مع "قدس" سعيدًا للغاية عكستها نبرة صوته ولا غرابة في ذلك بعد انتظار دام سبع سنوات، فيقول: "تخرجت من الجامعة عام 2010م ودرست بكالوريوس لغة عربية، وفي كل عام كنت أتقدم لامتحانات التوظيف، لكنني لم أجد عملا سوى بعض فرص التشغيل المؤقت.
عام 2016م حصل رامي على وظيفة آذن براتب 500 شيكل شهريا، لكن هل كان ذلك كفيلا بارتباطه؟ يجيب عائدا بذاكرته للوراء متحدثا عن تلك المعاناة: "كنا حينما ندخل أي بيت بحثا عن عروس يرفضني أهلها، إما أن السكن غير مناسب في بيت العائلة أو الدخل منخفض فضلا عن قيمة المهر المرتفعة 4 آلاف دينار التي لا أستطيع توفيرها".
عن مبادرة "زواج البركة" يعلق "عندما أطلقت المباشرة تواصلت مع صاحبها، وفهمت الفكرة وأعجبتني، بالتزامن كانت خطيبتي تستفسر عن ذات الشيء وحدث التوافق بيننا بعدما ذهبت لرؤيتها ثم اتفقنا على مهر قيمته ألف دينار، وأن تعيش معي في بيت العائلة".
لا زال يعبر عن سعادته، بإبتسامة غطت وجنتيه "آخر فترة اعتقدت أن موضوع الزواج أغلق أمامي".
"المبادرة جميلة فكوني حصلت على عمل قبل فترة وجيزة لم استطع ادخار مبلغ المهر لذا خففت عني التكاليف؛ الآن أشعر بسعادة كبيرة، كذلك خطيبتي وهي بالمناسبة من نفس تخصصي الدراسي (لغة عربية)، لكنها تصغرني بستة أعوام " يقول ويرد على منتقدي المبادرة: "هم لا يعملون الأوضاع الصعبة للشباب".
جدل: بين مؤيد ومعارض
ما أن انطلقت المبادرة حتى أثارت جدلا واسعا في القطاع بين مؤيد وعارض ودرات حولها نقاشات على صفحات التواصل الاجتماعي، الكثير ممن عبروا عن آرائهم بها رفضوا الفكرة، لكن صاحب المبادرة محمود كلخ يقول إنه منذ أسبوع فقط على مبادرته أقبل المئات من الشباب لطلب المساعدة في التوافق مع شريكة حياة ترضى بمضمون المبادرة (مهر ألف دينار وسكن بالعائلة)، وأنه قام حتى اللحظة بمحاولة التوافق بين 40 حالة نجحت أول حالة في الارتباط التي استعرضناها في بداية التقرير.
عن فكرته أضاف كلخ في حديث خاص لـ قدس الإخبارية "إننا في غزة نعيش بمصائب كبيرة فالشباب يصلون إلى سن 30-35 عاما ولا يستطيعون الزواج، وكذلك الفتيات، فانطلقت الفكرة من عمق حاجة المجتمع".
تزامن إطلاق المبادرة مع إعلان الاحتلال عن افتتاح مطار بالنقب لتسهيل هجرة الشباب من غزة، مردفًا "جاءت فكرة المبادرة من منطلق وطني لتثبيت الشباب وإزالة جميع العقبات، وهي مبادرة فردية وستبقى كذلك (..) منذ إطلاقها توجهت إلينا مؤسسات ربحية وكذلك أحزاب لتبنيها، فرفضناها لأننا نريد أن تصبح شعبية وتصبح ثقافة تدخل إلى كل بيت".
إقبال كبير
هل لاقت المبادرة قبولا؟ سؤال يطرحه كثيرون نظرا للعادات السائدة في المجتمع الفلسطيني حول مراسم الزفاف، لكن لصاحب المبادرة رأي آخر "حظيت المبادرة بقبول كبير وكأن الناس كانت بحاجة لمن يخرجها من حالة خجلها، وهناك طلبات التسجيل تصلنا بالمئات".
كان الامر في البداية مرهقًا لكلخ كونه يعمل مدرسا خاصة مع بدء العام الدراسي، بتعبئة البيانات عبر صفحات التواصل الاجتماعي، فأنشأ استمارة الكترونية تساعد في تسهيل عملية التسجيل وتقديم الطلبات، كاشفًا أنه قام حتى اللحظة بإتمام التوافق بين 40 حالة، واحدة منهم جرى عقد قرانها، أم نجاح الارتباط يتعلق بمبدأ قبول الطرفين ببعضهما البعض، بعد الموافقة المبدئية على مضمون المبادرة.
أما المفاجأة التي لم يتوقعها كلخ، فتمثلت بأن قرابة 80% من الشباب المتقدمين يمتلكون مسكنا منفصلا عن عائلاتهم لكنهم لا يمتلكون مهرا بقيمة 4 آلاف دولار.
يؤكد أنه لن يتلقى أي دعم لكن يمكن أن يتم التنسيق مع صالات أفراح ومطابخ ومعارض صالونات تجميل السيدات ومعارض بدل الزفاف للحصول على تخفيضات لمن تشملهم المبادرة.
تخفيف عن الشباب
لكن أستاذ علم النفس د. درداح الشاعر، يقول إن "المهر ليس محكوما بمبلغ معين فلا نستطيع تقييد المهور بمبلغ محدد فهذا ليس من الشرع، انما هذه المبادرات تأتي من باب التخفيف عن الشباب وربما تلاقي ترحيبا بالمجتمع لأنها توافق حالة الحصار وقد تحمل حلا جزئيا لمشكلة الزواج وتخفف الأعباء المالية.
وأضاف الشاعر لـ قدس الإخبارية "المبادرة مقبولة من باب التسيير وهي تلامس مشاعر الشباب وحاجات المجتمع الفلسطيني، وهي شيء جميل لكن يجب أن نميز بين الشرع والظروف الوقتية التي يمر بها المجتمع ".
وبين أن قضية الزواج لها الكثير من المتطلبات والأعباء فهي ليست مهرا، فإذا تم التجاوز عن المهر لا يمكن القفز عن الأعباء الأخرى.